|
|
|
صعدة برس - *د. عبد العزيز بن حبتور
ما أعظم الحِكم والدروس والمواعظ في تراثنا الديني والثقافي والإنساني ، وان التفكّر في مغزى قدوم الأنبياء والرسل للبشرية جمعاء في أزمنتهم بهدف إنارة دروب الخير والسلام للناس اجمعين هو مسألة جوهرية لفهم المقاصد من كل عِظة ، والتأمل بعمق في نزولهم للناس كي يحكموا بالعدل بين الأقوام المتنازعة في أمور حياتهم وتنظيم تضاد مصالحهم ، تلك هي من بين الأسرار المبهمة التي اختلف عليها المُفسرون من بني البشر عبر كل مراحل تطور المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ ?
ومن وحي أحداث اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم ، والتأمل في حال ما وصلت اليه الأوضاع في منطقتنا العربية ، ونستقرئ معاً في معاني الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة وحتى مقولات ونظريات الفلاسفة والمفكرين الكبار في هذا العالم ، نجد ان الإنسان كان ولازال هو ذلك الإنسان الذي لم ولن يتغير مهما بلغ غناه وثراؤه ، إلا ان شهوته المتجذرة للحصول على المزيد من الثراء والجاه والسلطان هي من يتحكم في بوصلة مساره وحركته وصعوده وتوجهه في إطار التنافس للوصل الى المستوى الأرقى كما يظن ، وللوصول الى الأفضل وحتى الكمال لو استطاع فعل ذلك ، وهذا الأمر ينسحب على الجماعات والأقوام وحتى الدول حديثها وقديمها ، ولنا في عظة التاريخ دروس مستقاة ، فصعود وانهيار الأمم والإمبراطوريات مُنذ سيدنا آدم عليه السلام الى اليوم تحكمه للأسف هذه المعادلة بكل متطلباتها ?
سأل العديد من المتابعين السؤال المنطقي الآتي : ماذا يدفع بأغنى دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء الشقيقتين عُمَان والكويت ، إلى أن يتحالفوا عسكرياً على جارتهم اليمن الجار الفقير والمسالم !!! ، وحتى السُذَّج من الناس يرددون التساؤلات ويقولون الا يعرف هؤلاء الأشقاء العرب بان اليمن كانت ولا زالت مدداً لكل العرب والمسلمين برغم عوزها وحاجتها ، وان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أغدق على اليمنيين بالعديد من الأحاديث النبوية المُقدّسة ، مع العلم بان مزايا اليمنيين كجيران مع العرب وغيرهم كانت إيجابية الى أقصى الحدود.
دعونا نضع امام القارئ اللبيب مجموعة معطيات نبادر تُعد بديهية ولعلها قد تُفضي الى سبر غور الأسباب المنطقية لنشوب هذه الحرب :
أولاً :
اليمن لا تملك ثروات طبيعية كبيرة في جوف أراضيها ، وهذه بعد دراسات ومسوحات طوبوغرافية عديدة ، لكنه يتميز بعاملين رئيسين للنهوض التنموي في قادم الأيام بأذن الله :
( أ ) يتميز بوجود إنسان جاد وطامح للتطوير من ذاته وللآخرين .
( ب ) يستوطن في موقع إستراتيجي وحاضن للتراث الإنساني التاريخي .
وهذان العاملان لا يشكلان أية خطورة على الجيران البتة ?
ثانياً :
معدل النمو والخصوبة في اليمن من أعلى المعدلات في المنطقة اذ يشكل ما نسبته 3.4% من عدد السكان ، وهذه النسبة أحدثت جدلاً واسعاً بين علماء الاختصاص في النمو السكاني في بلادنا امتداداً للجدل العالمي في هذا المجال ، وهذا عامل لا يشكل أية خطورة على جيراننا الأشقاء في الملمح العام للظاهرة ?
ثالثاً :
مستوى دخل الفرد باليمن من الناتج الإجتماعي الإجمالي والناتج المحلي ، يعد من أدنى الدخول في العالم ، وتُعد اليمن في بيانات صندوق النقد والبنك الدوليين ضمن البلدان الأقل نمواً بالعالم ، إذاً اليمن لن يشكل لدول الجزيرة العربية اي تهديد او منافس قوي في السوق الإقليمية ولا في غيرها .
رابعاً :
اليمن مصدر هام للعمالة الموثوقة لدول الجوار وتميزت هذه العمالة بالصدق والأمانة ، وهناك تشابه كبير في العلاقات الاجتماعية والثقافية بين اليمن وجيرانها ، بل ان التاريخ الحديث يقول بان العمالة اليمنية تحملت عبء البناء قبل مجيء الطفرة النفطية في دول الجوار .
عند سرد هذه المعطيات يتراءى للقارئ العابر ، إنه بالفعل ليس هناك ما يثير غريزة الاستحواذ من قبل الأشقاء الأثرياء لمهاجمة الشقيق الفقير ، لكن دعونا نتفكر في فهم قراءة الآية الكريمة الآتية ، بسم الله الرحمن الرحيم { إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ } صدق الله العظيم ،
هذه الآية أثارت موجة من التباينات الفقهية في تفسيرها بين فريقين من المُفسرين والمُجتهدين :
الفريق الاول من المُفسرين استند في تفسيره وحججه الى الاجتهاد من زوايا تفسير نصوص ومفردات اللُّغة العربية الصرفة ومالوا للمراجع التراثية ومنها التراث الواسع ( للإسرائيليات المُحرفة في كل شيء ) وانطلقوا في تفسيرهم لنص الآية الكريمة بدون قصد او غيره في ذم نبينا داؤود عليه السلام وتخطئته وأظن انهم وقعوا في هذا الهَنة ، إذ فسروا كلمة نعجة على انها ( المرأة ) الى نهاية تفسيرهم للنص القرآني .
الفريق الثاني من المُفسرين ومنهم ابن عثيمين والشنقيطي والإمام الهادي يحيى بن الحسين وكثيرون انطلقوا في تفسيرهم الى الابتعاد عن ذم الأنبياء ومنهم نبينا داؤود عليه السلام وفسروا الآية بأنها تشيير الى مدلول الأنانية المزروعة في جوف الإنسان في هذه الحياة ، وهي تشير الى استحكام وتغول الخاصية السلبية في الأفراد والجماعات في حب الذات بأنانية قاتله ، وتناولوا هؤلاء العلماء شيئاً آخر في هذا السياق وأشاروا الى ان المؤمن الحقيقي هو ان لا يَبْغي على شريكه او زوجته او جاره او رفيقه في العمل ، لأن من لوازم الإيمان الإنصاف في التعامل ،وانا أميل لهذا التفسير المنطقي ، وسنعود لربط الفكرة بعد إيراد عدد من المعطيات الخفية المستترة والظاهرة للعيان والتي أضحت معلومة في علاقة الجار الشقيق الطامع الأناني بأخيه الجار الشقيق المُسالم الفقير ?
أهم المحطات المضطربة في علاقة اليمن بالسعودية منذ نشوء الدولة السعودية الثالثة وحتى اليوم :
—————————————————————-
أولاً :
الدولة السعودية حاربت اليمن في زمن الدولة المتوكلية الهاشمية في ثلاثينيات القرن العشرين واحتلت المحافظات اليمنية الشمالية والغربية ، نجران ، جيزان وعسير ما عُرف بالإقليم السليماني اليمني واحتلت الحُديدة أيضاً ، وفي عام 1934م عقدت السعودية مع الإمام يحيى حميد الدين إتفاقية تأجير المحافظات الثلاث ولمدة أربعين عاماً فحسب ،ولظروف اليمن الداخلية استمر سريانها الى ان جاءت معاهدة جدة لترسيم الحدود بين اليمن والسعودية وتم بموجبها إلغاء الاتفاقية السابقة ( ومن يعود لمراجعة كتبنا المدرسية التي تدرس في المدارس اليمنية ، كان مثبتاً فيها بأن نجران وجيزان وعسير مناطق ومدن يمنية الى ان جاءت التسوية الأخوية التاريخية بين اليمن والسعودية عام 2000م ، وأتذكر إنني ترأست وفداً تربوياً كبيراً لزيارة السعودية عام 2011م لتسوية هذا الموضوع في مناهجنا وكتبنا المدرسية للبلدين ) .
ويتذكر القارئ وبعد الثورة السبتمبرية مباشرة ناصبت المملكة قيادة الثورة والجمهورية العٍداء ، ودعمت الملكيين وجلبت المرتزقة لقتال الجمهورية العربية اليمنية واستمر هذا الصراع حتى حدوث المصالحة بين طلائع الجمهوريين والملكيين والموقعة عام 1970م .
ثانياً :
حينما انجزت القوى الثورية التحررية في جنوب اليمن بقيادة الجبهة القومية الاستقلال الوطني الناجز في عدن عاصمة ( ج ي ج ش ) في 30نوفمبر1967م لم تعترف السعودية بالدولة الوليدة ، بل انها دعمت القوى القبلية المسلحة المناوئة للدولة الجنوبية الجديدة م?نذ يومها الاول ، وفرضت ضدها حصاراً سياسياً واقتصادياً شاملاً ، واستغلت السعودية نفوذها المالي الطاغي بتحويل قيادات الجنوب اليمني في ذلك الحين الى أشبه ( بالمنبوذين ) في كل المحافل العربية والإسلامية وحتى الدولية ، وبحسب مصادر خطابات وتصريحات القيادات الجنوبية آنذاك ?
ثالثاً :
فرضت السعودية على الجمهورية العربية اليمنية آنذاك اتفاقيات مجحفة بدءًا باتفاقيات الطائف والمزمنة بأربعين عاماً مروراً باتفاقية ( جرس السلام ) المُذلة على اليمن والتي أشار اليها الزعيم / علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية اليمنية الأسبق في مقابلته التلفزيونية مع RT الروسية في 30إبريل 2016م ، والتي تم إلغاؤها من قِبَله وأشار بانه حينما أصبح رئيساً للشطر الشمالي من الوطن ألغى هذه الاتفاقية ، بقوله هذه الاتفاقية ( منتهية الصلاحية ) بقوله الشهير انها “فينش” ?
رابعاً :
لم يَرُق للسعودية في ان تكون جارتها الجنوبية دولة يمنية موحدة قوية ، وخلقت لها العراقيل مُنذ ميلادها في 22مايو 1990م ، و ترحيل ما يزيد عن مليون ونصف مواطن يمني من السعودية الى اليمن بحجج واهية وبعودة هذا العدد الكبير من المواطنيين بدون اي تعويض مُجزي ، كما دَعَمتْ بالمال والسلاح والمرتزقة حركة التمرد الانفصالية التي قادها الحزب الاشتراكي اليمني وتم تجاوزها والانتهاء منها في 7يوليو1994م ?
خامساً :
كررت السعودية حربها الاقتصادية مرات عِدّة على اليمن ، اما بسحب السيولة النقدية للعملة الوطنية اليمنية من الأسواق اليمنية ، وبإغراقها بالمنتجات السلعية الاستهلاكية ذات المنشأ والصُنع في السعودية للمزاحمة وإضعاف الصناعات الوطنية او بإغراء عدد من الشركات النفطية بالمغادرة من الأراضي اليمنية والتوقف عن التنقيب ، بهدف إبطاء الاستفادة من استخراج الثروات النفطية ?
يتبين من الكشوفات الم?سربة منذ العام 2012م من المكتب الخاص التابع لمجلس الوزراء السعودي بأسماء الشيوخ والقادة السياسيين والعسكريين والقبائل اليمنية وحزب الإخوان المسلمين فرع اليمن ، وقيادات بالحزب الاشتراكي اليمني وآخرين بأن المبالغ المصروفة شهرياً هو من أجل التخريب الداخلي ليس إلا ويكونوا تحت الطلب في أية لحظة كما هو الحال اليوم ، من أجل زعزعة الوضع وعدم استقراره من الناحيتين الاقتصادية والأمنية .
سادساً :
برغم اتساع مساحة حدود المملكة العربية السعودية ، إلا أنها تظل محاصرةً جُغرافياً ، اذ أنها تقع تحت رحمة خصومها وأعدائها المُتنمرين على ضفاف المضايق المائية الهامة كمضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس ، وبالتالي هي تشعر انها في حالة اختناق دائم ، وبحثت لها مُنذ مُدة زمنية طويلة على منفذ على البحر العربي وخليج عدن ، وقد تقدمت بطلبات متكررة لقيادة الحزب الاشتراكي اليمني بين عامي 88/1989م بطلب مد خط أنبوب النفط عبر محافظة شبوة وحضرموت بمساحة طولية موازية لأنبوب النفط تقدر ب 8كم تمتد من الأراضي السعودية وتنتهي ببحر العرب وتكون السيادة عليها خاصة بالأمن السعودي او باشتراك رمزي للأمن اليمني ، رُفض الطلب في حينه برغم حاجة اليمن الديمقراطية للتسهيلات المالية لظروف البلد الاقتصادية الصعبة آنذاك ، وجُدد الطلب السعودي بعد الوحدة اليمنية المباركة وفي مرحلة حُكم الرئيس / علي عبدالله صالح لعدد من المرات مع تحسين الشروط ، ولكن الطلب رُفض مرة أُخرى بسبب خوف الجميع من سياسة الجارة التوسعيّة أيضاً ، وتم تجديد الطلب عبر وسطاء معروفين في العام 2012م في زمن الرئيس / عبدربه منصور هادي ولكن لتسارع الأحداث لم تتم الاستجابة لهؤلاء الوسطاء ، واليوم لازال المشروع القديم الجديد يتجدد بمشروع ضخم هو شق ممر مائي وسيسمى اذا نجح مشروع الحرب ( قناة سلمان) والذي ي?راد له ان يبدأ من سواحل الخليج العربي ( الخليج الفارسي ) ويمر عبر صحراء الربع الخالي ليصل الى اليمن عبر حضرموت وشبوة ، ولو اتبع السعوديون الطريقة القانونية وفقاً وتبادل المنفعة بين الجيران الأشقاء لكانت استطاعت ان تجنب العرب جميعاً من دفع هذه الفاتورة المُكلفة انسانياً ومادياً ، وهنا يظهر احد أهم أسباب حرب عاصفة الحزم على اليمن ?
سابعاً :
شَنت المملكة العربية السعودية حرباً شاملة من البر والبحر والجو منذ 26مارس2015م والى لحظة كتابة هذه الأسطر ، راح ضحيتها أزيد من سبعة آلاف مواطن مدني بحسب تقارير منظمة الأمم المُتحدة وعشرات الآلاف من الجرحى ، ودُمرت البنى التحتية التي قدرها الخبراء المكلفون بالنزول لإحصاء ما دمره الحرب ما بين 35–45% من كل مُقدرات اليمنيين ، ومعظم المنشآت المُدمّرة لها صلة بالجانب الاقتصادي والتنموي ، وكأن الجانب الاقتصادي هو سبب الحرب في الاساس ?
لم نحبذ الاستطراد في استعراض دورات الدم التي صنعتها الجارة السعودية لليمنيين ، واكتفينا بسرد الوقائع والأحداث لتبيان حجم الضيم الذي لحق باليمنيين من أشقائهم بسبب روح الهيمنة والاستعلاء والجشع من جار مُتخم بما رزقه الله من ثروات وجدها بباطن الأرض ، ليحارب بها جاره الفقير المسالم لأزيد من أربعة عشر شهراً متواصلة الى الآن ، وشنت السعودية الحرب تحت شعاري عاصفة الحزم وإعادة الأمل لإعادة الحكومة (الشرعية ) المتواجدة الآن في ضيافة الرياض ، ولكن المُتفكر في قراءة النقاط السبع سالفة الذكر ، سيجد انها حربٍ مُخطَّط لها سلفاً ، وتبين مدلول رسوخ الطمع والأنانية المُستحكمة في نفسيات حكام آل سعود والتي قادت الدول العربية الخليجية بجيوشها الجرارة كي تضم النعجة الوحيد لليمن الى نعاجه الـ 99 لمزيد من جمع الثروات والجاه والسلطان ليحل الأذى والوجع والمعاناة بالجار اليمني الشّقيق ، وهذا درس للتفكُر والاستيعاب .
ومع انهم شنوا علينا حرباً ضروساً استمرت لعام وشهرين الى الآن ، قتلت من خلالها الانسان ودمرت خيراته وبناه التحتية وخلافه إلا اننا كيمنيين لا يمكن ان نفرح ونسعد لمجرد سماعنا لإصدار مجلس الشيوخ الأمريكي لقانون العدالة الملغوم ضد (رعاة الإرهاب ) الذي يسمح لأهالي ضحايا أحداث ضرب برجي التجارة ومبنى البنتاجون بتاريخ 11/9/2001م ، برفع دعاوى وملفات لمقاضاة أفراد وجماعات من الاسرة الحاكمة بالسعودية ، لأنه قانون موجه ضد السعودية تحديداً ، وستكون تبعاته القانونية كبيرة ومؤثرة ، لكننا وأكرر لم نفرح على قاعدة كلٍ يعمل بأصله وبقواعد أخلاقه والسلام .
? وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ?
محافظ م/ عدن — رئيس جامعة عدن
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
انشر في تيليجرام |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
| |