صعدة برس -متابعات - في شوارع مدينة عدن "جنوبي اليمن" تجوب عربات "البيك أب" التي تحمل مسلحين وترفع شعارات سوداء، مستغلة حالة الفراغ الأمني بالمدينة، في الوقت الذي بدأت فيه تلك العناصر بنصب محاكم دينية وشن عمليات اغتيالات طالت مسؤولين في المدينة. ولأول وهلة يظن سكان المدينة -التي كانت يوماً ما ضمن مصاف المدن العالمية- بأن المسلحين الملثمين ينتمون لتيار واحد، وأنهم على قدر كبير من الانسجام. غير أن ما حدث مؤخراً في المدينة ربما يعطي صورة مغايرة، فقد اندلع تبادل للنيران بين مسلحين يرفعون نفس الأعلام السوداء قرب أحد الفنادق، وتسربت معلومات بأن الاشتباكات كانت بين مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وعناصر من تنظيم "القاعدة". أصل الخلاف يعود الخلاف بين الطرفين، إلى بداية توسع "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا، ففي أعقاب ذلك دعا قائد تنظيم القاعدة أيمن الظواهري "داعش" بقيادة أبي بكر البغدادي لمبايعته، لكن الأخير رفض، فيما رفضت القاعدة إعلان الدولة الإسلامية للخلافة. وخلال الرسائل المتبادلة بين التنظيمين المحظورين عالمياً، اتضح مدى هوة الخلاف المنهجي بينهما، فقال أبو محمد الشامي المتحدث الرسمي لـ"داعش" في اليمن، إن القاعدة "خائنون شاقّون صفَ المجاهدين"، وطالبهم بضرورة "الصدع بردّة الجيش الباكستاني والأفغاني والتونسي والليبي واليمني وقتال جيش عبد الفتاح السيسي وإلى التبرّؤ من محمد مرسي وحزبه" حسب قوله. في المقابل، أصدر القيادي في تنظيم القاعدة خالد باطرفي، والذي يحكم محافظة حضرموت "جنوب شرق اليمن"، بياناً باسم التنظيم في جزيرة العرب والمغرب الإسلامي، قال فيه إن "خلافة البغدادي خلافة باطلة شرعاً، ومنهجه بُني على خليط من الجهل والانحراف والأهواء". الخلاف بين التنظيمين في اليمن وجود القاعدة أصبح مهدداً في اليمن منذ أن أعلن تنظيم "داعش" عن وجوده في البلاد عقب تفجيرات طالت مساجد مرتبطة بالحوثيين في العاصمة صنعاء منتصف مارس/آذار، قُتل خلالها حوالي 150 شخصاً. ومع اتساع تمدد المسلحين الحوثيين المدعومين بقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح في المدن الجنوبية، نشأت قوات من جميع الفصائل الموالية للرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، ووجدت دعماً من قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وفي منتصف يوليو/تموز كان الحوثيون ينسحبون من معظم المدن الجنوبية، على وقع ضربات المقاومة. وخلال تلك المعارك ضد الحوثيين قاتل تنظيما "داعش" والقاعدة في صفوف المقاومة، وتمكن عناصر "الدولة الإسلامية" من استيعاب رغبة بعض المقاتلين القوية في الانتقام بصورة أكثر فعالية. وحاول تنظيم "داعش" ضم المنتمين للقاعدة، حيث وجد شباناً ينتمون لها ومجهزين للقتال، واتخذ من دعم إيران مسبقاً للقاعدة وزعيمها الراحل أسامة بن لادن وسيلة كي ينقلب أنصار القاعدة عليها وينضموا للدولة الإسلامية. بتلك الخطوة بدأت القاعدة تفقد السيطرة الفعلية على الأرض، ففي إحدى البلدات بمنطقة يافع بمحافظة لحج (جنوب اليمن) أعلن مقاتلو القاعدة ولاءهم لتنظيم الدولة لتفقد القاعدة تلك البلدة. أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شن داعش 4 هجمات انتحارية بواسطة سيارات مفخخة استهدفت مقراً مؤقتاً للحكومة اليمنية وموقعين لقوات التحالف العربي في مدينة عدن، هذه الهجمات عمقت من العداء بين الطرفين، حيث إن القاعدة يرى في الحكومة اليمنية وقوات التحالف حليفاً مؤقتاً خلال الحرب التي تشهدها البلاد منذ نحو عام. وفي مدينة الحوطة كُبرى مدن محافظة لحج إلى الشمال من عدن، وزع مسلحون تابعون لداعش بياناً على الأهالي والسكان يحذرون فيه من التعامل مع قوات الجيش اليمني الذي تشكل من مقاتلين معتدلين، ودعا لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية. توتر وحرب مرتقبة محافظتا لحج وأبين الساحليتان المجاورتان لعدن فشل فيها الوسطاء لإقناع المسلحين بتسليم القوات الحكومية 55 عربة مدرعة ودبابة و22 قاذفاً للصواريخ استولوا عليها من الجيش، حسبما نقلت وكالة رويترز. ولم تفصح الوكالة عن هوية المسلحين، غير أن قيادياً لتنظيم القاعدة صرح لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن مسلحي داعش يسيطرون على مدن وبلدات في يافع ولحج وأجزاء من شبوة وحضرموت في الجنوب، وهو ما يُعزز بأن تلك القوة الكبيرة من الآليات بيد مقاتلي "داعش". ويشير القيادي في القاعدة إلى أن أبرز نقاط الخلاف بين الطرفين، هي إعلان داعش الخلافة دون التمكن من فرض السيطرة المحكمة على الأرض، و"مسألة الذبح وتفجير مساجد الشيعة (الحوثيين) والأماكن العامة". وأضاف "من فقه المرحلة لدى أنصار الشريعة أن العداء يوجه لأشد الأعداء من الصليبيين ثم الرافضة ثم الحكومات السنية، فيما ترى "داعش" أنه لا يجوز التحالف مع الحكومات السنية". و توقع أن الأمر سيتطور إلى أن يتقاتل الطرفان في الوقت الذي يعود العشرات من المقاتلين لتنظيم القاعدة بعدما وجدوا الكثير من الغلو والتشدد لدى "داعش" وتكفيرها لحركة طالبان وقولها إن تنظيم القاعدة مرتد. مستقبل الطرفين ويؤكد القيادي أن الحوثيين وقوات صالح تنسحب من بعض مناطق الصراع القائم، وتسلمها لمقاتلي تنظيم الدولة، غير أنه لم يعط تفسيراً لتلك الخطوة. وبحسب القيادي فإن من يقود تنظيم القاعدة هو قاسم الريمي خلفاً لناصر الوحيشي الذي اغتالته طائرة أمريكية بدون طيار قبل أشهر في حضرموت. أما بالنسبة لقائد "داعش" في اليمن فكان أبا بلال الحربي وهو سعودي الجنسية ويُدعى أبو المعالي الشامي، غير أنه تسبب في مشاكل كبيرة، ليتم عزله وتنصيب أبي سليمان الذي ينحدر من مدينة عدن ويُدعى أبو أسامة المهاجر. |