نزار العبادي -
نهاية لم تخطر في بال زعيم الدولة العظمى «جورج بوش» ولم يتوقعها أي من ساسة البيت الأبيض.. فرئيس الولايات المتحدة الذي وعد العالم قبل أكثر من أربع سنوات ان يخرج العراقيون لاستقبال جيوشه بالزهور، عاد ليفاجئ العالم اليوم بالخروج من العراق مهاناً بـ«جزمة» صحافي عراقي حديث العهد بالمهنة، طويل الباع بالعزة والكرامة الوطنية.
موقف مخز مازالت الفضائيات تبثه مطلع كل نشرة اخبارية، وتتسابق على عرضه المنتديات الالكترونية، دون ان تكف شعوب الأرض عن السخرية والاستهزاء بهذا الجبروت الفتاك الذي اطاحت بترسانته الحربية، وأسلحته التكتيكية الباهظة «جزمة» مواطن بسيط ضاق ذرعاً بالاحتلال البغيض، وما جره على بلده من قتل، ودمار لم يعرف له التاريخ مثيلا !!
ومع ان ذلك الحدث هو وحده ما سيبقى في ذاكرة الشعوب من عهد الرئيس بوش، غير ان ما سيزيد من مرارته عند الرئيس الأمريكي هو أنه أصبح خارج السلطة ولم تعد أمامه أي فرصة للانتقام لنفسه، والثأر لكبريائه المهان وكرامته التي هوت إلى الحضيض.. !
الصحافي العراقي منتظر الزيدي ـ أسقط بـ«جزمته» كل حسابات الاحتلال ورهاناته.. فهو من أبناء الجنوب ـ مدينة الناصرية ـ التي كان يعتقد الأمريكان أنها اقليمهم الآمن.. كما أنه من أبناء المذهب الشيعي الذي عزفت على وتره قوات الاحتلال، وصورت أبناءه عملاء لها بقصد إثارة نقمة الطوائف الأخرى، وتأجيج الفتنة المذهبية والمناطقية.. غير ان ما حدث أثبت للاحتلال ان كل حساباته كانت خاطئة.. وان الشعوب الأصيلة مهما تعثرت، وعيت تبقى أفضل من يجيد فن الوقوف، وأقوى المراهنين على الصمود والمقاومة والبقاء.
من تابع ما جرى على الساحة الداخلية العراقية عقب الحادث بساعة واحدة فقط يستطيع إدراك قوة الإرادة العراقية الشعبية في التلاحم، والتنكر لكل سلوك دخل العراق على ظهر الدبابة الأمريكية.. فقد خرجت جموع العراقيين إلى الشوارع تجوبها بمواكب زفاف، وكل بيت عراقي اطلق الرصاص إلى الهواء احتفالاً ببطولة الموقف، وانتكاسة رؤوس الاحتلال ورد الاعتبار للكرامة العراقية.. وحق كل من طاله ظلم برد الصاع بصاعين.
بعد ساعة واحدة فقط كانت هناك عاصفة ضحك وسخرية تفجرها رسائل الموبايل التي تبادل من خلالها العراقيون النكات، والتعليقات الساخرة.. في نشوة انتصار ما أظن التاريخ سيكررها يوماً من الأيام.
لم يكن العراقيون وحدهم من احتفى بالموقف الشجاع، بل ان أبناء الأمة من المحيط إلى الخليج احتفت، والتقطت الصعداء مجدداً بشيء من الفخر والكبرياء لتؤكد للعالم أنها لم تمت بعد، وان الشارع العربي مازال جباراً هادراً بعنفوان إرادته الصلبة، وان السنين العجاف ربما غيبته ولكنها لم تفلح في مسخه أو قتله.
ربما على الولايات المتحدة وكل القوى الاستعمارية ان تفهم الدرس، وتدرك ان أمتنا عظيمة، وبأسها شديد، ولابد من التعايش معها على أساس احترامها، وتبادل المصالح معها، ونشر ثقافة التسامح والمحبة والسلام بين شعوبها، وبغير ذلك ستبقى «الأحذية» هي لغة العصر.
- عن الجمهورية