صعدة برس -
*طه العامري
لست من رابطة " صناع الطغاة " ولست ممن يقدسون " الأفراد" لكن ثمة حقيقة تاريخيه يجب أن نستوعبها وهي أن ثمة " أفراد" كان ولا يزل لهم دورا وحضورا في تشكيل مسارنا التاريخي والحضاري والحقيقة الأخرى هي أن التاريخ لا يصنع نفسه بل يصنعه البشر وثمة " أفراد " تمتعوا بكاريزمية استثنائية في مسار التاريخ فقدر لهم أن يكونوا سبب في حدوث تحولات عميقة في مسار التاريخ بكل جوانبه .. وفي تاريخنا العربي خصوصا وتاريخ الشرق عموما كان " للفرد" القائد دورا في قيادات وإنجاز تحولات أثرت على مسارنا التاريخي والحضاري وعلى قناعتنا الوطنية والقومية ومشاعرنا الوجداني وطرق تفكيرنا وبالتالي يصعب تجاوز مثل هولا الأفراد القادة الذين اعطونا من حضورهم الكثير ومن افكارهم وتحولاتهم الأكثر في الماضي والحاضر والمستقبل , وبغض النظر عن الهفوات والاخطاء التي وقع بها البعض من هولا القادة التاريخيين فأن من لا يعمل لا يخطئ وليس هناك ثمة معصوم عن الخطاء من البشر ففي الأخير هم بشر وليسوا انبياء أو رسل ..!!
أقف اليوم أمام قيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد ليس كتابع أو محب تحركنا عواطفي تجاه هذا القائد بل أقف في هذه التناولة كمحلل ومراقب ومتابع لمجريات الأحداث التي مرت وتمر بها الجمهورية العربية السورية , واتخيل حال هذا البلد لوا لم يكون على رأسها قائد استثنائي بحجم ومكانة الرئيس الدكتور بشار الأسد الذي كان لإدارته دفة الأزمة والمؤامرة النسبة الأكبر من حقائق الانتصارات التي تحققها سورية في مواجهة اخطبوط الأعداء وصناع المؤامرة .. لست مقلل هناء من قدرة " الحزب الحاكم في سورية ولا من قدرة الحكومة السورية والقيادة بصورة كلية " لكني اجزم أن كل هذه القدرات ما كان لها الصمود أمام جحافل المؤامرة وادواتها وأطرافها لوا لم يكن للرئيس الأسد رؤية حضارية ومتقدمة في إدارة الأزمة والتصدي للمؤامرة فالرئيس الاسد وحين تفجرت الأزمة كان أول المدركين والمستوعبين لمخاطرها وانها ليست كما قيل ويقال " ثورة شعبية" ولكنها تحت هذا العنوان انطلقت واحدة من أضخم وأخطر المؤامرات التي تعرضت لها سورية الدور والموقف والرسالة والمكانة الحضارية والتاريخية والموقع الجغرافي وبالتالي سارع لتحقيق رغبة ذاتية كانت تستوطنه منذ تسلم سدة الحكم في سورية إلى تحقيق بعض من تلك التطلعات المتصلة بالإصلاحات السياسية ومكافحة الفساد والانفتاح على قوى المجتمع فكان قانون الاحزاب والتنظيمات السياسية وكان قانون الانتخابات وكان الدستور الجديد الذي استفتى عليه الشعب العربي في سورية ويعد من أرقى الدساتير العالمية بما في ذلك الدستور الفرنسي الذي كان مضرب الأمثال من قبل البعض , الرئيس بشار الأسد ومنذ تسلم الحكم كانت له طريقته في إدارة كفة السلطة وكان الأكثر تحمسا للانفتاح السياسي وعلى أسس وطنية وقومية , أسس تحاكي حاجة الشعب العربي في سورية وتلبي تطلعاته وطموحه بعيدا عن التقليد وبعيدا عن التبعية والارتهان , ولهذا جاءات المؤامرة ضد سورية شرسة وكبيرة وخطيرة بقدر حجم ومكانة وأهمية سورية ودورها ورسالتها الحضارية .
لقد كان الرئيس بشار الأسد مدركا حجم وخطورة ما يستهدف سورية ويدرك جيدا أن الأمر لا يتعلق بشخصه وهو الذي عرف وأدرك منذ احتلال " بغداد" ما هو المطلوب من سورية وحمل له هذه الطلبات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق " كولن باول " والذي غادر دمشق مطرودا ورغم التهديدات التي حملها " باول " لدمشق إلا أن دمشق لم تنحني ولم تخضع لإملاءات وشروط " واشنطن" التي استعانت بعدها بحلفائها في " المشيخات الخليجية" الذين هرول زعماء هذه المشيخات إلى دمشق حاملين الإنذارات والإغراءات معا ومع ذلك لم تهتز دمشق ولم يهتز الرئيس بشار الأسد الذي انطلق وبعيدا عن الانظار والصخب يحصن وضعه الداخلي بدءا من إعادة هيكلة المؤسستين العسكرية والأمنية اللتين شهدتا تحولا نوعيا وتطورا استثنائيا في ظل قيادة الرئيس بشار , خاصة بعد أن تخلص من " ديناصورات البيروقراطية والجمود " وفي المقدمة كان عبد الحليم خدام وعتاولة كبار كانوا يسيطرون على مفاصل النظام وخاصة في مؤسسة الجيش والأمن .. ليبدأ الرئيس بشار مرحلة حضارية جديدة في تاريخ سورية الجديدة وحين برزت المؤامرة كان الرئيس بشار يتحدث عن " سورية المتجددة" وفعلا يومها وحين انطلقت المؤامرة وجه الرئيس بشار بتوفير خدمات الانترنت لكل ابناء سورية وفتح المجال امامهم للتواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي بكل مسمياتها دون استثناء وهو قرار ارعب يومها الكثيرين من قادة سورية الدولة والحزب الذين حذروا من مخاطر هذا الفعل الذي قد يضر بالأمن الوطني للدولة السورية لكن الرئيس بشار وحده أصر وتمسك برأيه ونفذه قهرا دون موافقة الكثيرين من المسئولين ..!!
خلال أيام وشهور وسنوات المؤامرة تلقى الرئيس بشار الكثير من الترغيب والعروض والمساومات , كما تلقى الأكثر من التهديدات والمؤامرات , ومع ذلك ظل صامدا وثابتا على مواقفه الوطنية والقومية مدركا أن النصر حليفه وأن الحق في صفه ومراهنا على شعبه بدرجة أساسية وعلى ولاء الجيش العربي السوري لوطنه وتماسكه , وكذا تماسك كل مؤسسات الدولة العربية السورية , كما راهن الرئيس بشار بدرجة أساسية على عقامة وإفلاس خصومه سوى المغرر بهم الذين زجوا بأنفسهم في معترك المؤامرة أو الرعاة الذين توهموا ما لم يمكن تحقيقه أو الوصول إليه سوى عبر العمل العسكري والتخريبي والتدميري أو عبر الضغوطات السياسية أو عبر الإغراءات المالية الهائلة وشراء الذمم , وراهن الرئيس بشار ونجح رهانه بما ذلك رهانه على الشعب العري السوري الذي غزاء فعلا شبكات التواصل الاجتماعي ودخلها ليخوض من خلالها حربا ضروسا لا تقل عن تلك الحرب التي يخوضها الجيش العربي السوري واجهزته وتخوضها القيادة العربية السورية بكل مؤسساتها ..لتثبت الأحداث والتداعيات مؤخرا صحة رؤية الرئيس بشار خاصة فيما يتعلق بالعقلية التي افرزتها الحرب وهي العقلية السورية التي سعى لإيجادها الرئيس بشار الأسد عبر دفع أبناء سورية لتبنيها كخيار وقناعة وليس عبر التوجيهات والأوامر الحزبية أو الأمنية .. راهن الرئيس بشار وكسب الرهان فها نحن نجد وعبر شبكات التواصل الاجتماعي جيشا شعبيا كبيرا وواسعا من أبناء الشعب العربي السوري يستوطنون كل بلدان العالم لكنهم على قلب رجل واحد فيما يتعلق بسورية الدولة والرئيس .. جيشا لم يصنعه الحزب ولا المخابرات والاجهزة الأمنية بل صنعته الأزمة _ المؤامرة وتلك من منجزات الرئيس بشار وهي الأهم بنظري من أي انتصارات أخرى التي لن تكون بعظمة الانتصار الاجتماعي .. ومع أن صناع المؤامرة وظفوا كل الموبقات في مؤامراتهم ضد سورية الأرض والإنسان والدولة والفكر والتوجه والدور , بما في ذلك محاولتهم العزف على الوتر الطائفي والمذهبي وتفكيك النسيج الاجتماعي لسورية غير أن هذا الخيار التأمري لم يحقق هدفه ولم ينجح نتاج الوعي الجمعي لدى الشعب العربي في سورية ولهذا نرى اليوم سلسلة الانتصارات تتحقق على امتداد الخارطة الجغرافية السورية وفي المحافل العربية والدولية عبر المعركة الدبلوماسية فيما خصوم سورية ها هم يتساقطون كأوراق الخريف كل بعاهاته وأزماته