صعدة برس - فـردوس حــمـود
حـريـة الصحـافـة تعني ضمنـاً بـأن من حق جميـع الأفـراد التعبيـر عـن أنفسهم كتـابةً أو بـأي شكـل آخر من أشكـال التعبيـر عـن الرأي الشخصي أو الإبـداعي، كما ينـص الإعـلان العـالمي لحقـوق الإنسـان على أن لكـل فـرد الحـق في حـرية الـرأي والتعبيـر، فـــالصحـافة إعـلام وتنــوير وليس تضليـل وتزييف الحقائـق، الصحفيـون المهنيـون هم فقـط من يتحرون الحقيقة والشفافيـة في نقـل الأخبار وتعاطي المعلـومات، بغض النظـر عـن انتماءاتهم وتـوجهاتهم، والسؤال الذي يفرض نفسه الآن وبقوة: هل صحافتنا اليمنية مهنية؛ أم تمارس التــدليس والأكاذيب والتطبيــل على الـــدوام.. ؟!!
تهييج الرأي العام
د. علي العمار ـ أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام بجامعة صنعاء، نائب مدير مركز التعليم عن بعد، قال: إن الصحافة لعبت دورا رئيسياً في إدارة الأزمات خصوصاً الثورة اليمنية، فقد كانت الصحافة خصوصا الإلكترونية الأداة الاستراتيجية والأساسية في إدارة الأزمات كونها أكثر حرية وبعيدة عن رقابة الدولة، كما عملت الصحافة بشكل عام على تهييج الرأي العام تجاه الأحداث.
مضيفا: لكنها رغم كل ذلك إلا أنها لم تكن حيادية في طرح القضايا وغابت عنها التغطية المتوازنة، التي كان ينشدها القارئ خصوصا أوقات الأزمات عندما يعتمد الراي العام في استقاء معلوماته على وسائل الإعلام, لذلك فقد عمدت على تشويه الحقائق وإثارة الفتن والصراعات بين أبناء اليمن الواحد، كما أنها لم تكن تحصل على المعلومات والحقائق أولاً بأول لضعفها المادي والمهني بالإضافة إلى أنها غلبت الجانب الحزبي على الجانب المهني.
ويقول: منصور الصمدي هو الآخر يعتقد أن الدور الذي لعبته الصحافة اليمنية خلال الفترة الماضية اتسم بالتباين والتناقض وحتى التنافر, فقد تخندقت الصحف “الرسمية, والحزبية, والأهلية” ضد بعضها البعض منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة الشبابية الشعبية, وكذلك الحال بالنسبة للصحفيين الذين انقسموا ما بين مؤيد للثورة ومعارض لها؛ في حين اختار فريق ثالث منهم دور المتفرج الصامت, وليس خافيا على أحد ما سوقته لنا بعض تلك الصحف من مغالطات وإشاعات وأكاذيب وافتراءات, والى أي حد هجرت الحقيقة، وتعدت على الأخلاقيات والمبادئ والأعراف والتقاليد المهنية, وما ترتب على ذلك من آثار سلبية سواء على ثورة الشباب أو على الوضع في البلد بشكل عام.
- وأشار الصمدي أنها عملت على تشويش الرأي العام, وأثارت حالة من الرعب والخوف في أوساط الناس, وتمكنت من التغرير بالكثير من البسطاء ممن كانوا يعتزمون ولديهم الاستعداد للانخراط في صفوف شباب الثورة ومناصرتهم وجعلتهم يغيرون قناعاتهم ويعدلون عن مواقفهم, - يؤكد الصمدي وبشكل عام بأن الصحافة اليمنية أخفقت في تأدية دورها الوطني “التوعوي والتنويري، والتثقيفي، والتوجيهي” بالشكل المطلوب، فبالقدر الذي اجتهد خلاله عدد كبير منها في خدمة الثورة الشبابية والقضية الوطنية من خلال تنوير الناس بالحقائق والمعلومات الصحيحة وتوجيههم نحو اتخاذ المواقف السليمة، إلا أن البعض الآخر منها أساء إلى الثورة والوطن، وشوش أفكار الرأي العام، وأسهم إلى حد بعيد في توسيع دائرة الصراعات والخلافات، وتأجيج نيران الفتنة، والأحقاد، والكراهية، والنزعات الطائفية، والمناطقية، والقبلية بين مختلف الأفراد والأطراف والمكونات السياسية، بالإضافة إلى مساهمته في رفع وتيرة التدهور الاقتصادي والأمني والإنساني وغير ذلك من التداعيات التي أوصلت البلد إلى حافة الانهيار.
الكثير من البلبلة
لعبت معظم الصحف اليمنية ومازالت دورا سلبيا للغاية في توجيه الرأي العام اليمني والدولي عن الأزمة السياسية في اليمن.. هذا ما أكده صادق القدمي، معللاً ذلك بأنها ـ يقصد تلك الصحف ـ أوجدت رواجاً كبيراً للشائعات والأكاذيب التي تبث ويتم تداولها بسرعة البرق، دون التأكد من حقيقتها ومصداقيتها, فأثارت الكثير من البلبلة التي قد تؤدي إلى الفتنة بين أبناء المجتمع بتحولها إلى قضية رأي عام؛ والمؤسف أن غالبية من يقف خلف هذه المواقع يسقطون انتماءاتهم الحزبية أو المذهبية أو الفكرية في كتابتهم للخبر أو المقال؛ وبالتالي يحورون المادة لتخدم توجههم.
- وأضاف القدمي: لذا نستطيع القول بأن معظم الصحف في اليمن افتقدت الأهداف والغايات التي أنشئت من أجلها الصحافة، وغابت عنها أخلاقياتها المهنية التي تحترم الحقيقة وتقدسها لأجل نهضة الشعوب والارتقاء بمستواها من خلال استقصائها وتحريها للمعلومة ومصدرها دون المجازفة أو العبث بنشر ما هو غير مؤكد, متمنيا أن يحكم القائمون على الصحف اليمنية ضمائرهم وعقولهم كي نرى عما قريب صحافة ملتزمة تتميز بالمهنية والمصداقية والحيادية، صحافة تهتم بالمعلومة والخبر القيم الذي يخدم ويهم المجتمع، صحافة تقدم خدمة صحفية نوعية ذات أهمية للقارئ، صحافة تجمع وتلم والشمل ولا تفرق و تبني ولا تهدم.
كلّ يغنّي على ليلاه
يعتقد كثيرون أن الصحافة اليمنية منذ فترة طويلة لا تلعب الدور المنوط بها بشكل مهني وأخلاقي كما يجب, حيث تلعب الايدلوجيات ومراكز السلطة المالية والسياسية دوراً بارزاً في التحكم بمنافذ المعلومات وحق المواطن في الحصول على الحقيقة.. وفي هذا الصدد يرى عبد السـلام المسـوري أن الصحافة اليمنية خبطت الدنيا خبيطا؛ وكلّ يغني على ليلاه, واصفا إياها بأنها تكاد تكون متسخة وضبابية وغامضة، أشبه ما تكون بالتاريخ اليمني المغيب حقائقه وأحداثه ومساراته, ولذلك منعطف التجربة اليمنية في مختلف مناحي الحياة ناقص تماما؛ تؤثر علينا متلازمات الذهنية المتكلة على الهام التجارب الأخرى في كل شيء، وتكاد تكون البيئة اليمنية منسلخة نسبيا عن جذرها التاريخي القديم العريق, فلا أعتقد أن هناك صحفا تعمل بمهنية مطلقه؛ لكن يمكنني أن أقول إن هناك صحفا حازت على رضى المجتمع نوعا ما وهذا يكسبها شيئا من المسئولية لتتجه نحو المهنية البحتة دون قيود.
وصاية وقيود
وليـد أبلان ـ رئيس تحرير صحيفة المواطن، يقول: للأسف لم تقم الصحف والمواقع الإلكترونية بدورها المهني والوطني في هذه الأوضاع التي مرت بها البلاد, نظرا لتبعية الكثير من الصحف والمواقع الإخبارية لجهات حزبية أو شخصيات نافذة؛ أما الصحف المستقلة والمواقع المحايدة فقد توقف صدور الكثير منها بسبب الأزمة والظروف التي مرت بها البلاد, مضيفا يكاد يكون الإعلام الرسمي فاقـد لمهنيته ولدوره السليم في التعامل مع الظروف التي مرت بها البلاد بسبب الوصاية و القيود المفروضة عليه من الحكومة السابقة، إجمالا كان المواطن اليمني وما يزال ضحية للتسريب والفبركات الإعلامية، وهو لا يعرف أين يجد الحقيقة.
- فيما يعتقد حسن جلال ـ رئيس تحرير صحيفة كواليس، أن الصحافة كان لها دور كبير وواضح لا يقل جهداً عن المواقع الإلكترونية بل لا يقل عن الجهود السياسية نفسها, لان دور الصحافة كبير وله سطوته ونفوذه، وكان من الطبيعي أن نشاهد الصحافة اليمنية مستغلة من جميع الأطراف السياسية.
لا تغوص في العمق
لا يوجد للأسف صحف حيادية في اليمن.. هذا ما اعترف به الصحفي محمد السامعي، فكل الأخبار والتقارير التي تقوم بتغطيتها هذه الصحف بعيدة عن المهنية والموضوعية، وكل ما يتحكم بالنشر هو المالك الذي يؤيد طرف معين ويبذل ما بوسعه من أجل نصرة أهدافه من خلال صحيفته.
- فيما يرى فراس شمسان أن الصحافة المطبوعة كانت تلعب دور التحليل وطرح الآراء ولكن الكثير منها كانت تفقد الحيادية والطرح المناسب, خاصة صحف السلطة والمعارضة وكان دورها مقتصر على تعاطي الأخبار الصورية، وبعدت عن ما وراء الخبر وبعدت كثير عن إنتاج الصحافة الاستقصائية التي تتعمـق وتنقل للقارئ بعداً اعمق من مجرد مناقشة سطحية.
كلام جرائد
عـديـد صحف يمنية توقفت عن الصدور بفعل الأزمة المالية الخانقة التي نتجت عن التدهور الاقتصادي الذي أصاب البلد بشلل عام، كما أن نسبة الذين يتابعون الصحف اليومية من الجمهور لا يزيد عن 5 % ما يعني أن دور الصحافة المكتوبة لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب؛ خصوصا عند معرفة أن أكبـر صحيفة في اليمـن لا توزع في أحسن أحوالها سوى ثلاثين ألف نسخة؛ هذا ما ذكرنا به الكاتب الساخر أحمد غراب، وعليه وجب التنويه أن المال لاعب رئيسي في انتعاش الكثير من الصحف أو تدهورها، وهو بلا شك يلقي بظلاله على أدائها ومهنيتها.
كما أن الثقة بين الصحف وقرائها تبقى وليدة تراكمات مجتمعية تعزز بين الفينة والأخرى من سطوة انعدامها، والصحف الصفراء أكبر دليل على ذلك، كما أنها وللأسف الشديد كانت ولا زالت الأكثر مقروءة، على الرغم من علم قرائها بكذبها وتدليسها، فكان مصطلح (كلام جرائد) الأكثر شيوعاً وتلميحاً، والأكثر سوءًا أن يولد من يتعصب لمثل هـذه الفبـركـات، ويؤسس عليها قناعاته الشخصيـة، بل ويحاول إقناع الآخرين بها؛ وعليه لزم التذكير أن الإعلام المُغرض في بلد يعشعش فيه الجهل كـــ (اليمن) يهــدم كثيـراً ولا يـبـني..!!
الجمهورية نت |