صعدة برس -تحقيق- عبدالله السالمي - لعله بات واضحاً الآن ضرورة اشراك المرأة في عملية التنمية الاجتماعية الشاملة، لان دورها التقليدي لم يعد كافياً في ظل هذا الوضع الذي يتطلب العيش فيه عملاً أشبه بالنضال، ليس من أجل توفير لقمة العيش لنفسها، أو الحياة الكريمة لاسرتها ومن تعول فحسب ، وانما لمواكبة المتغيرات الدولية المتسارعة على مختلف الاصعدة.. والتي لا تبقي لغير النشطين - علماً وعملاً- مكاناً في هذا العالم الذي لم يعد يقبل بالكسالى والعجزة والمتواكلين...
واذا كانت المرأة في اليمن قد أوجدت لنفسها شيئاً من الحضور بالعمل في أكثر من موقع.. إلا ان العائق لم يزل كبيراً، والعقبة كؤودا.. باعتبار ثقافة المجتمع التقليدية التي لا تحبذ عمل المرأة خارج اسوار بيتها.. فكيف تنظر المرأة ذاتها إلى عمل المرأة ؟! وماذا يعنيها من هذه الثقافة الاجتماعية التي قد تقف على النقيض من هكذا عمل؟!
< البداية كانت مع الدكتورة ابتسام الهويدي التي اكدت على أن الثقافة الاجتماعية وراء ارتقاء الشعوب أو تأخرها، لانها حين تكون ايجابية تدفع بالمجتمع نحو التطور والتنمية، وعلى العكس من ذلك حين تكون سلبية.. وتقول: إن هناك بعض العادات الموروثة والمتراكمة من مئات السنين تؤثر سلبياً على دور المرأة في المجتمع، فهي تحدد لها هذا الدور ، وتقيد حريتها في اختيار نوعية الحياة التي ترتضيها.
سلبية القيم
< إن الاسلام قد منح المرأة حقوقها الكاملة التي تحفظ كرامتها في كل مناحي الحياة- تضيف الدكتورة الهويدي- وكذلك الحال بالنسبة للدستور والقانون فقد كفلا المساواة بين الرجال والنساء، ولكن العادات والتقاليد التي تسود داخل المجتمع لسوء الحظ هي التي تعيق تقدم المرأة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. ومجتمعنا- كغيره من مجتمعات العالم الثالث- يحمل في طياته بعض المفاهيم والقيم السلبية عن المرأة، والتي أدت إلى تدني وضعها في شتى مناحي الحياة ، حيث حددت دورها الرئيسي في البيت فقط وتربية الاطفال، والذي يعمق هذه الثقافة هو التفسير الخاطئ للإسلام وتعاليمه بخصوص المرأة..
قبول نسبي
< إن العادات والتقاليد والقيم السائدة اليوم- خاصة تلك التي تنتقص من حق المرأة كإنسان له دور حيوي وايجابي في المجتمع ويجب أن يحظى بالاحترام- تضعف مع مرور السنين، وهذا ما يحصل اليوم في مجتمعنا ، فالنظرة الغالبة عن المرأة التي تعمل خارج البيت قد تغيرت من النظرة السلبية التي تعتبر عمل المرأة عيباً إلى نظرة ايجابية، حيث أصبح المجتمع يتقبل بشكل تدريجي عمل المرأة خارج بيتها، وهذا ما يفسر تزايد نسبة النساء العاملات وعدد الإناث الداخلات لسوق العمل، فقد أصبحت المرأة منخرطة في معظم الانظمة الاقتصادية، حتى وان كانت مساهمتها في الناتج الاجمالي متدنية.. والمهم أن ثقافة المجتمع قد تغيرت بشكل تدريجي لصالح المرأة.. كما أنه قد أصبح لدى المرأة نفسها الثقة والايمان بأحقية عملها، وأنه لا ينتقص من وضعها داخل المجتمع.
ترتيب الاولويات
< وربما يعتقد البعض- تؤكد الدكتورة الهويدي- أن خروج المرأة عن دورها التقليدي وانخراطها في سوق العمل يحرمها من حقوقها الطبيعية كالتضحية بالزواج مثلاً.. ولكن هذه النظرة قد ضعفت ولم تعد كما كانت من قبل، فالعمل يمنح المرأة الدعم لمواجهة ظروف الحياة المعيشية.. وان عدم الزواج ليس سببه انخراط المرأة في العمل أو التحصيل العلمي، وانما تغير الثقافة حيث أصبحت هناك أولويات تضعها المرأة نصب عينيها وفي مقدمتها حقها في التعليم والحصول على العمل..
التنشئة هي الأساس
< الاختلاط بزملاء العمل من الرجال شيء طبيعي جداً فنحن لا نعيش لوحدنا- هكذا تقول انتصار سنان- وتضيف: والأهم من هذه العملية أن يقتنع الطرف الآخر بأنني مثله، فلا داعي لهذه النظرة الدونية تجاه المرأة.. «البسي.. اتغطي.. نقصي صوتك...» والأساس هو التنشئة والتربية فعلى ضوئها تغرس في ذهن الرجل اما احترام المرأة أو النظرة إليها بدونية.. وأنا أسأل لماذا هذا الشعور الأخير..؟ ونحن جميعاً- رجالاً ونساءً -نحمل نفس المشاعر.. نبكي حين نتأثر بالمنظر المحزن.. ونسعد لما نسمع اغنية حلوة مثلاً... إنني احاول أن اعوض هذا في أولادي.. فأنشئهم ليس على طريقة أنت ولد، ويجب الا تبكي فأنت رجل.. لان الاساس هو التنشئة.. فأنا مثلاً.. ربما لانني نشأت في بيئة أخرى حيث ربيت من الروضة الى الثانوية على طول الخط مع أولاد، في عدن.. لذلك ليست لدينا هذه المشكلة.. ففي اسرتنا كان يعاملني ابي مثل أخي... «اخرج أنت واختك لتلعبوا».. وقد كنا نتعلم مع بعض، ونلعب كرة قدم مع بعض، نتعلم الخياطة مع بعض، وندرس فن الطبخ مع بعض.. لذلك لم نعانِ مشكلة التمييز هذه.. ولكنني اعاني اليوم من ناحية أن لدي بنات، ونظرة المجتمع اليوم لا تتقبل مشاركة المرأة إلا في بعض المناطق الى حد ما، لكن النظرة الغالبة مازالت تحاصر المرأة.. مع أن المرأة العاملة قد فرضت احترامها في أكثر من مكان..
التعليم والإعلام والدور الغائب
< أما الحديث عن امتيازات تفقدها العاملة- تواصل انتصار سنان- فهي مجرد إحساس بنظرة المجتمع اليها.. فالغير متزوجة يقال تعاني من العنوسة مع أن هذا لا يقال على الرجل- لانها موظفة أوجامعية، فلا يقبل عليها الآخر لأنه يقول إنها مختلطة بالرجال.. وصحيح أنه قد يداخلها هذا الإحساس فتشعر معه بالاحباط، غير أنه على الرجال أن يتعاملوا مع المرأة الموظفة بكل وضوح وسلاسة.. ونحن يجب ألا نحمل المجتمع تبعات هذه الأمور، فالمجتمع لم يلق إلى الآن من يشتغل عليه بصدق.. فانظر مثلاً اذا كان المنهج الذي درس بنتي التي عمرها الآن 15 عاماً هو نفسه الذي يدرس لاختها الصغيرة بنت الـ«6» اعوام.. امي تطبخ.. أمي تغسل.. وتنظف الاكواب.. أختي تخيط الثوب.. وأخي يذهب إلى المدرسة.. انظر كيف يتم تكريس الصورة النمطية.. أنا لا أقصد أنني لا أخيط واطبخ و... فهذا لا يغيرني.. ولكن لماذا لا يكون.. أمي تطبخ وتذهب إلى بيت الثقافة.. امي تقرأ جريدة.. تذهب إلى دورة كمبيوتر.. لديها نوبة ولادة في المستشفى.. الواقع أن المجتمع بحاجة لن يشتغل عليه، والعيب ليس في المجتمع، فلقد اشتغلت في أيام الانتخابات ووجدت آباءً واخواناً يلصقون صور بناتهم واخواتهم على الجدران، ويشاركون في عمل الدعاية لهن.. فهناك تغيير على مستوى المجتمع.. ونحن نعول كثيراً على وزارة التربية والتعليم في تغير الصورة النمطية للأم والمرأة على مستوى التعليم.. وكذلك بالنسبة لوزارة الاعلام فليس مهمة المرأة تقديم حفايظ ومكياج.. وانما قيمتها بما تحمله في عقلها..
تُحاكم إلى عملها
< وتشاركها وجهة النظر اشواق الحوثي من حيث أنها ترى هي الأخرى أن عمل المرأة الذي يتطلب الاختلاط بالرجال أمر طبيعي جداً.. وتقول: فالمرأة أخت الرجل بعد أن كانت أمه.. ولكن المجتمع من حولها هو الذي يجعلها ترى هذا الوضع صعباً.. وأن المرأة يجب أن تكون في البيت فقط، ولا تختلط بالرجال بسبب أنهم سينظرون إليها، وغير ذلك .. ولكن المرأة ليست محاسبة بما ينظر الرجل، ولكنها محاسبة بما تعمله هي فقط، فلا يجوز أن يضيق الخناق على المرأة بسبب تصرفات من حولها..
إما الموضوع الآخر فان عمل المرأة احياناً ينعكس سلباً علىها من ناحية أن الرجل يفضل المرأة التي في بيتها، والتي لم يرها أحد.. وهذا غير صحيح- تتابع اشواق الحوثي- فهذا لا يعني أن المرأة التي في البيت أطهر أو أشرف ممن تعمل.. فهذه الاوصاف تعود الى شخصية المرأة والتزامها بالأخلاق والآداب، وليس إلى مكان وجودها.. ومع أن هناك نظرات متعددة من قبل المجتمع تجاه المرأة العاملة حيث أن البعض يراها امرأة مزاحمة للرجل وتستحق «قلع رأس».. إلا أن بعضهم يراها امرأة مكافحة وتستحق التقدير..
للضرورة
أما «ف- ص» التي فضلت عدم ذكر اسمها فقد اكدت انها لا تحبذ العمل للمرأة، ولعل هذا الرأي كمدخل وراء اختصارها للحديث في كلمات، اذ أنها تابعت تقول: ولكن اذا اقتضت الضرورة فلا بأس بعمل المرأة، وكل عمل يتطلب اختلاطاً ولا مغر من ذلك.. ولكن يبقى هنا اسلوب المرأة نفسها في التعامل مع الاختلاط حسب تربيتها وبيئتها.. والعمل ينعكس سلباً على حياة المرأة كونها أنثى، فقد تطغى عليها طموحاتها فتؤدي بها إلى نسيان أهم وظيفة خلقت من أجلها.. وظيفة الام وتربية الابناء.. أما من ناحية نظرة المجتمع للمرأة التي تعمل فأظنها تختلف بحسب اختلاف ثقافة الافراد وطرائق تفكيرهم..
|