صعدة برس - عبدالناصر المملوح -
سؤال تفرضه الوقائع الميدانية خلال مائة يوم من العدوان السعودي المتواصل على بلادنا بمشاركة خليجية وعربية وإسناد لوجستي أمريكي معلن وكبير.
جرائم حرب ضد الإنسانية وزعها العدوان على معظم محافظات الجمهورية وراح ضحيتها أكثر من 15 ألفاً بين شهيد وجريح في صفوف المدنيين فقط، معظمهم نساء وأطفال، فضلاً عن الضحايا في صفوف الجيش والأمن واللجان الشعبية، وتدمير ممنهج للبنية التحتية في مختلف القطاعات وعلى رأسها المدن الأثرية والمعالم التاريخية.
وفي المقابل لا شيء تحقق من الأهداف المعلنة للعدوان، فلا الرئيس الهارب في الرياض عبدربه منصور هادي وجماعة الإخوان المسلمين عادوا إلى السلطة أو حتى إلى أي شبر في الأراضي اليمنية ولا أحدثت يوميات العدوان شرخاً في الجيش والأمن ولا جعلت حركة أنصار الله في وضع يجبرها على الانسحاب من المدن الرئيسة إلى المدن الثانوية.
ولم تتوقف الحصيلة عند هذا الحد ففي حين كانت طائرات تحالف العدوان تطوى صفحة يومها الـ(100) بقصف وتدمير مخازن الأدوية والأغذية في عدن وتقتل 4 أطفال يرعون الأغنام في ذمار اقتحمت وحدات عسكرية متخصصة بمساندة اللجان الشعبية موقعا عسكريا سعوديا آخر في عمق أراضيه ونسف منشآته بـ(الديناميت) حاله حال مواقع ومعسكرات أخرى موزعة في نجران وجيزان وعسير.
وفي حين تُواصل طائرات العدو وبارجاته حصد أرواح المدنيين نساء وأطفالا كان الجيش واللجان الشعبية قد تمكنوا بصاروخ (سكود) واحد بتاريخ 6/6 من قتل قائد القوات الجوية السعودية وعدد من مساعديه ذوي الرتب الرفيعة وإحداث دمار هائل داخل أكبر القواعد الجوية التابعة للعدو.
وأمام توهم العدو نجاحه في تدمير القوة الصاروخية اليمنية متحدياً اختراق صاروخ سكود آخر إلى أراضيه، فاق العدو بتاريخ 30/6 على أصوات انفجارات هائلة داخل أكبر قواعده الصاروخية في الرياض العاصمة، وليس في مناطق نجران وعسير وجيزان التي تحولت وستظل جرحا نازفا.
البداية
في الساعات الأولى من فجر الخميس 26 مارس 2015 كانت البداية بغارات مكثفة استهدفت السيطرة على المجال الجوي اليمني حيث قصف طيران العدو قاعدة الديلمي الجوية بأمانة العاصمة ودمر منظومة الرادار.
وسجل العدو بالتزامن أولى مجازره بحق المدنيين، وكانت من نصيب منطقة بني حوات شمال العاصمة، راح ضحيتها 24 شهيداً و43 جريحاً معظمهم أطفال ونساء، كما سجل بداية فاشلة لعملياته الاستخباراتية، حيث ذهب في وسائله الإعلامية صباح ذات اليوم إلى إعلان مقتل نجل الرئيس السابق خالد علي عبدالله صالح (قائد عسكري) وثلاثة من أبرز القيادات العسكرية التابعة لحركة أنصار الله (أبو علي الحاكم، عبدالخالق الحوثي، ويوسف المداني)، إلا أن أحداً من هؤلاء لم يصب بأذى.
مجازر وإخفاقات
توالت المجازر مع توالي يوميات العدوان المكثف متجاوزة العاصمة صنعاء ومدينة صعدة وعواصم المحافظات باستثناء المكلا التي سيطر عليها تنظيم القاعدة، إلى المدن الثانوية والأرياف، ووصولاً إلى مخيمات النازحين وقد تركوا منازلهم للعيش بعيداً عن المناطق المأهولة بالسكان وكانت أول مجازل العدوان بحق النازحين من نصيب مخيم المزرق في حرض محافظة حجة وراح ضحيتها 30 شهيداً و45 جريحاً.
أسلحة محرمة
وأمام تصاعد الضغوط الدولية عليه جراء فشل عملياته، استخدم تحالف العدوان السعودي الأسلحة المحرمة دولياً، كما حصل في جريمة عطان غرب أمانة العاصمة والتي قصفها بقنبلة فراغية راح ضحيتها 48 شهيدا و389 جريحا من سكان حي عطان والأحياء المجاورة، وتدمير مئات المنازل والمحال التجارية.
ورغم الاستنكار الدولي، عاود العدوان وقصف جبل نقم –شرق العاصمة- بقنابل لا تقل فتكاً راح ضحيتها 120 شهيدا و228 جريحا من سكان حي نقم والأحياء المجاورة.
وفي إطار استخدامه الأسلحة المحرمة، سجلت المنظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية استخدام تحالف السعودية القنابل العنقودية في قصف عدة مناطق بمحافظة صعدة قتلت العشرات من المواطنين وأتلفت مساحات زراعية واسعة.
رهانات خاسرة
حط العدو المحافظات الجنوبية منطلقا لتحقيق أجندته المتمثلة بالسيطرة على قطعة أرض سيطرة كاملة فضلاً عما للجنوب من رمزية.. وكانت عدن هي الهدف الأسمى وكانت أيضاً هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
فبالتزامن مع الانهيارات المتسارعة لعملاء العدوان (مسلحو القاعدة والإخوان –حزب الإصلاح- وهادي) في محافظات شبوة وأبين ولحج أحكمت قوات الجيش في الجبهة الأهم قبضتها على المفاصل الاستراتيجية في (عدن) بما فيها مقر المنطقة العسكرية الرابعة –كبرى وأهم المناطق العسكرية على مستوى الجمهورية.
ورغم الغطاء الجوي المكثف الذي يشكله العدوان لعملائه (القاعدة والإصلاح وهادي) من خلال عشرات الغارات يومياً، فقد فشل هؤلاء في استعادة منطقة استراتيجية واحدة في عدن ما جعل مخططه في مهب الريح.
وفي المحافظات الشمالية وزع العدو بيضاته على سلتين؛ مأرب شرقاً، وتعز غرباً.. وعلى أن يتولى هو دك المعسكرات بغارات جوية بينما يتولى مسلحو عملائه السيطرة الميدانية على كامل المحافظتين ومن ثم الزحف (لتحرير المحافظات) وفق توصيف إعلام العدو.. والمصطلحات التي ظل يرددها ناطق العدوان العميد أحمد عسيري منذ أول مؤتمر صحفي حتى اختفائه تماماً بفعل الإخفاقات في إحداث أي تغيير في المعادلة على الأرض أو حتى الصمود في معاقلهم التي تساقطت وبشكل صادم.
ففي تعز كانت البداية باستحداث مواقع في مديرية الشمايتين التربة لمنع أية تعزيزات عسكرية إلى عدن.. وتطورت إلى مهاجمة فرع قوات الأمن الخاصة (المركزي سابقاً) في المحافظة.. وانتشار الخلايا النائمة من مسلحي الإصلاح مسنودين بعناصر من تنظيم القاعدة وكتيبة عسكرية واحدة تشكلت أيام حكم الإخوان 2012م ضمن اللواء 35 مدرع، وتغطية جوية وإعلامية مكثفتين.. والنتيجة "سراب".
ثلاثة أحياء سكنية هي كل المساحة التي يتمركز فيها مسلحو عملاء العدوان تحت حصار خانق تفرضه قوات الجيش والأمن واللجان الشعبية التابعة لأنصار الله وما إن يمد العدو عملاءه مظلياً بالأسلحة النوعية والمال حتى تسقط في يد الجيش واللجان، وبدلاً من أن يزحف عملاء العدوان من تعز صوب المحافظات المجاورة للسيطرة عليها، ها هو قائد عملاء العدوان حمود المخلافي يوجه ثالث نداء استغاثة خلال أسبوعين.
وفي محافظة مأرب الجبهة الأهم حيث كان العدو قد جهز عملاءه (مسلحي الإصلاح والقاعدة) وبقايا الجيش السري للإخوان المسلمين الذي كان يعمل تحت مظلة الفرقة الأولى مدرع (المنحلة) وأنشأ لهم معسكرات في منطقتي السحيل ونخلا في محيط مدينة مأرب عاصمة المحافظة وأمام الدعم الكبير بالسلاح والمال سرعان ما تناسلت تلك المعسكرات إلى مديرية صرواح وحريب وصولاً إلى الحدود الإدارية مع محافظتي صنعاء من جهة خولان والبيضاء من جهة مراد، كما تناسلت معسكراتهم من السحيل ونخلا في مديرية مدغل الجدعان باتجاه محافظة الجوف فضلاً عن معاقل ومواقع عملاء العدوان داخل مدينة مأرب وخلفها مديرية وادي عبيدة.
لكن وفي لمح البصر سيطرت وحدات عسكرية بمساندة اللجان الشعبية التابعة لأنصار الله على مديرية حريب بما تمثله من أهمية قبلية (مراد) وتلاها السيطرة على مديرية صرواح (مركز المديرية وأهم المناطق الاستراتيجية فيها) وبما تمثله من ثقل قبلي (جهم).. ورغم كثافة الغطاء الجوي الذي يوفره تحالف العدوان السعودي لعملائه (مسلحي الإصلاح والقاعدة) واصل الجيش واللجان الشعبية انتصاراته الميدانية والتي تكللت مؤخراً بالسيطرة على كامل معسكرات الإصلاح والقاعدة في منطقة نخلا وأجزاء واسعة في السحيل، ومعظم المناطق والتباب المطلة على مدينة مأرب وتحديداً من ثلاث جهات الجنوب والغرب والشمال، وفرض حصار خانق على عملاء العدوان الذين انسحبوا إلى داخل مدينة مأرب عاصمة المحافظة، واتخاذ سكان المدينة دروعاً بشرية.
* صفعة الجوف
لم ينتظر تحالف العدوان السعودي نهاية المعارك في جبهة مأرب، حيث سارع ومع وقع الانهيارات الصادمة لعملائه لفتح جبهة في محافظة الجوف الحدودية مستغلاً قربها من محافظة صعدة لتغطية هزائمه وفشل عملياته في مأرب بانتصارات إعلامية زائفة.
والبداية كانت منطقة اليتمة بمديرية خب والشعف على حدود السعودية، حيث تم تجميع مسلحي القاعدة وآخرين من الإصلاح من عدة محافظات ودعمهم بأكثر من عتاد لواء عسكري كبير.. وقالت وسائل إعلام العدو بأن "المقاومة باتت على مشارف صعدة".
لم يكن العدو يدرك أنه بهذه الخطوة إنما عجل بتطهير بقية معاقل ومعسكرات تنظيم القاعدة في الجوف، فخلال أقل من شهر سيطرت قوات الجيش وبمساندة اللجان الشعبية على اليتمة ومعسكر الخنجر.. ومعسكر اللبنات –أهم معسكرات القاعدة على مستوى الجمهورية، كما سيطرت على كامل مديرية خب والشعف التي كانت لا تزال في بيد القاعدة، وما إن سقطت تلك المعسكرات حتى سلم حزب الإصلاح معسكر اللواء 115 مشاه المتمركز بمدينة الحزم عاصمة المحافظة منذ اقتحامه في 2011م.
لجم العدو
الفشل السعودي الذريع في العدوان على اليمن لا يتمثل فقط في عدم تحقيق أية أهداف سياسية وعسكرية، بل إن الفشل ظهر بشكل واضح من خلال عدم القدرة على رد نيران الجيش اليمني، فضلاً عن اقتحام مواقع في عمق الأراضي السعودية، ونسفها بــ(الديناميت بعد فرار جماعي لجنود المملكة.
كان هذا ملخص تحليل لمختلف التقارير العسكرية الدولية التي تناولت العدوان على اليمن خلال الأيام الماضية.
وأضاف تسني برئيل محلل الشؤون العربية بصحيفة هارتس الإسرائيلية "العملية العسكرية فقدت جدواها عندما اتضح أنها بدون قوات برية، وفقط بالاعتماد على القصف الجوي سيكون من المستحيل تحقيق الحسم كما بات التدخل البري هو الآخر في حكم المستحيل، والتي كشفت عنه المواجهات في الحدود".
وتقول صحيفة (ناشيونال انترست) الأمريكية "المملكة السعودية وصلت إلى حدود أقصى ما يمكن تحقيقه في اليمن، وعليه فإن المواصلة في حملة جوية عقيمة سوف يعزز فقط من تحالف القوى في الداخل اليمني ضد السعودية.. وسوف يؤدي في نهاية المطاف إلى انسحاب سعودي مخز". |