صعدة برس-متابعات - د/ عبد العزيز بن حبتور
شاركت يوم أمس في المهرجانين العملاقين في مدينة صنعاء الأول كان في صباح يوم السبت بميدان السبعين الذي نظمه المؤتمر الشعبي العام والمهرجان الثاني عصر يوم السبت في حي الروضة أمام الكلية الحربية ، وكانت كلا المهرجانين تظاهرة جماهيرية حاشدة مزدحمة بالمشاركين ورافعة شعار واحد تقريباً ان الشعب اليمني يقاوم العدوان وأنها متمسكة بقيادتها المقاومة على الأرض وتعني الجماهير بانها لن تفرط بالمؤتمر الشعبي العام وقيادته برئاسة الزعيم / علي عبد الله صالح الرئيس السابق للجمهورية ، ولن تفرط في قيادة أنصار الله ( الحوثيين ) بقيادة زعيمها الروحي السيد/ عبدالملك بن بدرالدين الحوثي ٠
اتصل بي صديق من ولاية أريزونا بالولايات المتحدة الامريكية ليعاتبني على المشاركة وقال انت تشارك بمهرجان كانوا منظميه سبب في شقاء وتعاسة اليمن ولا يستحقوا منك لحظة تضامن ، رددت عليه بسؤال ما إذا كان راقب مشاركتي عبر طائرة الأواكس الأمريكية او عبر الأقمار الصناعية الموجهة على مدار الساعة لمراقبة صنعاء واليمن عموماً او بأية وسيلة كانت ؟ ، ومع تواصل الحديث عرفت انه تابع لي أحد التصريحات لإحدى القنوات الفضائية وكذا من خلال إخباره من أصدقائه الحاضرين بالمهرجان ٠
تحدث معي بحَنق وغضب انتم تتبعون قيادات تقودكم من حرب الى حرب ومن أزمة الى أزمة ومن صراع الى آخر ولم يتوقف في كيل التهم لي ولمشاركتي في المهرجانين وبسبب موقفي العام من العدوان ،ويقول مردفاً حديثه ان هذه القيادات اليمنية التي حكمت وخلفت لليمن كل هذه المعاناة مُنذ عام 1962م ، وعام 1963م وبطبيعة الحال يقصد منذ الثورتين اليمنيتين ( سبتمبر وأكتوبر ) وأسترسل في سرد الإدانات لليمنيين وقياداتهم ولم يعد يفرق بين أحد ٠
ولكي أُبيِّن لصديقي خطاء محتوى فهمة لطبيعة الأحداث في اليمن وربما معطياتها بالعالم قلت له مايلي :
أولاً :
الحرب في اليمن وفي غيرها من بلدان العالم هي خطيئة البشرية كلها ، ولكننا لا نستطيع عزل اليمن عن محيطها الكوني ٠
ثانياً :
منذ ان بدئت البشرية بتوثيق أنشطتها الحياتية في تاريخ موثق مكتوب على جلود الحيوانات ونقوش الأحجار والفخار المحروق كان منذ 2600 عام تقريباً ، عاشت منها 200عام في سلام و2400عام كانت عبارة عن زمن حروب ونزاعات بين الانسان وأخيه الإنسان ، والقارئ اللبيب عليه التأمل والتفكر ٠
ثالثاً :
منذ تأسيس الولايات المتحدة الامريكية وانت أصبحت أحد مواطنيها ، تأسيسها عام 1783م اي عمرها الان قرابة 233عام أمضت جل تاريخها في حروب متواصلة مع الغير تحت يافطات عديدة ابرزها الحرية وحقوق الانسان والعدل والمساواة ولكن الهدف الرئيسي هو الحفاظ على مصالحها فحسب ، بينما أمضت 20 عام فحسب في سلام ٠
رابعاً :
اما الحروب التي ادارتها أمريكا وحليفتها التاريخية بريطانيا العُظمى في عالمنا العربي فحدث ولا حرج ، ولا اريد صديقي ان يزداد تشاؤماً لو ذكرته بان عمر حروب أمريكا علينا هي أعمارنا هو وانا اي تجاوزت الستين عاماً ، وذكرته بحروبهم لزرع دويلة إسرائيل في قلب العالم العربي الذي كان معظم دوله تحت سيطرة الإستعمار الأوروبي ٠
خامساً :
ذكرت صديقي العربي المتصل بي من ولاية أريزونا الأمريكية ، بأنه حينما قررت السعودية وحليفاتها الملحقات بها شن الحرب العدوانية على اليمن فإنها اعلنتها من العاصمة واشنطن لتأخذ من هناك بركات واشنطن وإدارته كما كان يفعل قادة الحروب والحملات الصليبية على شعبنا العربي المسلم كانت تأخذ بركاتها من البابا ( بابا الفاتيكان بروما ) ، ما أشبه الليلة بالبارحة ، وكان الأخ/ عادل الجبير وزير خارجية سيده الملك سلمان متحدثاً عن الحلف العدواني الذي تم تغطيته أمنياً وسياسياً من سادة البيت الابيض الامريكي ، وهل نسي العالم شرور الحروب العدوانية للأمريكان في فيتنام ، كوريا ، أمريكا اللاتينية ، وأوروبا ، أفغانستان ، تدمير العراق وليبيا والصومال ، توفيرها الغطاء العسكري والسياسي لكل حروب الكيان الصهيوني الإسرائيلي على العرب وعلى أهلنا بفلسطين تحديداً ٠
سادساً :
عَقَب على صديقي بالقول انت كعادتك تُغرقنا في أحداث وتفاصيل التاريخ ، رديت عليه مقاطعاً بان من يفصل وقائع الماضي عن تفاعلات ومعطيات الحاضر لن يستطيع بالمطلق ان يخطو بشكل صحيح الى المستقبل ، وذكرته بان المملكة العربية السعودية ناصبت العداء لثورة 26سبتمبر منذ الساعات الاولى ودعمت فلول الإمامة والثورة المضادة التي استمرت في عدائها للجمهورية العربية اليمنية منذ عام 1962م الى عام 1967م وما بعدها بدرجات متفاوتة ، ووقفت ضد إستقلال جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية منذ عام 1967 الى يوم الوحدة اليمنية المباركة في 22مايو1990م ، ووقفت مع تمرد الانفصاليين من قيادات الحزب الإشتراكي اليمني في عام 1994م ، وشنت الحرب العدوانية الحالية على اليمن والمستمرة منذ العام الماضي ، إذاً كيف ستقنع المواطن اليمني البسيط من سلسلة المواقف العدائية لجاره الكبير المسلم الغني ( السعودية ) ؟؟؟ ، وهل في حديثي معك انه إستغراق وَلَهْو في عبث التاريخ أم في وقائع مُفندة يترجمها الواقع بوضوح .
سابعاً :
هذا ردي ليس تبريراً للسياسات الخاطئة والقاتلة أحياناً من قل السياسيين الذين أداروا دفة شؤون اليمن في زمني التشطير والوحدة ولكن المراقب المنصف يأخذ كل العوامل والظروف والأخطاء في موضوع واحد ليفند الغث من السمين بطريقة غير ديماغوجية ولا انتقامية ولا إنتقائية ، من يعمل في الميدان ستكون له أخطاء بحكم كل تعقيدات وتناقضات واحتياجات المجتمع النامي الذي يفتقد للعمل المؤسسي والامكانات لتسيير المجتمعات الفقيرة ٠
لكن وانا أحدث صديقي الامريكي الجنسية والعربي المولد والهوى ، أستحضرت المشهد المُفْرِح لحضور الناس الى الساحتين ، وأذهلني مشهد مشاركة اليمنيين مِن مَن صادفتهم بالحشود ، إذ شاهدت مجاميع البسطاء الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة والشباب والنساء والإطفال وحتى من الرُضع ، والمسؤلين السابقين والحاليين ونماذج من رجال المال والأعمال وشيوخ القبائل وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والكل يتفاعل مع الحدث بنشوة إيجابية والعديد منهم يحمل رايات وصور وعلم اليمن العظيم ، ولا تجد شريحة من اليمنيين إلا واحتضنتهم الساحتين ، وصادفت هناك مواطنين من كل محافظات الجمهورية من أقصى جنوبها الى أقصى شمالها ومن شرقها الى غربها ، لم تؤثر في وعيهم ماكنة الدعاية المسمومة للإعلام الممول من قبل دول العدوان التي تومىء تارةً بان هذا الحشد هو مخصص للزيود فحسب او صنعاني وبس ، وأحياناً تصرح ببلاهة مفضوحة بانه حشد رافضي مجوسي وعفاشي حوثي وبس ، لكن ماشاهدناه والعالم كله بان الساحات كانت حيوية متفاعلة بخليط طبيعي من اليمنيين من كل المناطق والمذاهب والفئات الاجتماعية ، وهذه الصورة هي الطبيعية للإنسان اليمني الحر ، وما عداها فهي آمور طارئة ومؤقتة ولن يحالفها النجاح ٠
صنعاء لا تقبل فكرة التشتت المذهبي والطائفي والمناطقي المقيت لانها عاصمة كل اليمنيين ،فهي قد تأسست قبل مجيء الديانات كلها الوضعية والسماوية ومنها انطلق مدد قوافل دعم رسولنا الكريم محمد ( ص ) لنصرة الإسلام ، فكيف بالمرجفين اليوم يحاولون إختراع وتصنع فكرة الصراع والتمذهب الذي لفظه تاريخ اليمنيين وتعلموا من بعض دروس مآسيه وتعايشوا معاً منذ قرون موغلة بالتاريخ تحت راية الاسلام بكل مذاهبه ، إذاً ليقراء المجتهدون من جديد ومن أراد ان يفهم بان صراعنا اليوم في اليمن ليس قائماً على أساس مذهبي ولا مناطقي ولا قبلي ولا قروي ، بل انه تناقض سياسي بحت وللإجابة عن سؤال ( السلطة والدولة ) القادمة باذن الله التي تخدم فكرة المواطنة المتساوية لليمنيين جميعاً .
|