صعدة برس-متابعات - ميدي المدينة الساحلية ذات التاريخ الموغل في القدم، قدر لها أن تنّسى تاريخها الماضي، وصارت اليوم ذات سجل جديد يبعد كثيرا وكثيرا جدا عن واقعها وتاريخها الحقيقي..
صارت اليوم مشهورة بأنها منطقة المهربين، ومنطقة الفلتان الأمني..
في ميدي تغير كل شيء , بعد أن كانت بالأمي تمتاز بطبيعتها الخلابة، صارت اليوم وكر المهربين ومحطتهم الرئيسية، ومنها يبدؤون نقطة البداية، مستفيدين من قربها من الجزر التي حولوها إلى منطلقات للتهريب..
يقول (موسى سرور) أحد أبناء المنطقة وهو مدرس: مواقع التهريب في ميدي كثيرة جداً وهي على امتداد الشريط الساحلي التابع للمديرية وتبدأ أولا بمنطقة تسمى (التبة البيضاء) الواقعة غرب مدينة ميدي، والتي لن تستطيع الوصول إليه الا بسيارة شاص (شبح) نظرا لوعرة الطريق إليها . حتى تصل منطقة اللحية التابعة ادريا للحديدة..
و يضيف سرور: هناك منطقة أخرى رئيسية في مجال التهريب تسمى "الشورى" وتمتاز لدى المهربين بأشجار "المانجروف" التي تغطي أجزاء كبيرة من البحر فيختفي فيها المهربون وقواربهم لأيام دون أن يتم اكتشافهم.
التهريب مهنة من لا مهنة له
التهريب مهنة من لا مهنة له في ميدي .. أطفال تركو الابتدائية وتوجهوا لهذه المهنة .. يبحثون عن الغنى السريع تجدهم على سيارات لا تملكها الدولة أعمارهم لا تتجاوز العشرينيات رغم المخاطر التي تحيط بهم..
(محمود بائع سمك ) تحدث: زادت نسبة العمل في التهريب لدى الشباب العاطلين بنسبة كبيرة وقد قتل كثير منهم وذهب آخرون ضحايا لعمليات التهريب وكل هذا يحدث أمام مرأى ومسمع السلطات التي تبارك هذا العمل رغم خطورته..
أحدهم أخرج ابنه من المدرسة للتهريب فقتل في أول مهمة
محمود من حديثه أتضح بأنه ينظر للظاهرة بأنها بالغة الخطورة، كونها تهدد الجيل القادم، بل وصل الأمر بالكثير من أولياء الأمور إلى تشجيع أبنائهم للعمل في هذا المجال (واحد فصل ولده من المدرسة وهو في ثالث اعدادي وقال له ابن عمك معه سيارة وقدوه خاطب ويشتي يتزوج وأنت قاعد في البيت مثل أختك روح شق طريقك , الولد تأثر بكلام والده ومن أول عملية قتل برصاص جنود خفر السواحل السعودية , هذا مثلاً ليس إلا ..)
كان حديث محمود مؤلما كنت غير متقبله لكن بعد أن استمعت لقصة أخرى يرويها فيصل وهو أحد شباب ميدي استوعبت مدى حقيقة ما طرح..
البحرية السعودية تستهدف قارب بمن فيه
يقول فيصل: أبناء المنطقة بشكل عام لايزالون يتذكرون ذلك اليوم الحزين من شهر مايو 2007 الذي فقدوا فيه اثنان من أهاليهم (محمد معقي) 29عاما, لدية 4 اطفال بالإضافة إلى زوجته، و زميله عبده مرواني في العشرينيات من عمره كانوا على متن أحد القوارب بالقرب من الجزر السعودية قبل أن يتم استهدفهم من قبل قوات بحرية سعودية داخل المياه اليمنية .. كان هناك شهودا أكدوا أن من استهدفهم هي قوات بحرية سعودية وليس قوات التحالف مثلما ردد البعض.. فيصل لم يوضح ماذا كان على متن القارب .. وأعتذر عن الجواب..
شاب اخر من شباب ميدي، تحدث عن المخاطر التي يتعرض لها المهربون وخاصة في ممر المجرى الدولي الذي غالبا ما يتم استهداف أي جسم غريب يتم رصده فيه من قبل قوات التحالف الدولية التي مهمتها حماية المجرى الدولي.
يذكر لنا بعض المآسي التي أصيب بها شباب في عمر الزهور انخرطوا في أعمال التهريب، وكثير من الضحايا متزوجون ويعولون أسرا في ميدي وأطفال أيتام خلفوهم من بعدهم.
القوات الدولية تستهدف أي جسم متحرك في الممر الدولي
فالقوات الدولية عند رصد أي (هوري أو يخت) يمر من الممر الدولي يصبح لديهم الضوء الأخضر في التعامل معه بالطريقة التي يرونها مناسبة، ومن ذلك استهداف القارب وحرقه، وغالبا ما يتم قصف الجسم أو القارب مباشرة ما يتسبب في إزهاق أرواح كثير من شباب المديرية، ويقومون في الغالب بتفتيشها بعد استهدافها وعمل أجهزة أمامه وخلفه للتفتيش بطرق وتقنيات غاية في الدقة..
احتراق 4 على قارب تهريب ولم يتم التعرف على جثثهم
في عام 2009م، أربعة من عزلة الجعادة – إحدى عزل مديرية ميدي – لاقوا نفس المصير..
يقول والد فيصل: (كان الليل قماري بعد صلاة العشاء تحرك أربعة من الاسرة لطلب الرزق على قاربهم وعنما وصلوا بالقرب من الجزر السعودية تعرض قاربهم لقذيفة أحرقت قاربهم..
كان في القارب كميات من البترول، ما أدى إلى الاشتعال السريع واحتراق الجثث وهم إبراهيم طاهر العصيمي لديه 4 أطفال، سليمان علي شوعي (15 عاما)، عيسى بن عيسى يماني أب لـ 3 أطفال، وعبد السلام محمد عبده الجعيدي.
ويضيف لم نتمكن من التعرف عليهم، لكن نعرف أنهم من كانوا على متن القارب وقد نجا أحد ركاب القارب بأعجوبة ويدعى محمد طاهر، بعد أن ظل يسبح على لوح خشبي لمدة يومين إلى أن وجده أحد الصيادين وقد تأثر جسده وجلده الخارجي، وأصيب من حينها بنوبات مرض نفسي لا يزال يعاني منها إلى الآن..
القصص عن ضحايا التهريب في ميدي كثيرة جداً وتحتاج إلى اعداد خاصة لكن هناك حالات هامة ومؤلمة استمعنا لها .
تهريب السلاح إلى السودان
مسؤول محلي في ميدي سرد لنا هذه القصة بعد أن فضل عدم ذكر اسمه يقول في أواخر عام 2010 خرج قارب من رأس عيسى متجها للجزر السودانية وعلى متنه 3 من شباب المديرية وآخر من مديرية المخا يلقب بالعسل يبلغ من العمر 32 سنة..
كانوا معهم سلاح يشتوا يهربوه إلى السودان قبل أن تُلقي عليهم القبض قوات خفر السواحل السودانية بعد مطاردة عنيفة قتل فيها يحي فشفش 27 عاما لديه 3 اطفال ورمضان شيخين 18 عاما واصيب حسن محمد ناصر الحرضي في كتفه بجرح بليغ واخر يدعى عيسى حسن، وتم علاجه في السودان، وآخر يدعى عيسى حسن بقشي وقد تم ترحيلهما عبر سفارة اليمن بالسودان بعد أن قضوا في السجن أكثر من سنة وثمانية أشهر.
كُنت أسمع عن ميدي كثيراً مثل هذه القصص, لم استطيع أن أتطرق لها قبل أن أقف على حقيقة ما يقال عنها.. لكن الآن وأنا ازورها وأتنقل بين قراها وجزرها وأتحدث مع سكانها من أجل الخروج بشيء يعزز حقيقة ما يقال عنها أو ينفي بعضا مما قيل عنها. أؤمن حقيقة ما يدور في هذه المنطقة وخاصة في بحرها الطويل أكثر من كل ما قيل عنها.
تأخذك الدهشة حين تعلم أن بحر ميدي وجزره يعدا ممراً لدول أخرى كالسعودية والسودان وحتى مصر وليست الدهشة في ذلك، بل في مرور السلاح بأنواعه والمخدرات بكافة مسمياتها وأحجامها، وقبل ذلك البشر بكل جنسياتهم وأعراقهم وعبر شبكات منظمة داخلية وخارجية.
تهريب السلاح إلى دارفور
شاب من أبناء المديرية طلب عدم ذكر اسمه يعمل في إحدى البواخر، يقول إنه كان ضمن طاقم شبابي من أبناء المديرية كانوا يعملون لحساب أحد التجار وكانوا إلى وقت قصير يقومون بتهريب السلاح إلى مناطق دارفور في جنوب السودان وجزر سودانية أخرى أهمها: جزر السابعات، شعب الوكا، تلا تلا، راس اسيس، بر سواكن. قبل أن ينتهي هذا الطاقم نهائيا بعد أن اعتقلت قوات سودانية 4 إلى الآن بالإضافة إلى 3 وهو أحدهم تركوا العمل.
التهريب يتم عبر مافيا دولية
مصدر مرموق في المنطقة تحدث قائلاً: (في تلك الجزر يتم تهريب الأسلحة من قبل المهربين اليمنيين وعبر شبكة مافيا عالمية، كما يتم من خلالها أخذ الركاب منها كمحطة ترانزيت لوصول البشر وبعض الأشياء المحرمة دوليا من والى الجزر اليمنية والسواحل بميدي وكذا منطقة اللحية التابعة لمحافظة الحديدة ولا يزال التهريب في هذا المحيط قائم إلى الآن.
الحاكم مستفيد
واضاف ما يحدث في هذه المنطقة يحضى بمباركة من مسؤوليها وأعيانها والذين هم في الاصل تجار تهريب أو سماسرة يقومون بحماية المهربين.. أنتهى حديثه)..
شخصياً أتذكر ذات مرة كنت مع المحافظ القيسي في لقاء بمسؤولي هذه المنطقة وتحديداً في (رأس معوج) تحدث أحد الشباب من اعضاء المجلس للمحافظ (هؤلاء الذين عندك يا سيدي المحافظ تجار مافيا .. الناس تنام بالليل ونحن هنا لا ننام كل واحد منهم معه فريق ويسّروا مطاردة – أتذكر رد عليه يومها رئيس المحكمة الذي كان حاضر .. نعم يا سيدي المحافظ الأمور الأمنية خرجت عن النطاق، فكان رد المحافظ: أنت هنا تمثل دولة ليش ما تضبط؟ رد علية الحاكم مبتسما الاجهزة الامنية والنيابة لم تحيل إي نوع من هذه القضايا .. يا سيدي المحافظ السمك في صنعاء أرخص من ميدي .. بسبب تصديره . فرد المحافظ: نحن في موضوع التهريب، قاطعة الشاب: يا سيدي المحافظ الحاكم هذا مستفيد..
كنت حينها أتمنى أن أسمع رد من مدير أمن المديرية ومدير المديرية أحمد الهبل الذين كانا بجانب الشاب ويبعد عن الحاكم بمترين لكن ظل صم بكم عمي...
وحتى المحافظ لم يتحمس للموضوع وكأنه مؤمن بمصير هذه المنطقة، ونشرت حينها تقرير عن ذلك في صحيفة الاولى..
قباءل الرشايدة السودانية تحصل على السلاح عن طريق ميدي
مصادر عسكرية – تعمل في الشريط الحدودي البري والبحري تحدثت بعد أن طلبت عدم ذكر أسمها كونها غير مخولة بذلك ( السلاح يمر من بعض الدول المجاورة لشواطئ ميدي ويتم تمريرها من السواحل اليمنية للسودان ولزعماء القبائل هناك، الذين يسمون (الرشايدة).
وهم من أصول سعودية تم طردهم كما تشير المصادر من قبل مؤسس المملكة الملك عبد العزيز ونزحوا إلى صحارى السودان واستوطنوها ولا يزالون يمتازون بتقاليد البدو في تلك الصحاري.
تهريب السلاح إلى سيناء
ولم يستبعد المصدر العسكري ذاته إلى أن السلاح أيضا يهرب من خلال جزر ميدي إلى صحراء سيناء بتنسيق مع رجالات أمن وقيادات في نظام مصر السابق، بل ويكاد يجزم أن من كبار المتورطين من أسرة حسني مبارك الرئيس المصري السابق.
يمنات |