صعدة برس- نزيه أحمد يحيى العماد -
المؤتمر الشعبي العام ... حزب الثورة
الثورة الشعبية اليمنية ليست خاصة بحزب أو جماعة أو منطقة أو أشخاص, كما أنها ليست ثورة ساحات, بل هي ثورة شعبية يخوضها كل اليمنيين الساعين للتغيير, وأكثرهم ثورية هو أكثرهم قدرةً واستيعاباً وتقدماً في الحركة التغييرية.
وذلك أيضاً ينطبق على الأحزاب اليمنية التي تتقاسم الحياة السياسية في اليمن اليوم, فالحزب الأكثر قدرة على التغير والتغيير باتجاه تحقيق مطالب الحركة الثورية الشعبية في اليمن، سيكون هو الحزب الأكثر ثورية، والأجدر بقيادة البلد إلى الدولة المدنية اليمنية.
فالصرخات الثورية العدائية والاعتصامات التي أصبحت تشكل إزعاجاً للمدن وللساكنين بلا جدوى, لا تجعل من الحزب هذا أو ذاك أكثر ثورية وأكثر تجسيداً للطموحات الشعبية التغييرية, بل أعتقد أنها تضر بالحزب أكثر مما تنفعه, وتزيد من الفجوة التي تبعده عن المواطنين، وتفقدهم الثقة به على مستقبلهم.
المعطيات الواقعية اليوم تدل على أن المؤتمر الشعبي العام هو الحزب الأكثر قدرة على قيادة التغيير في الحياة السياسية اليمنية خلال المرحلة القادمة, وبرغم أن عوامل الفوز بالانتخابات والقدرة على الحكم تختلف تماماً الآن عن العوامل التي جعلت من المؤتمر الشعبي العام حزب الأغلبية البرلمانية والحكم خلال المرحلة السابقة, إلا أن الأحزاب الأخرى لم تُظهِر أية قدرة على مجاراة التغيير والتكيف مع الحركة التغييرية الشعبية.
لم تدفعني العاطفة أو الولاء التنظيمي كي أجزم بهذه النتيجة, بل هي حقائق ومعطيات منطقية تصل بأي عقل سويّ لهذه النتيجة, وسوف أستعرض هنا بعض هذه الحقائق والمعطيات، وأترك لكل عقل سويّ أن يصل للنتيجة بطريقته.
أولاً: استطاع المؤتمر الشعبي العام -الذي يعتبره البعض من أضعف الأحزاب التي حكمت في الوطن العربي- أن ينجو من النهاية التي أرادها أو توقعها له الكثيرون كنتيجة حتمية لتأثير الربيع العربي على الحياة السياسية اليمنية, خصوصاً وأن خصومه يظهرون بشكل أقوى من خصوم الأحزاب الحاكمة السابقة في مصر وتونس وليبيا, وهذا يؤكد على أن المؤتمر الشعبي العام أكثر مرونة وتكيفاً مع التغيير من تلك الأحزاب, ويؤكد أكثر ضعف وغباء خصومه السياسيين الحاليين، وهذا هو أهم أسباب نجاة المؤتمر مما كان متوقعاً له من نهاية, والضربة التي لا تكسر ظهرك تقويك.
ثانياً: خروج عدد من الأعضاء السابقين من المؤتمر الشعبي العام، والذين كان أغلبهم قد انضموا إليه لأسباب نفعية بحتة, أو لاختراقه والتأثير عليه من الداخل لحساب بعض التنظيمات الأخرى, كما أن بعضهم عُرِفوا كرموزٍ للفساد والرجعية والتخلف، وخروجهم يُبيض صفحة المؤتمر الشعبي العام شيئاً ما, وهناك عدد ممن استقالوا من المؤتمر خلال العام الماضي، ممن عُرِف عنهم النزاهة والعفة، وكان ذلك بتأثير من الإعلام أو من محيطهم الخاص، لكنهم سيعودون إلى المؤتمر الشعبي العام عندما يرون أنه أفضل الخيارات، أو على الأقل لأنه من سيقبل بهم.
ثالثاً: بالرغم من بقاء الرئيس صالح في اليمن واستمراره كرئيسٍ للمؤتمر الشعبي العام حتى الآن, إلا أنه لم يعد رئيساً للدولة, ولم يعد الالتفاف حوله من قِبل البعض ناتجاً عن السلطات التي كان يمتلكها أو الامتيازات التي كان يمنحها, فقد أصبح ثقله أقل على كاهل المؤتمر الشعبي العام, فثقل الشخصيات -الدينية والقبلية والعسكرية- هو عبء تتحمله الأحزاب المدنية, بينما يتمسك حزب الإصلاح –كمثال- بالأثقال التي تعيقه عن التحرك مثل أبناء الأحمر والزنداني والديلمي وصعتر, بل وأضاف إليهم حملاً أشد وطأة، وهو اللواء علي محسن الأحمر, فالشخصيات ذات الثقل كانت مفيدة للأحزاب المدنية عندما كانت السلطة من الأعلى إلى الأسفل, أما وقد قامت ثورة التغيير الشعبية، فقد أصبحت السلطة من الأسفل إلى الأعلى, وأصبح الثقل في الأعلى يشكل كارثة على الحزب، وعائقاً أمام قدرته على التغير والتغيير، والاقتراب أكثر من مطالب الشعب الثائر المتغير.
رابعاً: الكثيرون عابوا على المؤتمر الشعبي العام في المراحل السابقة، وانتقدوه لأنه حزب بلا أيديولوجيا, معتبرين أن الأيديولوجيا هي الرابط الوحيد الحقيقي الذي يجعل من التنظيم أكثر تماسكاً وقابلية للاستمرار, بينما الواقع اليوم والتجارب السياسية في كل دول العالم تثبت أن الأيديولوجيا أصبحت تشكل اليوم سوراً يحتجز بداخله التنظيم لنفسه بنفسه, وتعيقه عن أن يكسب الآخرين, فالأيديولوجيا كانت مفيدة للأحزاب التي لا يهمها الشعبية الكبيرة لدى الجماهير، ولا تكترث بتسويق نفسها أو الترويج لبرامجها شعبياً، ولا يهمها رأي من لا ينتمون إليها بها, وكان اهتمامها أكثر بثقة الأعضاء ببعضهم البعض، وتطابق أفكارهم ورؤاهم, وهذا مفيدٌ فقط في عصور الانقلابات والثورات النخبوية, وليس في عصر الثورات التغييرية الشعبية, فالحزب الذي لا يكون متقيداً بأيديولوجيا يستطيع صياغة برامج انتخابية واقعية اقتصادية وتعليمية وصحية وثقافية بصورة علمية منطقية، وأن يقدمها عبر وجوه جديدة لم تُستهلك ولم تفقد مصداقيتها بعد, سيكون في حينه هو الحزب الذي سينال ثقة الشعب مالك السلطة ومصدرها, وإلى الآن المؤتمر الشعبي العام هو الأقدر على ذلك بعد الانتهاء من العملية التصحيحية التنظيمية بداخله.
خامساً: نتيجة لما ذكر في الفقرة السابقة, فلن تقف القيود الأيديولوجية أمام تحالف المؤتمر الشعبي العام مع أي تيار أو تنظيم آخر, بغض النظر عن فكره وأيديولوجيته، مادام سيكون هذا التحالف مبنياً على البرنامج السياسي والاقتصادي الذي سيقوم المؤتمر الشعبي العام بصياغته خلال الفترة القليلة القادمة.
سادساً: هناك قناعة شعبية بأن التدخلات الأجنبية والإقليمية ومحاولة فرض الأجندات من الخارج عبر الأشخاص والتنظيمات المدنية والمنظومات القبلية والدينية، هي أبرز ما يثير الفتن الداخلية, ويجعل من المواطنين مجرد أدوات لهذه الصراعات التي يُجرون إليها عنوة, وكان إيقاف هذه التدخلات هو من أهم ما أراد الشعب إنجازه عندما ثار, والمؤتمر الشعبي العام هو التنظيم المدني الأكثر قدرة على أن يحافظ على استقلاليته من هذه التدخلات, فإنشاؤه كان فكرة يمنية بحتة، وهويته يمنية أيضاً, ولا يتبنى هوية أخرى لإحلالها محل هوية الشعب اليمنية, هناك فعلاً أعضاء أو قياديون في المؤتمر لهم ارتباطات بصورة أو بأخرى ببعض القوى الإقليمية, لكنهم لا يتجاوزون الـ5 أشخاص فقط, وخلال الفترة القريبة القادمة سيتم استبعادهم، أو على الأقل الحد من تأثيراتهم. بينما الأحزاب والقوى القبلية والدينية المواجهة للمؤتمر الشعبي العام، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً جداً بالخارج, وهو ارتباط إذعاني, فليس على من بالداخل إلا تنفيذ ما يؤمر به من الخارج, بل إن فكرة وجود بعض هذه التنظيمات هي فكرة خارجية، وهم في اليمن عبارة عن فروع لهذه الكيانات الأجنبية, وهي تسعى لطمس هوية الشعب اليمني وإحلال هوية أخرى, بعضها دينية وأخرى قومية, وبعض هذه القوى والأحزاب لا تنكر ذلك بل وتتباهى به.
سابعاً: بما أن ثورة التغيير الشعبية قامت من أجل أن ينال الشعب حرية حقيقية, فلابد أن يتم تقييم مدى تقبل كل طرف وتيار سياسي لهذه الحرية, وعند النظر للعقود الماضية ولمرحلة الثورة أيضاً, سنجد أن الكثيرين اقتنعوا بأن المؤتمر الشعبي العام يتقبل ويتبنى الحرية في داخله وفي الوسط السياسي عموماً، بصورة لا يتقبلها أغلب الأحزاب أو القوى الأخرى, فقد مارست بعض هذه القوى ممارسات قمعية وإقصائية خلال عام بقدر أكبر من مجموع الحالات التي مارسها المؤتمر الشعبي العام خلال أعوامه الـ30, برغم أن ثلث هذه الأعوام كان المؤتمر على رأس دولة شمولية ذات حزب واحد, إلا أنه كان أكثر تقبلاً للحرية وللتعاطي مع الآخر من هذه الأحزاب التي تدّعي سعيها إلى حرية الشعب كله, وأعتقد أن هذه المقارنة سيأخذها المواطن بالاعتبار عندما يدلي بصوته ويمنح ثقته خلال المرحلة القادمة.
ثامناً: وهذا هو المعطى والعامل الأهم, وجود قناعة كاملة لدى قواعد وقيادات المؤتمر الشعبي العام بوجوب إحداث تغييرات حقيقية داخلية في الأشخاص والسياسات وأسلوب التخاطب الإعلامي, وهذه القناعة مهمة جداً لإحداث أي تغيير وتقبله داخل أي تنظيم, بينما المشاهد يرى بأن الأحزاب الأخرى، وخصوصاً حزب الإصلاح، لديهم قناعة كاملة بأن تشكيلتهم الحالية صالحة للمرحلة القادمة, بينما الواقع يؤكد أن انتقال السلطة من النخب الاجتماعية والدينية والعسكرية إلى الشعب يتطلب تغييراً كبيراً في تشكيلة وسياسة وإعلام جميع أطراف الحياة السياسة اليمنية, لأن جميعها اشتركت بصورة أو بأخرى في إفساد الحياة السياسية, وللبدء في هذا التغيير داخل أي تنظيم، لابد أن توجد القناعة لديهم بذلك, وهذه القناعة متوفرة لدى المؤتمر الشعبي العام، وليس لها وجود أو مؤشرات لدى الأحزاب الأخرى, على الأقل حتى الآن.
هناك معطيات وعوامل أخرى قد يتوصل إليها كل مراقب سياسي وفقاً للمكان الذي ينظر إلى الخارطة السياسية منه, وقد دونت ما رأيته من مشاهدتي الخاصة لهذه الخارطة ومن موقعي, وقد يعتبر البعض هذا الحديث عبارة عن هراء وأحلام بعيدة جداً عن الواقع، وهذا من حقه, لكني أؤكد أن التفكير العقلاني والعلمي المبني على الحقائق لن يبعد كثيراً عما ذهبت إليه في موضوعي هذا, فإذا استمرت الأحزاب المواجهة للمؤتمر اليوم في طريقها وطريقتها، فإنها تمهد الطريق للمؤتمر الشعبي العام لتحقيق نجاحات انتخابية وجماهيرية قريبة من تلك التي نالها سابقاً, وسوف يكون المؤتمر أكثر استحقاقاً لها هذه المرة من تلك المرات السابقة, وأعتقد أيضاً أن الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع الوحدوي سيقدمان تجربة ونتائج أفضل من بقية شركائهما في اللقاء المشترك فيما لو استطاعت قيادات الحزبين أن تستعيدا حزبيهما.
إن عدم ظهور كيان سياسي نظامي جديد يُحدِث بعض التغييرات على الحياة السياسية في اليمن, سيقوي فرص المؤتمر الشعبي العام في المحافظة على أغلبيته, وسيمكن المؤتمر أيضاً من أن يظهر كأقرب التنظيمات السياسية للمواطنين اليمنيين ولهويتهم. وإذا ما تمكنت قواعد المؤتمر وقياداته من أن تنجز أكبر قدر من التغيير في داخل الحزب وفي سياسته وإعلامه، وحتى في شعاره، فإن المؤتمر الشعبي العام سيغدو فعلاً هو حزب التغيير والثورة.