صعدة برس-متابعات - في تقرير لقناة “سي إن إن” الأميركية كشف النقاب عن تورط حكومة قطر في دعم الإرهاب بشهادة عدد من المسؤولين الأميركيين، كما يظهر تحول السياسة الإعلامية للقناة بعد دفاعها عن قطر في عدة تقارير سابقة.
بثت قناة “سي إن إن” الأميركية تقريرا عن علاقة قطر بتمويل الإرهاب، وهو ما يعد لافتا، إذ كانت القناة قد أصدرت عدة تقارير إخبارية عن قطر اكتفت فيها بالحديث عن ثرواتها وأثريائها، ولم تتطرق إلى السياسة القطرية في دعم الجماعات الإرهابية ومن ضمنها التنظيم العالمي لجماعة الإخوان رغم تأكيد هذه الأنباء من وكالات الأنباء العالمية ومصادر المعلومات الموثوقة.
وقد قضى مذيع “سي إن إن” ايرين بيرنيت الأشهر القليلة الماضية في التحقيق لإعداد تقرير حول تورط قطر في دعم الجماعات الإرهابية والتطرف الإسلامي الذي نما بصورة ملحوظة، في الآونة الأخيرة في العالم العربي والإسلامي.
وبدأت الـ”سي إن إن” تقريرها بالحديث عن امتلاك قطر لثالث أعظم مورد للغاز الطبيعي في العالم، مع عدد سكانها الذي لا يتجاوز الـ250 ألف قطري، وأنها أثرى دولة في العالم وموطن لأكبر عدد من أصحاب الملايين والأثرياء.
وأوردت شهادة للجنرال جيم جونز (مستشار سابق للأمن القومي الأميركي)، قال فيها، “تحت حكم الأمير السابق، تحولت قطر من دولة صغيرة ومبهمة في الخارطة السياسية والجيوسياسية، إلى ناشط فعال وبارز″.
وتحدث مارتن ريردن، الذي ترأس أوّل مكتب للـ”إف بي آي” (مكتب التحقيقات الفيدرالي)، وانضم إلى مجموعة صوفان لايرين بيرنيت في شبكة الـ”سي إن إن” الأميركية لمناقشة ما إذا كان أكبر حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط يعد ملاذا لجمع التبرعات ودعم الإرهاب؟ قائلا “إنّ الشركات الأميركية ليست الوحيدة التي تنتفع من العلاقات مع قطر”.
وأضاف “تحتضن قطر أحد أكبر وأهمّ المراكز الخارجية (خارج الولايات المتحدة) للقوات الجوية الأميركية”. ولعلّ توقيع وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل لاتفاقية بـ10 سنوات، تضمن بقاء القوات الجوية الأميركية بقطر، هو أبرز دليل على أهمية هذا المركز.
السخاء القطري السبب الرئيسي لحرص قادة الدول الغربية على المحافظة على علاقات ودية وطيدة مع قطر
وسلطت الـ”سي إن إن” الضوء على الصفقة الأميركية مع طالبان وقالت إن مشاركة قطر عاملا جوهريا في نجاح المفاوضات الأميركية مع طالبان لتحرير سجين الحرب الرقيب بو باغدال، مقابل تحرير 5 أعضاء تابعين لطالبان من سجن غواتنامو تمّ استقبالهم علنا وبحرارة بالدوحة. وقال عنه عدد من القطريين إنّ “قطر مفتوحة للجميع، حتى لطالبان”.
وأضافت القناة، التي كانت تدافع عن قطر بالأمس القريب في موضوع صفقات الفساد التي خولتها استضافة مونديال 2022، أن قطر تفخر بعلاقاتها الوطيدة مع الولايات المتحدة الأميركية ومع المتطرفين على حدّ السواء.
يذكر أنه في تحول مفاجئ بعد تبجح الإعلام القطري بدفاع “سي إن إن” عن قطر، أوردت الشبكة الأميركية تقريرا نقلت فيه شهادات لرؤساء الصحف البريطانية الذين كشفوا في وقت سابق تورط قطر في رشوة للحصول على شرف تنظيم كأس العالم 2022.
وأكد التقرير، أن العديد من المقاتلين بسوريا، على غرار جماعة “مدد أهل الشام”، لا يتردّدون في نشر فيديوهات على موقع يوتيوب، يشكرون فيها متبرعين قطريين على إمدادهم بالتمويل الكافي لاقتناء أسلحة.
وذكر تقرير القناة أن “مدد أهل الشام” تُصنّف نفسها كحملة تبرعات تهدف إلى جمع تبرعات لتوفير إمدادات وإعانات خيرية للمدنيين السوريين، إلّا أنّ العديد من الأعضاء التابعين لتنظيم القاعدة يدعون متابعيهم، من خلال موقع تويتر، إلى إرسال تبرعات إلى الحملة، ممّا يكشف عن ارتباطها القوي بالمنظمة الإرهابية.
واستشهد التقرير بـ “خوان زاراتي”، نائب مستشار سابق للأمن القومي لشؤون مكافحة الإرهاب، “تفرض قطر اليوم نفسها كرائد للدول المساندة للقاعدة وللجماعات التابعة للقاعدة”. ويدعو العديد من أعضاء القاعدة علنا، في إطار حملات التبرع التي ينظمونها، إلى إرسال التبرعات بالعملة القطرية.
وبين التقرير الذي أشرف عليه مارتن ريردن، أنّ هذه العلاقات المباشرة وغير المباشرة (بين تنظيم القاعدة وقطر) تشمل كذلك عمليات غسيل أموال، بمبالغ خيالية، على الصعيد الدولي. ويمثّل سعد بن سعد الكعبي أحد أبرز تجليات هذه العمليات، فهو من أهمّ المشرفين على حملة “مدد أهل الشام” بالدوحة. وهو يدعو، من خلال صفحاته بوسائل التواصل الاجتماعي، إلى منح تبرعات بملغ 1500 دولار أميركي لتمويل تسليح وإطعام وعلاج كل مقاتل بسوريا. وقد رفض الكعبي أن يشارك في أي مقابلة صحفية مباشرة مع فريق الـ”سي إن إن”، لكنّه صرّح عبر الهاتف أن “لا علم له بالحملة التي تدعو إلى تسليح المقاتلين”. كما رفض الكشف عن المبلغ الإجمالي الذي جمعه من التبرعات، حتى هذا اليوم، إلّا أنّه صرّح، من خلال تغريدة له على تويتر الصيف الماضي: “وصلت التبرعات المالية لحملة “مدد أهل الشام” إلى أكثر من 5 ملايين ريال (1.4 مليون دولار أميركي). بارك الله فيكم يا أهل قطر”.
جماعة "مدد أهل الشام" نشرت فيديوهات على موقع يوتيوب تشكر فيها متبرعين قطريين على إمدادهم بالتمويل الكافي لاقتناء أسلحة
وتبقى وجهة هذه التبرعات غير واضحة، لكنّ صحيفة “العرب” القطرية كشفت مؤخّرا أنّ حملة “مدد أهل الشام” قد عملت بالتعاون مع مركز العمل التطوعي القطري، تحت إشراف وزارة الثقافة القطرية، لجمع تبرعات بهدف مساعدة اللاجئين السوريين. وقد رفضت الوزارة تقـديم أي تصـريح بهذا الشأن.
وأضاف تقرير “سي إن إن” “يعتبر خوان زاراتي أنّ القرارت التي تعزّز علاقات قطر بهذه الجماعات المتطرفة والإرهابية هي “قرارت يتمّ اتخاذها في أعلى هرم السلطة بقطر، ممّا يعني أنّ مسؤوليها ينفذون أوامر مباشرة من الحكومة القطرية. لذلك فسياسة مساندة قطر للمتطرفين هي سياسة تأتي من أعلى مستوى للحكم”.
وأضاءت القناة على حديث الشيخة المياسة بنت حمد الثاني، شقيقة الأمير تميم، بشأن التبرعات المالية الهائلة التي تمنحها عائلتها: “كانت العائلة الملكية القطرية من بين الأوائل في إمداد الولايات المتحدة الأميركية بمئات الملايين من الدولارات، إثر إعصار كاترينا. فهذه المبادرات هي بالتأكيد متجذّرة في استراتيجيتنا الوطنية والدولية”.
وفسر التقرير أن هذا السخاء القطري هو السبب الرئيسي لحرص قادة الدول الغربية –وغيرها- على المحافظة على علاقات ودية وطيدة مع قطر.
ويعتبر الجنرال جيم جونز أنّ مجهودات الدولة القطرية في إرساء قوانين مكافحة تمويل الإرهاب تبقى غير كافية، إذ يصرّح أنّ “(الحكومة القطرية) تميل بوضوح إلى مساندة أفراد وجماعات يمثلون خطرا حقيقيا للأمن الأميركي”، من حيث “اللجنة المالية” التي تمنحها قطر لمصادر تمويل التطرف.
وتجيب الشيخة المياسة على الاتهامات الموجهة إلى عائلتها بشأن عدم مكافحتها لتمويل الإرهاب (خاصّة القاعدة): “مكافحة مثل هذه الشبكة الواسعة (القاعدة) لا يمكن أن تقتصر على مجهودات بلد واحد. مهما كان نفوذ هذا البلد، لن يستطيع إحراز تقدّم في هذا المجال دون مشاركة دولية فعالة”.
وتواصل قطر احتضانها لأفراد تصنفهم الولايات المتحدة الأميركية إرهابيين دوليين، على غرار علي النعيمي ووجدي غنيم، وهو ما يُفسّره مارتن ريردن بالدور الأساسي الذي تلعبه قطر “كحليف استراتيجي هامّ لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تخاطر بالتخلي عنه”. من جهته، يحذّر خوان زاراتي من مخلفات هذه السياسة الخارجية الأميركية على أمنها الداخلي، مضيفا أنّ “التمويلات التي تمنحها قطر لا تعزّز فقط قوة جماعات المقاتلين على أرض القتال بسوريا، بل هي تسمح لها بالتخطيط والتحضير لهجمات إرهابية ضدّ الولايات المتحدة الأميركية”. |