صعدة برس - لم تعد مجرد توقعات، الأنباء حول توجُّه العميد أحمد علي عبدالله صالح إلى خلع البزة العسكرية، مُختاراً، وارتداء بدلة العمل السياسي. معظم الإفادات والترجيحات، قريبة العهد بصاحبها، تجزم باكتمال كأس العزم والهمَّة لدى القائد إلى خوض غمار جبهة السياسة، بعد أن حسم خياره دون العودة عن الاستقالة.
القائد السياسي، اللقب والصفة الجديدة التي يتطلع نحوها محبو وأنصار (القائد العسكري) العميد أحمد. ولا يخفي كُثُر من أنصار والده الرئيس علي عبدالله صالح، وبينهم قيادات سياسية وحزبية في المؤتمر الشعبي العام، تطلعهم إلى انخراط أحمد علي في العمل السياسي وأن يلقي عن كاهله أعباء ومسئوليات العمل والمنصب العسكري الذي يشغل، كقائد لقوات الحرس الجمهوري أفنى شطراً مهماً من سني عمره في تأسيس وإنشاء وتطوير القوة العسكرية الأحدث والأهم في الجيش اليمني والأكثر حرفية ومهنية وتخصُّصاً (الحرس الجمهوري، القوات الخاصة).
سيكون من مصلحة ولراحة العميد أحمد علي، كما يقول مؤيدوه وأنصار والده، أن يتوقف عن دفع ضريبة مضاعفة، مجاناً، ومن جهتين وجبهتين في آن: مرة من جهة الخصوم التقليديين الموغرين، ومرة من جهة المرجعية الرسمية التي توقفت أن تكون مرجعية وأخذت الضد من ذلك. فيما العميد أحمد يلتزم الصمت وقد آن له أن يتحدث بصورة عملية، أن يستقيل ويصر على الاستقالة ويتخفّف من أعباء وتبعات التموضع في موقع وسط بين طرفين يضمران له السوء ويجاهران بالاستقصاد المتدرج والاستهداف العلني بأساليب ظاهرة ومؤلمة في أوساط مناصري الرئيس صالح ومحبي أحمد.. ولكن، أيضاً، فإن غير الظاهر منها أنكأ وأدعى إلى التذمُّر، وهو ما يضاعف من حُجَّة ووجاهة القرار والعزم الذي انطوى عليه العميد بالتحوُّل إلى العمل السياسي وملاقاة مؤيديه وأنصار والده وحزبه (المؤتمريين) في منتصف الطريق، للسير معاً، وتكريس نضال سياسي يفضي إلى غاية واضحة المعالم تضرب موعداً مع صندوق اقتراع تشخص نحوه أبصار المتطلعين على مسافة عام من الموعد.
الذين كادوا الرئيس علي عبدالله صالح واستنفروا قواهم وقوى أخرى معهم لإطاحته والإجهاز عليه خلال عامي الأزمة الأخيرة (2011-2012)، كانوا في حقيقة الأمر يضمرون السوء والعداء ويبيّتون نيَّة الإجهاز والفتك باتجاه العميد أحمد. وفي حسبانهم أن التخلُّص من صالح هو أقصر الطرق إلى التخلُّص من ابنه، القائد العسكري الشاب المليئ بالحيوية والطموح، فيما كان من الواضح أن شعبيته آخذة في التمدُّد والاتساع أفقياً وعمودياً. إنه، والحال هذا، يهدِّد مصالح الرؤوس التقليدية المنتفخة والمتطلعة بدورها إلى وراثة صالح، سلطة وحكماً. وإلى مضاعفة ومراكمة الامتيازات والمكاسب، ثروة ونفوذاً وتأثيراً. ولم يكن يشغلهم شيء حيال الوصول إلى الغاية المنشودة كما شغلهم وعكَّر حساباتهم، ويكاد أن يعطلها، العميد قائد الحرس والذين تمثلوه كابوساً حقيقياً مزعجاً ويجب التعامل معه (من الآن) وقبل التوغُّل قُدماً في المستقبل، حيث المؤشرات جميعها أو معظمها ترجح كفته وأنهم لا يسعهم مجاراته في الحال فضلاً عن مجاراته في المستقبل الذي راح يتراءى لهم مختلفاً عمّاً تحدثهم أنفسهم ويحدثونها.
تصدى، باستماتة مُعجِزة وبخبرة طويلة النَفَس وعظيمة التجلد، الرئيس (الداهية) علي عبدالله صالح لمعركة الحسم، التي أطلقها خصومه الألداء مطلع العام 2011م، وهم كانوا حلفاءه المحظيين ووجوه عهده المحظوظين، صنعة يديه وحصاد تثميره لهم وتقديمهم على الخاصة والعامة وتمكينه لهم في سائر القطاعات والمجالات.. حتى أثروا وأفحشوا وتحوّلوا بمخالبهم نحوه آخر الوليمة..!!
جرت أحداث وفظائع امتحان الخبرات والإرادات طوال أشهر العام الأول للأزمة (2011) ولم يتمكنوا، برغم كل شيء فعلوه وتوسَّلوا به توصلاً لحسم المعركة، من حسمها لصالحهم.
وعندما ظنوا أن القتل والاغتيال سوف يضع نهاية، وبأي ثمن، لمعركة طويلة أعجزهم تجلد صالح خلالها، تفاجأوا أن الرجل يعود من موته ويصيبهم بالذهول والإحباط المرير.
هؤلاء، الذين كادوا الأب، يتربصون بالابن من وقت مبكر ولم يكفوا محاولاتهم أو يتوقفوا يوماً عن استهداف، ومن التفكير باستهداف، أحمد علي.. العميد قائد الحرس الجمهوري؛ بما هو أحمد علي عبدالله صالح بشخصه، أولاً. وبما هو ثانياً وثالثاً وعاشراً قائد الحرس والرجل القوي بين جنوده الذين ارتبطوا به معنوياً وعاطفياً لطريقته الذكية في العمل والتواصل والتقدير والإشباع المعنوي والمادي لجهة الحقوق والعناية الخاصة كما اشتهرت في أوساط الجيش وتسرَّب خبرها للناس.
والحال أن الرؤوس المسكونة بالرغبة الجامحة إلى التخلُّص من العميد أحمد، نجل الرئيس المشير، صارت رغبتها فيما بعد انقضاء عام الأزمة الأول والأصعب (2011) أضعاف ما كانت عليه قبل ذلك العام.
باتت نزعات الثأر أوضح تصريحاً وأشد قتامة. المثقلون بخيبات حصاد عام كامل من الجولات والمعارك المفتوحة وحرب الاستنزاف، التي لم تمكّنهم من رأس صالح على الرغم من تفجيره ونسفه بمتفجرات تكفي لإبادة مدينة كاملة. ولم تمكنهم أيضاً من العميد أحمد، نجل الرئيس وقائد حراس الجمهورية أو قوات الحرس الجمهوري، حصن الشرعية الحصين. التي منعت الحرائق والنيران أن تصل إليها وحفظت جسم وقلب الدولة ورمز السيادة، في أحلك الظروف. معطِّلة بذلك خطة عمل النسخة اليمنية من برنامج الفوضى المنظمة، والتي انكسرت في صنعاء أمام مِراس السياسة من جهة ومصدات الحرس من جهة موازية.
انقضى العام الثاني للأزمة (2012) بمتغيرات كثيرة. لكن، أيضاً، الشرعية لم تسقط وجرت إرادتها مجرى التنفيذ الذي كان يدعوهم إليه صالح من البداية فأبوا.
جاءت السلطة الانتقالية عن توافق سياسي وانتخابات شكلية بمعطيات الاستفتاء لتزكية مرشح وحيد رئيساً انتقالياً ليمن انتقالي.
إنه لمن المؤسف القول بأن ما لم يحصل عليه حلفاء أزمة (معركة) 2011 بالعنف وبالحرب والمجالدة، راحت السلطة الانتقالية تناولهم وتمكِّنهم منه شيئاً فشيئاً، سلماً، ودونما مراعاة لحاجة البلد إلى التوازن والمرحلة إلى التوافق.
على كل حال، قِيل وسيقال وسيكتب الكثير حول هذا السلوك.. والخلفيات التي تنطلق منها قرارات السلطة الانتقالية. وننوه هنا بشهادة سجَّلها اللواء علي محسن، سيعود إليها الناس حتماً.. والمؤرخون يوماً، تومئ إلى سابق علاقة تنسيق وتفاهم مبرم، طرفاه محسن وهادي منذ بداية أزمة 2011م. والمدهش هو أن الرئاسة لم تنفِ وكاتب لديها لم يعلِّق أو يعقّب بسطر واحد. فهل ثمة أبلغ في الموافقة من الصمت؟!
القائد السياسي
بالوصول إلى هنا والآن، بقي لوحده العميد أحمد علي من بين جميع وأهم القادة المحسوبين على معسكر "الشرعية" وساحة "السبعين" والذين أزيحوا جانباً وتم التخلص منهم. العبء بأكمله يقع على كاهل أحمد علي، وهو غير مُجبر على مواصلة التضحية لأجل لا شيء وفي ظل قيادة تجاهر بعدائها وخصومتها وهو في غنى عن كل هذا العناء واحتمال ما لا يُحتمل.
"القائد السياسي" هو الخيار المُتاح والمشرع أمام العميد ليكونه. أمةٌ من المؤيدين والأنصار ينتظرونه هنا.. وفي الموعد.
يكفيه شرفاً، ما فعله وما قام به إلى الآن. بنى القوة العسكرية التي يعرفها ويفخر بها ويشهد الجميع. وهو يشهد الآن، بتحسر بالغ، كيف أن تلك القوة باتت هدفاً للتمزيق والعبث تحت مسميات وذرائع لا آخر لها.
لطالما اختار هادي الجانب الخطأ. هذا غير مهم الآن على كل حال. نفذ علي محسن وحلفاؤه بيد هادي أهدافاً كثيرة. وسيجدها هادي نفسه، أنه هو الهدف الأخير!!
ثمة موقع.. ومقعد.. ومهمة.. بانتظار القائد السياسي، أحمد علي.
* صحيفة المنتصف
|