صعدة برس-متابعات - يرى أن الفن التشكيلي اليمني له أصالته بدءاً من عصوره الضاربة في القدم، وانتهاءً بحضوره العصري الذي تغذى بمختلف التأثيرات، ويبدأ هوسه بالفن من هذه النقطة، كفنان اعتنق الريشة من الصغر ومضى في دروبها، بشغف لا يتوقف، يجسده عبدالله صالح أبو قمر، في اللوحة والتعبير عن عشقه لها، وفي الهم الثقافي الذي يشغل حيزاً كبيراً من وعي الفنان والباحث، كان لنا وقفة معه في هذا اللقاء...
المحرر
ـ ما تقييمك للحركة التشكيلية في اليمن، وكيف ترى حضور اللوحة والفنان في الصحافة الثقافية؟
ـ الحركة الفنية التشكيلية في اليمن تمثل شكلا ضعيفا ومحدوداً إذا ما قورن بدول العالم ومحدوداً اذا قورن داخليا ببقية الفنون الأخرى نظراً للتدني الاقتصادي وبما يواجهه الفنان من إحباط مادي ومعنوي إلا أن التشكيل يعيش انتعاشاً ملحوظا, من قبل التشكيليين الموهوبين فطريا والدارسين في هذا المجال من شباب وشابات في عدة اتجاهات تشكيلية مختلفة. إلا أن هناك إشكاليات مهمة تواجه الفنان منها عدم الإقبال من الجمهور على شراء اللوحات واقتنائها إما لعدم تذوّق البعض للوحة وجماليتها أو للصعوبة الاقتصادية التي يواجهها الفرد في المجتمع اليمني. أيضاً عدم التشجيع والدعم للفنان من قبل بيوت الفن ومن قبل الجمهور..هنا يخلق نوع من الجمود الفني الذي بدوره يقوم بتنمية نوع من الجمود الإبداعي والفكري...هذه الاشكاليات أجدها عائقاً من عوائق سبيل الحركة التشكيلية في اليمن فبرغم من كل ذلك لازالت بيوت الفن تنتج الكثير من الإبداع البصري، وخاصة أن الواقعية بالسمات التعبيرية أو الكلاسيكية والفلكلور الشعبي هي المسيطرة على الساحة الفنية هذا يدل على أن الفنانين أصحاب ريشة احترافية عالية مقارنة بالاتجاهات الأخرى الحديثة والمعاصرة كالتجريد والتراجيديا القياسية والخيال والرمز وغيرها لا أقصد بذلك التقليل من أهمية الفن الحديث المعاصر أو الرفع من أهمية فناني المدرسة الواقعية.. ولكن لارتياد الكثير من التشكيليين تلك المدرسة التي لا تزال تحافظ على طابعها الأصيل.. في ظل عدم الاهتمام بالتربية الفنية من قبل المدرسة والمعهد والجامعة..
أيضا هناك بادرة مشجعة لظهور العنصر النسوي على الساحة الفنية بشكل ملفت ومحفز مما يبشر بحركة فنية رائدة على المستوى المحلي والاقليمي وخاصة عند ما لاحظنا في الفترة الأخيرة افتتاح معرض لأحد الكوادر النسائية.. التشكيلية سبأ القوسي تلك المرأة التي تحدت حواجز القبيلة المقيتة وأطلقت سراح ريشتها الفنية لتنتج معرضاً أذهل الجميع في الأوساط الفنية والثقافية تحت عنوان أطلق سراحك... لتثبت أن المرأة ليست أقلّ مكانة من الرجل في المجتمع فالفن في
اليمن غني بفنه وفنانوه ولكنه فقير لجمهوره ومتذوقيه.
وعلى الرغم من كل ذلك الانتعاش الفني إلا أن الصعوبة الاقتصادية جعلت البعض من الفنانين يتخلون عن أعمالهم الفنية ويتجهون إلى أعمال آخري والبعض يعمل الى جانب عملهم الفني للتحسين من وضعه الاقتصادي.. هذا بالطبع سيضعف من نتاج التجربة الفنية لدى الفنان وسيؤثر على المسيرة الفنية.. أيضا نرى البعض الآخر من التشكيليين لا يعتمد على اللوحة والفن اعتمادا كليا كمستقبل يجب الاعتماد عليه، لأنه يرى بذلك مجازفة بالعمر أو أشبه ما تكون بمغامرة قد تؤدي إلى حياة مستقبلية فاشلة أو ضياع فنرى البعض توقفوا عن الرسم ونرى البعض قد آلت حياتهم الى أمراض نفسية...
لا شك أن هناك حضور اللوحة والفنان في الصحافة ولكن هذا الحضور لا يهدف الى إفهام المجتمع وتعريفه بالجانب الفني والتذوق الجمالي الموجود في اللوحة وإنما يتم من أجل توسعة الصحيفة ثقافيا أو لسد فراغ.. دون النظر والأخذ بعين الاعتبار مدى ايصال الفكرة الثقافية للمجتمع بطريقة مفهومة وموضحة ليسهل عليه إدراكها وتذوق جمالياتها... أيضاً من المفروض أن تنشر مواضيع فنية لتعريف المجتمع بالفن التشكيلي وتدريبهم على تذوق اللون واللوحة....
* وما دور بيوت الفن في ترسيخ الثقافة البصرية أو ثقافة اللون؟
ـ لقد أصبح من الضروري توطين الفن التشكيلي في اليمن بشكل أوسع واشمل من خلال ايدلوجية بخطط وبرامج ممنهجة ويتم عن طريق إقامة المعارض للفنانين بشكل مكثف وإقامة المسابقات أيضا إتاحة الفرصة للناشئين في إقامة معارضهم ودعمهم ومساعدتهم، من خلال التنسيق مع دوائر العلاقات الثقافية ابتداءً من المدرسة والمعهد والجامعة والأكاديمية.. أيضاً استحداث بيوت فن وصالات جديدة في المحافظة ومديريتها..
* ما هي المدارس التشكيلية التي تشتغل عليها أكثر في تجربتك؟ وما الجديد الذي يمكن القول أن لوحتك تقدمه على المستوى المحلى في الفن التشكيلي؟
ـ أنا أنتمي إلى المدرسة الواقعية الكلاسيكية بكل سماتها وتقترب أعمالي من الترميز والتراجيديا والتعبير المؤثر في تجربتي بعالمي الفني المحيط من خلال زوايا علمية وثقافية واجتماعية وتاريخ ومورث شعبي.. اتجاهي الجديد سيكون نحو هدف إثراء المورث الحضاري القديم ونقله بصور خيالية بالتقريب إلى الواقع...
* بوصفك باحثاً في التاريخ اليمني القديم، ما الذي تمثله لك الفنون اليمنية القديمة؟ وهل فكرت في البحث أو الكتابة عن ذلك ولما اتجهت نحو اللغة وليس النحت والفنون اليمنية القديمة التي تمثلها المكتشفات الأثرية القيمة؟
ـ لا زلت أتذكر تلك الرسمية المنقوشة على إحدى الصخور في منطقتي.. عندما كنت أتأملها في طفولتي والتي كانت تظهر تلك الرسمية رجلاً يرتدي لباساً بطريقة المعوز المعروفة بين الأزياء الشعبية.. والذي كان يحمل ذلك الرجل في يديه رمحا مصوبا نحو أسد في وضعية هجوم، والنقش المرسوم كان يمثل مشهد معركة بين ذلك الرجل الحميري مع الأسد، استلهمت من تلك الرسمة كل فنون الرسم والتشكيل.... أيضا استنتجت مفردات بحثية تاريخية لها أثرها في الواقع الشعبي المعاش بطريقة لفظية تاريخية، وبصرية تاريخية.. هي من قادتني تلك الرسمية نحو تلك الطريقين... التشكيل والتاريخ.. للأسباب منها اكتساب معلومات معرفية تاريخية قد يمكن من خلالها ربط الماضي بالحاضر والعكس من خلال مدلولات فنية تاريخية.. أيضاً مايثير حماسي للبحث في هذا المجال التاريخي هو أن العصر الحميري القديم عصر كان غنياً بغزارة فنونه البصرية المتعددة كالنحت والرسم والزخرفة وجميع الفنون الأخرى كالفنون الهندسية في البناء العمراني والقنوات والحواجز المائية والفنون المهنية والحرفية الأخرى.. هذا يدل على ان الشعب الحميري كان شعبا عظيما يقدر الإبداع والفن... أرى أن الثقافة اليمنية القديمة التي أقصد بها ثقافة سبأ وحمير بكل تعدادها الثقافية بما فيها الثقافة الفنية بالأخص الثقافة البصرية قد استبدلت بثقافات أخرى مغايرة في فترة من الفترات الزمنية وحلت بدلا منها ثقافة العادات والأعراف والأسلاف القبلية وقانون الهجر والعقير الدخيلة على المجتمع اليمني... لكن لا زال الكثير متمسكا بها ومحافظاً عليها على بالرغم من وجود اكثر من أربعين ألف نقش أثري لم يرد فيها أي ذكر للقبيلة أو الشيخ أو لأي عادة من تلك العادات القبلية أو مثل كنقش يحكي أن الشيخ فلان الفلاني قد هجّر الشيخ فلاناً برأسين من الأبقار أو أن الملك ثاران يهنعم قد حكم على أحد الجناة بالمحدش والمحشم.. إنما ورد في النقوش اسم الملك والقيل والشعب... ولم يرد في تلك النقوش الهجر والحكم هذا يدل أنّ تلك الأفكار والرؤى ثقافة أفكار دخيلة وغزو فكري وثقافي على المجتمع اليمني استحدثت على حساب ثقافة شعب حمير الأصيلة.وعلى ثقافة وقوانين الدين الإسلامي الحنيف فمتى كان السبئيون يهمشون المرأة وقد جعلوا من بلقيس ملكة عليهم.. بعكس ما نلحظه من تهميش للمرأة في المجتمع القبلي.. ومتى كان الحميريون يهمشون ثقافة الفنون عموماً من فن النحت والزخرفة والفنون الحرفية.. وقد بنوا السدود والقصور ولم يتركوا سهلاً أو جبلاً إلا وتركوا بصماتهم الحضارية ماثلة للعيان.... هذا سبب من أسباب تحولي نحو البحث في التاريخ اليمني..
أماّ عن كوني لم أبحث في مجال فن الرسم والنحت والزخرفة والنقوش اليمنية القديمة فهو إن شاء الله قد يكون في المستقبل..... وسيحظى بنصيب الأسد بين الأوراق البحثية..
* ما الذي تود قوله أخيراً، ومن خلال صحيفة الثورة؟
ـ على المعنيين في الحكومة ووزارة الثقافة والمجتمع أن يزرعوا في نفوس التشكيليين أنهم في زمنهم الصحيح.. وليسوا في زمن غير زمانهم كما هو الحاصل معهم .. والاهتمام بإبداعاتهم .. ودعمهم. |