صعدة برس - *عــبدالله علي صبري
سقطت أقنعةٌ كُـثْـرٌ بفعل العدوان وتداعياته، وانكشفت حقائقُ مخبوءةٌ، وانحيازات جهوية ومناطقية وطائفية في أبشع صورها. وبات الغريبُ الغازي المعتدي منقذاً في نظر جمهورٍ كبير من المرتزقة والمأزومين.. وحين تمادى مرضى الهوية وتداعوا إلى مقاومة جيش الوطن واللجان الشعبية لم يلبثوا حتى حَلَّ بهم العار وهم يستكينون للغُزاة من الخارج نكايةً بمَن اتخذوا منه خصماً في الداخل.
غيرَ أن للصورة السوداوية وجهاً ناصعَ البياض في مكان آخر.. وإذا كانت المواجهاتُ البرية قد كشفت رخاوةَ الطبيعة وأهلها في بعض الأماكن الساحلية، فإن التضاريسَ الجبلية قد منحت الرجالَ الأشداء فرصةَ التصدي للزحف البربري، وإعاقة تقدُّمه في البيضاء، وتعز، ومأرب، وحجة، وغيرها.
ظن المحتلون أن الطريقَ إلى صنعاء سالكة، كما حدث في عدن، وبدلاً عن استثمار الفرصة التي سنحت في جنوب البلاد وسمحت بتوازُن يقودُ إلى تفاهُمٍ سياسي، يوفر مخرجاً مقبولاً لكل الأطراف، أمعنت الرياض ومرتزقتُها في التفاؤل، فساقت جحافلَها عتاداً وجنوداً إلى محارق متوالية في عقبة ثرة/ أبين، وفي صافر/ مأرب.. وبعد أن أوهمت نفسَها بأن معركةَ صنعاء الحاسمة غدت على الأبواب، فوجئت بالتعثر الكبير على مشارف صرواح.
حاول العدوانُ فتحَ جبهة جديدة في باب المندب، وأخرى في الجوف.. وكل ذلك من أجل التغطية على عجزه وفشله، مع البحث عن منفذ أسرع وأقل كلفة باتجاه العاصمة صنعاء، غيرَ أن المؤشراتِ الميدانية تؤكد أن جبهة صنعاء ستكونُ شاقةً على العدو والانتصار فيها شبه مستحيل، إضافة إلى المؤشرات الأخرى المتعلقة بالضغط الأممي على الرياض باتجاه الدفع نحو حل سياسي يحُــدُّ من تفاقم الأزمة اليمنية على الأقل في بُعدها الإنساني.
ثم أن معضلةَ صنعاء بالنسبة للعدو ليست مقتصرةً على الجغرافيا الصعبة على امتداد الطرق المؤدية للعاصمة التأريخية لليمن، بل إن عنفوانَ القبائل من حول أمانة العاصمة، وما يشكّلونه من حزام أمني وخط دفاع متقدم يشكل عقبة مضافة أمام العدو، خاصة وأن الاحتشاد الشعبي لأبناء القبائل حول وثيقة الشرف في مواجهة العدوان، قد أبانَ عن صورة أخرى للصمود والتلاحم الوطني، وأن استعدادَ عشرات الآلاف من أبناء القبائل للدفاع عن أرضهم وعرضهم وكرامتهم، قد وضع حداً لفاعلية المال السياسي الذي قد تشتري به بعضَ المرتزقة، لكن هيهات أن تشتريَ به شعباً بأكمله.
أهلُ صنعاء وسكانُها – وهم من كُلّ أطياف اليمن- سجّلوا صموداً نوعياً برغم بشاعة القصف والجرائم البشعة التي ارتكبت في معظم أحياء المدينة، وبرغم الحصار الشديد، وتردّي الخدمات العامة، وارتفاع تكاليف المعيشة، إلا أن أهلَ صنعاء ثابتون في بيوتهم، ويتحركون في شوارع وأحياء المدينة، ساخرين من العدوان، متوشحين بالصبر الجميل، إزاء القتل اليومي للمدنيين من الرجال والنساء والأطفال.
المسيراتُ والاحتشاداتُ المليونية التي تشهَــدُها العاصمة صنعاء بين الحين والآخر، دليلٌ مضافٌ على أن معركة صنعاء، ستبقى مؤجَّلةً. وفي حين قرَّر العدو أن ينتحرَ على أبوابها، فقد اختار النهايةَ ليس لعدوانه وحربه على اليمن، وإنما نهاية أيضاً لنعمة الاستقرار الذي تعيشُه المملكة، ولا تدري كيف تحافظُ عليه! |