صعدة برس-متابعات - المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية - كينيث بولاك
مثَّل تقدم قوات "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروفة إعلاميًّا باسم "داعش" وسيطرتها على العديد من المناطق والمدن في العراق وآخرها الموصل، تحديًا هامًّا أمام صُنَّاع السياسات، سواء في داخل العراق، أو خارجها، في ظل التخوف من استمرار ذلك التقدم، واشتعال حرب أهلية تُنذر بانهيار المجتمع.
سيناريوهات مُحتملة:
يُشير الكاتب "كينيث بولاك" الخبير في الشئون السياسية العسكرية لمنطقة الشرق الأوسط، إلى أن السيناريو الأرجح حدوثًا هو أن تستطيع القوات السُنية المعروفة بـ"داعش" أن تحرز تقدمًا في بعض المناطق، إلا أنها لن تستطيع الوصول إلى بغداد. وهذا السيناريو هو الأقرب عن السيناريوهين الآخرين، وهما أن تسيطر قوات داعش على بغداد، وتنطلق منها إلى الجنوب في قلب أرض شيعة العراق، أو يستطيع الائتلاف الشيعي أن يصد هجمات داعش، ويطردها من معظم الأراضي التي احتلتها.
وليس من قبيل المصادفة، كما يؤكد الكاتب، أن تحقق داعش ذلك التقدم السريع عبر الأراضي السُنية، كما أنه ليس من المفاجئ انهيار الجيش العراقي في تلك المناطق؛ حيث إن أغلب المقيمين في تلك المناطق مقسمون بشكلٍ غير متناسب بين الأكراد والسُنة العرب الذين يعاني معظمهم من سياسات التهميش التي يتبعها المالكي - رئيس الوزراء العراقي - تجاههم، لذلك فإنهم لن يقاتلوا قوات داعش التي تسعى لإيقافه. وبالمثل فإن الأعداد الكبيرة من قوات الشيعة الموجودة في الشمال لن تقاتل وتموت في سبيل المدن التابعة للسُنة كالموصل، وتكريت، وبيجي، وغيرها.
أما بالنسبة لبغداد فإن الأمر يختلف كلية؛ فأولا هي مدينة كبيرة يقطنها حوالي 9 ملايين مواطن مقارنة بالموصل الأصغر منها بما يقرب من 2 مليون مواطن، وعلاوة على ذلك فقد أمنت قوات داعش النصف الغربي "السُني بالأساس" فقط من الموصل، تاركة النصف الشرقي "المُسيطر عليه من الأكراد" دون تأمين. لذا فإن غزو مدينة في حجم بغداد يُعد مغامرة كبيرة، خاصة أنها سيتم الدفاع عنها من قوات محددة ومنظمة. فضلا عن أن بغداد الآن أغلب سكانها من الشيعة بنسبة حوالي من 70-80% من إجمالي السكان، وإذا لم يحارب الشيعة في الموصل وتكريت وغيرها لأنها أراضٍ سُنية فإنهم لن يتوانوا في الدفاع عن بيوتهم وعائلاتهم في بغداد وفي المدن الشيعية الأخرى في الجنوب.
لذا إذا قررت داعش مهاجمة بغداد فإنها ستواجه عدوًّا أكثر تنظيمًا وأكثر عددًا مما واجهته حتى الآن، وستكون المحصلة النهائية لهذه المواجهة هو زيادة حدة تأزم الوضع في شمال بغداد، وهذه تُعد السمة العامة الحاكمة لمعظم الصراعات الطائفية في الدول التي تضم طوائف متعددة ومتباينة، كما يحدث في سوريا اليوم، وكذلك حدث في لبنان عام 1980، وفي أفغانستان 1990، وغيرها من الصراعات الأهلية.
ويُشير الكاتبُ إلى أنه في حال حدوث هذا السيناريو؛ فإن الصراع الدموي في العراق سيستمر طويلا، وسيموت الآلاف على كافة خطوط المواجهة، وفي هذه الحالة فإن أحد الأطراف لا بد أن يحصل على مساعدةٍ خارجيةٍ كبيرةٍ كي يستطيع تحقيق مكاسب على أرض الواقع.
السُنة في الأنبار مقابل الشيعة في إيران:
وبالحديث عن المساعدات التي يُمكن أن يحصل عليها كل طرف، والتي يمكن أن تغير من موازين الصراع، فقد وصف الكاتب القوات السُنية الموجودة في الأنبار بأنها كـ"الكلب الذي لم ينبح، على الأقل، حتى الآن"، فمن الواضح أن السُنة لها قوة هامة وضخمة في الأنبار، والتي ستمثل قيمة مُضافة لقوات داعش، فمن الواضح أن قوات السنة ستسعى لعمل هجوم خارج الأنبار، بما يساعدها على تحقيق الآتي:
1- فتح جبهة أخرى للصراع ضد بغداد، ووضعها بين فكيّ كماشة.
2- إنجاز تقدم مباشر ضد أهم مدن الشيعة وهي كربلاء والنجف.
3- إجبار الشيعة على تحويل قواتها العسكرية بعيدًا عن الشمال والجنوب السني بما يُنهك قوتهم العاملة، ويُضعف سيطرتهم.
وبناء على ذلك فإن عدم وقوع أي هجومٍ حتى الآن يُعد أمرًا جديرًا بالملاحظة، فربما ليس في استطاعة القوات السنية في الأنبار شن مثل هذا الهجوم، أو ربما ما زالت تستعد له. باختصار فإن الأنبار تفضل المشاهدة، لأن هذا الهجوم السني من شأنه أن يضغط ويضعف الدفاعات الشيعية في بغداد، ومن ثم يؤكد الكاتب أنه "إذا كنت تنتظر شيئًا ما يمكنه أن يدفع العراق من السيناريو الأول "الدموي في شمال بغداد" إلى السيناريو الثاني "استمرار التقدم السني حول وخلف بغداد"، فإن هذا الشيء يتمثل في مشاركة الأنبار من خلال هجوم ناجح من ناحيتهم ضد الشيعة، والذي يُعد متغيرًا هامًّا في تغيير الموازين على أرض الواقع.
على الجانب الآخر، فإن ما يمكن أن يدفع العراق من السيناريو الأول الدموي إلى السيناريو الثالث؛ والذي يمكن فيه للشيعة أن يشنوا هجومًا معاكسًا ضد داعش بما يقلل من مكاسبهم، هو التدخل الإيراني؛ حيث يشير الكاتب إلى أنه برغم تجمع شيعة العراق للدفاع عن بغداد فإنهم لن يتمكنوا من استعادة الشمال المُسيطر عليه من قِبَل السنة، لكن ما يجعل هذا الأمر قابلا للحدوث هو مشاركة واسعة النطاق من الجانب الإيراني في هذا الصدد.
حتى الآن، قدمت إيران ثلاث كتائب من كتائب "القدس" والتي تضم فقط مدربين ومستشارين لا جنودًا، وتتمثل مهمتهم الأساسية في تحسين مستوى القوات الشيعية في العراق لمساعدتهم في تقوية دفاعاتهم في بغداد، لكنهم في الوقت نفسه لن يُطوروا قدراتهم للدرجة التي يستطيعون من خلالها شن هجومٍ على السنة لاستعادة الشمال، ولن يتحقق ذلك إلا بتدخل إيراني واسع النطاق في هذا الصدد، وتقديم قوات أكثر، سواء من حيث الجنود، أو الأدوات كالدروع والمدفعية وغيرها. وبناء على ذلك، إذا رأينا قوات إيرانية بكثافة حاضرة في المشهد العراقي فإن هذا يُعد إشارة على أن السيناريو الثالث هو الأقرب للحدوث.
داعش والحقائق الغائبة
يُوضح الكاتب أنه كي نستطيع الوقوف على حقيقة الوضع في العراق، لا بد من معرفة بعض النقاط الهامة عن قوات السنة "داعش"، على النحو التالي:
أولا: "هو ائتلاف، وليس مجموعة واحدة": حيث تُعد داعش قائد هذا الائتلاف الذي يضم بين جنباته العديد من المجموعات السنية المسلحة، كالقاعدة، وجيش محمد، والنقشبندية، وأنصار السنة، وباقي القوى التي ظهرت مرةً أخرى بالتعاون مع عددٍ من القبائل السنية في العراق.
ثانيًا: "هو كيان عراقي، وليس غزوًا خارجيًّا": فبرغم تركيز الحكومة العراقية على وجود عناصر أجنبية داخل داعش، إلا أنه يضم العديد من المواطنين العراقيين، وكان جزءًا أساسيًّا من العنف الذي اندلع في العراق منذ عام مضى، وما زال حتى الآن يجنِّد هذا الكيان تحت عباءته العديد من العراقيين السنة.
ثالثًا: هم ميليشيات في المقام الأول، أما وصفهم بالإرهابيين فيأتي في المقام الثاني: فليس دافع هؤلاء الأساسي هو تفجير المباني والمؤسسات على مستوى العالم، وإسقاط الطائرات خصوصًا الأمريكية، حتى وإن كان ذلك جزءًا من هدفهم، إلا أنهم ببساطة ميليشيات تقليدية طائفية مسلحة تسعى لإشعال حرب أهلية، وغزو الأقاليم، وسيفعلون ذلك بالطرق التقليدية كحرب العصابات وغيرها. أما كونهم "إرهابيين" كما يحلو لرئيس الوزراء العراقي وصفهم فهو أمر يستدعي ضرورة تدخل الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة لإجهاضهم.
ويبدو للمتابعين أن داعش تحصد شعبية ليست قليلة في العراق الآن؛ إذ يعتبرها البعض مُعبِّرة عن طموحات العراقيين، وعن رفضهم لسياسات المالكي التي تهمش السنة لصالح الشيعة، والذي قام، مع رحيل آخر جندي أمريكي من الأراضي العراقية، بتسكين الجنود الشيعة مكان الأكراد والسنة، بما يُفسِّر تأييد العديد من السنة لداعش وتصرفاتها، ويفسر أيضًا لماذا سقط الجيش العراقي بهذه السهولة الملفتة للنظر أمام تقدم قوات داعش، حيث يشير الكاتب إلى أن محاولات الولايات المتحدة على مدار سنوات وجودها في العراق لبناء جيش وطني عراقي قوي ذهبت هباء نتيجة سياسات المالكي التي حولت الجيش من جيش يخدم العراقيين ككل إلى ميليشيا تابعة للمالكي وأعوانه. ومن ثم فإنه لو تدخلت الولايات المتحدة في هذه الأزمة فإن دورها يجب أن يقتصر على دعم الجيش العراقي، ومحاولة دفعه لأن يكون جيشًا وطنيًّا وليس مجرد ميليشيا تابعة لأي شخص أو جهة.
|