صعدة برس - *عبدالمنان السُنبلي
هنالك مقولة قديمةٌ كنا نقرأها زمان تقول أن تاريخ وحضارة اليمن لازالت في جوف الجوف وأن ما هو متوفرٌ لدينا الآن من آثار ومعالم تاريخية ليس سوى ما وجدناه ظاهراً ومتناثراً أمامنا في بقاعٍ وأماكن مختلفة من سائر الأراضي اليمنية والتي لم تكلفنا أصلاً عناءً يذكر في عمليتي البحث أو التنقيب .
تخيلوا معي لو أن ما أنفقته الحكومات المتعاقبة طيلة الستين السنة الماضية في مجال الترويج السياحي وفي الحفلات الفنية الساهرة والإحتفالات الرسمية بأعياد الثورة والاستعراضات العسكرية والشبابية وو .. لو أن هذه الأموال كلها كانت قد سُخرت مثلاً في مجال البحث والتنقيب عن المدن والآثار اليمنية القديمة لا نقل في كامل الأرض اليمنية ولكن لنقل فقط في محافظتي الجوف وحضرموت على سبيل المثال لا الحصر، تخيلوا أي مرتبةٍ ستحتلها اليمن في قائمة التصنيف العالمي للدول الأقدم والأكثر تأثيراً حضارياً في مصاف العالم القديم وكيف ستكون عليه خارطة المعالم الآثرية اليمنية اليوم !
لكننا على ما يبدو نعتمد على ما تمنحه (الصدفة) وتقدمه لنا من مكتشفاتٍ نجدها أحياناً على الطريق وأحياناً أخرى نجدها معروضاتٍ في متاحف ومعارض دولٍ شتى وهكذا نحن دائماً في تعاملنا مع تاريخنا وحضارتنا !
يعني المصريون منذ القرن التاسع عشر وهم يستقدمون خبراء العالم في مجال البحث والتنقيب عن الآثار بحثاً عن آثارهم وخبايا أرضهم حتى أنه لم يبق شبرٌ في أرضهم إلا ونقبوا وبحثوا فيه ونحن للأسف لازلنا حتى هذه اللحظة نعتمد في هذا الخضم على ما تجود به الصدفة لنا على يد راعي غنم مثلاً أو عابر سبيلٍ أو حارث أرضٍ أو أو ..
وهكذا نحن اليمنيين دائماً نسئ إلى تاريخنا وحضارتنا !
نعلم أن حضارتنا تمتد لأكثر من عشرة آلاف سنة حضارةً عربيةً يمنيةً خالصة ومع ذلك اكتفينا بما ذكرته بعض النقوش المتأخرة التي وجدناها أمامنا ظاهرةً ومتناثرة على سطح الارض ومضينا نقتنع أن حضارتنا لا تتجاوز الثلاثة آلاف سنة فقط !
ونعلم أيضاً أن في صحراء حضرموت قامت أول حضارة على وجه الأرض - إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ومع ذلك لم يفكر أحدٌ منا في أن يطرح مشروع البحث والتنقيب عن مكان هذه المدينة وما تبقى من آثارها المدفونة تحت الرمال !
ونعلم كذلك أن في صحراء الجوف قامت أول دولةٍ يمنيةٍ قديمة - دولة معين ومع ذلك لم نكلف أنفسنا عناء البحث عن آثارها وخباياها واكتفينا بما وجدناه على سطحها مما لم تأتي عليه الرمال المتحركة وتغطية بعد !
فقط تخيلوا لو أن هاتين المحافظتين كانتا في مصر مثلاً، هل كانتا ستتركان على حالهما هذا الذي نراهما عليه اليوم عندنا ؟
ونعلم أن طه حسين في كتابه (العصر الجاهلي) قد تعمد الإساءة إلينا كيمنيين من منطلق حقدٍ دفينٍ يكنه لنا لا نعلم سره لدرجة أنه ذهب في كتابه هذا للتشكيك في عروبتنا وتاريخنا العريق ومع ذلك لم يكلف أحدٌ من مفكرينا وأدباءنا نفسه العناء للرد عليه وتفنيد مغالطاته وأكاذيبه الواضحة تلك مع أنه بمقدور أصغر مثقفٍ منا الرد عليه وفضح ادعاءته !
وحده فقط العلامة الأردني ناصر الدين الأسد من تحمَّل عنَّا عناء الرد عليه وقام بدحض افتراءاته وكشف أكاذيبه !
نقرأ منه (طه حسين) كل تلك الإدعاءات والأباطيل الملفقة ومع ذلك لا يتردد مفكرونا وأدباءنا ومثقفونا دائماً في أن يصدروا اسمه بعبارة (عميد الأدب العربي) !
ونعلم أن الملك سيف بن ذي يزن شخصية حقيقية قاوم الأحباش وعمل على طردهم من اليمن ومع ذلك يوم أن فكرنا في انتاج مسلسل يجسد شخصيته ويبين بطولته في دحر الاحتلال الحبشي تركنا التاريخ وحقائقه جانباً وذهبنا بالتعامل مع أحد شركات الدراما السورية ننتج مسلسلاً فانتازياً خرافياً جعل من شخصية سيف بن ذي يزن الحقيقية كما لو أنها مجرد شخصية اسطورية خرافية من عالم الخيال !
ونعلم ما فعله الإحتلال التركي بحق أرضنا وشعبنا ومع ذلك يوم أن أردنا أن نخلد تلكم الحقبة ونتذكرها بشئٍ من الألم والذكرى تركنا نضالات وتضحيات أجدادنا جانباً وذهبنا نقيم لهم نصباً تذكارياً في قلب العاصمة (صنعاء) يمجد تاريخ احتلالهم لبلادنا وما اقترفوه بحق ارضنا وشعبنا !
هل رأى التاريخ حمقى مثلنا ؟
أنا هنا لا ألوم الشعب اليمني وإنما في الحقيقة ألوم تلكم الحكومات المتعاقبة التي قصرت وفرطت بحق تاريخنا وثقافتنا وذهبت تستورد لنا ثقافات وسخافات لا تناسبنا ولا تتسق مع خصوصية مجتمعنا اليمني المحافظ وإرثه الحضاري الضخم، فمتى يستفيقون يا ترى ؟ |