صعدة برس-متابعات - مخطوط التوراة القديمة التي تم تهريبها، مؤخراً، من اليمن، يربو عمرها التاريخي عن ألف وستمائة سنة.
بذلت الوكالة اليهودية جهوداً جبارة لانتزاع الأسر اليهودية من اليمن منذ تاريخ مبكر، وبالتحديد بعد رحلة "يعقوب سافير" بين عامي (1858_ 1859م) للبحث عن القبائل اليهودية العشر المفقودة، وقد أعان ذلك في تحقيق بعض مقاصدها تسهيلات الحكومة البريطانية عام (1947م) في عدن.
ويرجع السبب وراء رغبة الوكالة اليهودية في انتزاع الأسر اليهودية من اليمن تحقيق اشتراطات هرتزل كضمان نجاح المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين وتحقيق الطاقة البشرية والاقتصادية والقوة العسكرية اللازمة. كضمانات حقيقية لإنجاز أهدافها التوسعية.
وبهذا ظل الهدف واحداً يكمن في الحصول على أكبر عدد ممكن من المهاجرين ويهود اليمن بوجه خاص، دونما اهتمام بالوسائل التي يتخذها الصهاينة لإقناع اليهود بالهجرة إلى فلسطين.
ولقد حرص يهود اليمن، منذ وقت مبكر، على عدم تحقيق نوايا هذه السياسات وتفويت فرصة تهجيرهم من اليمن "الأرض الطيبة "، كما يرد ذكرها في أدبياتهم. وأدركوا باكرا أن سياسات كهذه إنما تخدم المشروع الاستيطاني الصهيوني وبما ينزع عنهم عمق انتمائهم وأصالة هويتهم الضاربة في أعماق التاريخ اليمني القديم "سبأ وحمير".
ولعل هذا ما جعلهم يتشبثون بتراب اليمن ويشاركون بفاعلية في سير الحياة والمساهمة في إنتاج عاداتها وتقاليدها وأعرافها الاجتماعية وفنونها المختلفة دونما تذويب يذكر لأي من خصوصيتهم وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الشعب اليمني. وقد تمكنوا من إثبات وجودهم في المجتمع عبر المهن والحرف المتنوعة وشتى وسائل التجارة وفرصها الكبرى المتمثلة في"التصنيع ـ الإنتاج ـ الاستيراد ـ التصدير"، وأتقنوا آليات التحكم بحركة الأسواق مما أدى إلى تزايد رؤوس أموالهم ناهيك عن توفر أجواء الحرية ومزاولة شتى الشعائر والطقوس الدينية بمنتهى الحرية مع اعتراف كافة شرائح المجتمع بحساسية خصوصيتهم الدينية والوجودية.
لم يقتنع يهود اليمن بفكرة تهجيرهم من أرضهم الطيبة/ اليمن، كما ترد في أدبياتهم، مع أن نشاط الوكالة اليهودية المتمثلة في محاولات الإقناع ووسائل التهجير لم يتوقف منذ مهمة يافينلي 1908م وانتهاءً ببعثة غروشون اغرو تسكي، وهي القناعة التي جعلتهم يستمرون في الحياة. تزايدت مدارسهم وكنسهم، وتجلت قدراتهم ومواهبهم ونجحوا في تسريب ثقافاتهم ورموزهم وأنساقهم المختلفة.
لم يقتنعوا بمغادرتهم اليمن إلا عندما أقدم الإمام يحيى بن حميد الدين فور توليه زمام الحكم بعد وفاة والده المنصور على محاصرة صنعاء وتضييق الخناق على العثمانيين لإجبارهم على التسليم، وعندما كانت صنعاء تحت الحصار غادرها اليهود ونجح بعضهم في الوصول إلى فلسطين، لكنهم لم يصطحبوا مصادرهم ومخطوطاتهم.
جاءت الهجرة (الجديدة) بعد أن دخلت اليمن في حرب على مدى عام من الحرب الداخلية، وضربات جوية قادتها السعودية استهدفت كل البنى التحتية ومقدرات البلد. مصطحبين معهم توراة يهودية مكتوبة على جلد غزال وربما تكون النسخة الوحيدة التي لم تحرف، وقد كتبت بخط جميل وبطريقة متقنة للغاية، ويمكن الجزم أنه ذات التوصيف الذي ذكره نزيه العظمة في عام 1937م.
يذكر نزيه العظمة في كتابه "رحلة في بلاد العرب السعيدة":
"ورأيت أولاد اليهود كأولاد المسلمين يجلسون في مدارسهم على الأرض، وأمامهم طاولات خشبية صغيرة يضعون عليها كتبهم ويقرأون جميعاً بصوت واحد ووقت واحد فلا يفهم الإنسان منهم شيئاً، ورأيت في الكنائس التوراة مكتوبة على ورق غزال وملفوفة بعدة لفات، فطلبت من أحد الحاخميين أن يفردها أمامي، فوجدت كتابة جميلة ومنمقة للغاية ويدعي اليهود أنهم اجلبوا التوراة معهم من فلسطين بعد خراب الهيكل".
صفوة القول، إن التوراة القديمة التي تم تهريبها، مؤخراً، من اليمن، هي ذاتها التي أشار إليها نزيه العظمة والتي يربو عمرها التاريخي عن ألف وستمائة سنة وبلهجة عبرية قديمة هي ذاتها لهجة يهود اليمن إلى يومنا هذا، كما أنها تشير في أكثر من موضع إلى نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم. |