- الاصطفاء الإلهي قضية قرآنية..

السبت, 14-مارس-2020
صعدة برس -
*محمد ناصر البخيتي
عضو مجلس الشورى
يتخذ البعض قضية الاصطفاء الإلهي مدخلا للهجوم على انصار الله ومبررا للعدوان على اليمن، لذلك قررت مناقشة هذه القضية من خلال النصوص القرآنية حتى يتضح للجميع انها قضية قرآنية لا لبس فيها.

إن سجود الملائكة لأدم عليه السلام عباده لله سبحانه وتعالى، واعتراض ابليس على السجود لم يكن بسبب انكاره لمبدأ استحقاق لله سبحانه وتعالى للعبادة وإنما بسبب حسده لأدم لان الله قد فضله عليه وعلى الجن و الملائكة وجعل ولايته طريقا ووسيلة لرضاه. و هكذا كانت مشاعر الغيرة والحسد تجاه من اصطفاه الله سببا لإنحراف إبليس ولأكبر خطيئة في تاريخ الكون والتي لا تزال البشرية تعاني من اثارها حتى اليوم.

وكما امر الله سبحانه وتعالى الملائكة واختبرهم بالسجود لأدم امرنا واختبرنا بمودة آل البيت جاعلا من مودتهم وسيلة لعبادته و طريقا لنيل رضاه بقوله: (قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى) الشورى 23. ولو ان الاعتراض على هذا الامر ينفع بحجة المساواة بين الناس لكانت حجة ابليس اقوى لأنه خُلق من نار بينما خُلق ادم من طين و لكان الاجدر بالملائكة عدم السجود لكونهم خلقوا من نور. وكما اختبر الله اهل السماء بالسجود لأدم اختبرنا بمودة اهل البيت وكما لم تشفع لإبليس عبادة ستة الف سنة امام جحوده بولاية ادم فإن عبادتنا مهما بلغت لن تنفعنا امام جحودنا بمودة اهل البيت.

للأسف صرنا نسمع البعض يصرح بعدائه وكرهه لأهل البيت بدافع الغيرة والحسد او بدافع العناد متجاهلين حقيقة ان الله سبحانه وتعالى لا يمكن ان يامرنا بخلاف مقتضيات العدل والرحمة.

لقد نجح ابليس في شتى انواع العبادات بإقامة الواجبات وترك الشهوات وفعل الخيرات ولكنه سقط في اختبار الولاية بمناصبته العداء لأدم فأستحق بذلك الطرد من رحمة الله. لذلك لا يتصور احد ان مناصبة العداء لأهل البيت امرا هينا بعد ان امرنا الله بشكل واضح وصريح بمودتهم.

لقد كان الله يعلم بحقيقة ابليس وان لم يكن قد اظهر تكبره إلا بعد مروره باختبار الولاية مضيعا عبادة ستة الف سنه بكفر ساعة واحدة.

قد يجادل البعض بالقول ان الولاية والاصطفاء تكون في الاشخاص وليس في الذرية نقول لهم وأين تذهبون من قول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ, ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ال عمران34. و هذا تأكيد بأن الاصطفاء يكون في الذرية كما في الاشخاص.

قد يجادل البعض بالقول ان الولاية والاصطفاء كانت في السابقين فقط ولم تعد في اللاحقين، نقول لهم وأين تذهبون من قول الله سبحانه وتعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا) النساء 54.

فمن هم هؤلاء الناس الذين آتاهم الله علم الكتاب و الحكمة والملك العظيم كما آتى ال ابراهيم من قبلهم وحذر المسلمين من حسدهم؟ فإن لم يكونوا ال بيت محمد صلوات الله عليه واله فمن يكونون؟

قد يجادل البعض بالقول بأن القرآن صرح بآل ابراهيم ولم يصرح بآل محمد. نقول لهم او ليس آل محمد امتدادا لآل ابراهيم ثم اين تذهبون من قول الله سبحانه و تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور 21.
او ليس محمد صلوات الله عليه و على اله بأفضل الاولين والآخرين، فكيف تُلحق الذرية الصالحة بغيره من الانبياء و الصالحين و لا تُلحق بمن هو خيرهم وافضلهم؟

قد يجادل البعض بالقول بأن الاصطفاء في ال ابراهيم ثابت بنص قطعي الدلالة و امتداده الى آل عمران ثابت ايضا بنص قطعي الدلالة بينما لم يثبت امتداده لآل محمد بنص قطعي الدلالة كما سبق فيمن قبلهم وبالتالي يمكن اعتبار ال محمد قضية فرعية لكونها محل اجتهاد وخلاف و لا يلام جاحدها.
نقول لهم وأين تذهبون من قول الله سبحانه وتعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة 124. وقوله سبحانه وتعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلا جَعَلْنَا صَالِحِينَ.وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) الانبياء 73.
فالآية الاول توضح حصر الامامة في ذرية ابراهيم الى قيام الساعة, و الثانية توضح ان وجود الامامة في اسماعيل وذريته هو الأصل وأن وجودها في اسحاق وذريته ما هي إلا نافلة كونها ستنقطع فيهم وتستمر في نسل اسماعيل الى قيام الساعة. لذلك نقول في صلاتنا اللهم صلي على محمد وال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم ولا تصح صلاتنا إلا بالصلاة على ال محمد.

قد يجادل البعض بالقول أن هناك اشخاص منحرفين وظالمين في ذرية محمد صلوات الله عليه وعلى اله. نقول لهم الم تقرؤوا قول الله سبحانه وتعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) فاطر 32
أي ان الاصطفاء لا يرفع التكليف عن الذرية، ووجود ظالمين ومقتصدين في ذريته لا يتعارض مع الإصطفاء طالما وان فيهم السابقين بالخيرات الذين لا يمكن لأحد سبقهم وهم الذين امرنا الله باتباعهم وبالصلاة عليهم حتى ان صلاتنا المفروضة لا تصح إلا بالصلاة عليهم.

وذلك الفضل الكبير الذي وصلوا اليه بإذن الله هو نتيجة لتقواهم وصلاحهم وبالتالي فإن اصطفائهم لقيادة الأمة وتطهيرهم ليكونوا مؤهلين لذلك المنصب لا يتعارض مع مقتضيات العدل الإلهي، قال تعالى: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) الاحزاب 33

وقضية تحريم الصدقة على ذرية الرسول وتحليل الخمس لهم من القضايا التي اجمعت عليها الامة بصرف النظر عن الخلاف حول تحديد مصادر الخمس و وظائفه.

وبخصوص تقديمهم في المجالس وغيرها من الامور التشريفية فإننا في واقع الحياة نحرص على تقديم مثلها لأبناء من نحب فكيف بأبناء من هو احب إلينا من انفسنا. ومن يجد في نفسه غضاضة تجاه تقبل هذا التكريم لهم فهذا يعني أن حبه للنبي لا يعدو كونه طقطقة لسان وعليه مراجعة نفسه.

أما بخصوص حصر الخلافة أو الامامة في ال البيت فهذا لا يشمل منصب الرئيس او رئيس الوزراء او غيرها من المناصب وبالتالي لا يعترض احد على قضية الخلافة بحجة حقه في تولي الرئاسة أو غيرها. وقضية حصر الإمامة في ذرية بعينها أمر ثابت من أيام ابراهيم عليه السلام وبإتفاق كل المذاهب والخلاف الحالي هو في مدى اتساع دائرة الحصر فمنهم من جعلها في اثنى عشر امام ومنهم من جعلها في البطنين ومنهم من جعلها في قريش.

صحيح ان الوضع لا يسمح بإقامة الخلافة بشكلها الكامل في الوقت الراهن ولكن هذا لا يعني التخلي عنها كعقيدة، فالمؤمنين في زمن إبراهيم عليه السلام كانوا يقرون بشرعية امامته وان كانوا يخضعون لسلطة غيره من الحكام.

و بالمناسبة فإن حركة الاخوان المسلمين قامت على فكرة استعادة الخلافة و اطلقوا صفة الامام على حسن البنا وفرضوا له البيعة على الناس ولمن خلفه من المرشدين. وكذلك فعلت الحركة الوهابية مع محمد بن سعود ومحمد ابن عبد الوهاب وعبد العزيزي ال سعود الذين اطلقوا عليهم لقب الامام. وداعش اعلنت تنصيب خليفة و خلافهم مع تنظيم القاعدة ليس في اصل الخلافة وإنما في توقيتها.

ومن يزعمون ان حب اهل البيت وموالاتهم فيه انتقاص لكرامتهم وعزتهم و يستكثرون علينا وصف الهاشمي بالسيد تراهم يصفون الرئيس الاسرائيلي او الامريكي بالسيد دون أي مشكلة و هذا يؤكد ان المشكلة في نفسياتهم وليس في واقع قضية ال البيت.

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 12:41 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-42238.htm