صعدة برس-عبد الجبار سعد -
ثمرة الحكمة وحصاد الحقد
عبد الجبار سعد
في عام 2005 وقبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة تحدث المرحوم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر عن الأوضاع في اليمن، وورد في سياق حديثه لفظة (نفق مظلم) كوصف لما عليه الأوضاع في البلاد، خصوصا الاقتصادية منها.. وقد فاجأت الدولة وأركانها هذه الهجمة غير المتوقعة من أحد أركان النظام و من أحد كبار حملة عرش الرئيس الصالح، فانبرى للتصدي لها والرد عليه الدكتور عبدالكريم الارياني المستشار السياسي للرئيس، والذي كان يشغل مركزاً قيادياً في المؤتمر الشعبي العام، وكان الرد على الشيخ بنفس الحدة، واتهمه بأنه وأولاده وراء ادخال البلاد في هذا النفق المظلم، وانقسم الشارع السياسي إلى فريقين فريق ينتصر للنظام ويدافع عن الرئيس، وفريق آخر يدافع عن الشيخ الذي وقع في مرمى سهام النظام كله وأعوانه.
* * *
في تلك الفترة تقاطر الناس خصوصا شيوخ القبائل ووجهاء البلاد اليمنية من كل حدب وصوب إلى منزل الشيخ الأحمر في الحصبة، وأصبح بيته محجة للزائرين والداعمين له والمستنكرين لما يتعرض له من حملات.
ولم يفلح كثيراً الاعتذار من قبل الأخ الرئيس الذي حمله الأخ الأستاذ عبد العزيز عبد الغني رئيس مجلس الشورى، ثم انفجرت أحداث الشغب التي تلت حزمة من التدابير الاقتصادية التي تبنتها الحكومة حينها، وكان منها رفع بعض الدعم عن المشتقات النفطية والتي فجرت تظاهرات غاضبة وأعمال شغب، نجم عنها سقوط بعض الضحايا وهنا خرج الشيخ عبدالله من معتكفه ليعلن استنكاره للإجراءات واستنكاره للأحداث بمجموعها..
وبنتيجة ذلك التقى هو والرئيس الصالح واتفقا على معالجات معينة للأزمة اقترحها الشيخ وأقرها الرئيس، وكانت مناسبة للتصالح من جديد.
* * *
ثم جاءت الانتخابات الرئاسية وكان التجمع اليمني للإصلاح الذي يرأسه الشيخ عبد الله ضمن ائتلاف معارض هو اللقاء المشترك في مواجهة الرئيس وحزب المؤتمر ومن تحالف معه، وكان من المنتظر ببداهة المسارات ان يكون الشيخ مع حزبه ومع اللقاء المشترك، خصوصاً وأن ولده حميد كان المحرك الرئيسي لحملة المواجهة ضد صالح، ودخل في تحدٍ سافر له ولحزبه استخدم فيه كل سلطانه وماله وعلاقاته الداخلية والخارجية لتحقيق النتيجة المرجوة، وهي إسقاط الرئيس صالح في الانتخابات، ولكن أباه فاجأ الجميع بوقوفه مع الرئيس الصالح ودعم ترشيحه له وخاطب الشعب اليمني بالوقوف معه، وكانت ضربة قاصمة لظهر ابنه الشيخ حميد الذي خرج من المعركة مهيض الجناح محطم القوى خائب المسعى، ليستأنف معركته التي أوصلته إلى السفارة الأمريكية ويضع خطة التغيير التي نشرتها الوثائق السرية الأمريكية عبر موقع ويكيلكس، والتي حدد موعدها في هذا العام 2011 وتحققت كما أراد..
* * *
وإذا كان في الخطة- كما يعتقد البعض- البديل الذي لم يفصح عنه في الوثائق حين تفشل الانتفاضة والذي تحقق في جمعة رجب الحرام باستهداف قيادات الدولة كلها في ضربة دموية موجعة للدولة والشعب، فإننا قد وصلنا إلى ذروة الحدث والمواجهة وبدأنا ننتقل إلى استخلاص النتائج.
و نستطيع القول أن:
* الحكمة التي أدار بها الأحمر الأب صراعه مع الرئيس افتقدت تماماً لدى الأولاد وحل محلها عنفوان الخصومة والتهور في السير لتحقيق الأهداف التي يصعب دركها بتلك الوسائل والتي ربما حققت عكس مقاصدها..
* في المواجهات الدموية التي بدأها أولاد الأحمر مع الدولة خذلتهم القبائل حولهم حتى من حاشد نفسها، لأنها كانت المرة الأولى التي يرفعون هم فيها السلاح ضد الدولة وليس العكس وبدون موجب مقبول.
* وكما يبدو لأهل النظر في الشأن السياسي والتاريخي فإن ضربة جمعة رجب الحرام أطاحت بكل آمال بيت الأحمر في الجمع بين المشيخة والرئاسة!!.
* وأكثر من ذلك جعلتهم هدفاً لأصحاب الثأرات من الدم المسفوك والموزع على اليمن كله شماله وجنوبه ووسطه، ليس في مسجد النهدين فحسب ولكن في الحصبة وغيرها من مواقع المواجهات الدموية التي اشتعلت بهم، بحيث يمكن أن يفقدهم حتى إمكانية الحفاظ على مشيختهم التي توارثوها بعد الآن.
* ثقافة الكراهية والحقد وغياب أخلاق القبيلة والدين والعروبة في خصومتهم، والتي تجلت من خلال إعلامهم وتصرفاتهم تجاه المخالفين، ما أشاع عند الناس حالة من النفور والاستياء والرفض لوجودهم في المشهد السياسي كله.
من أجل ذلك كله أضحى المشهد السياسي أشد قتامة وإن كان الفرج يبدو أقرب.. فصراع مشائخ بيت الأحمر مع الرئيس الأحمر كما يبدو دخل في مرحلة الحسم؛ الذي نأمل أن يكون فيه خروج اليمن من هذا النفق المظلم، الذي أدخلنا فيه الحقد وغياب الحكمة.