|
|
|
صعدة برس - وكالات - “إيران أصبحت ساحة للجواسيس، فإسرائيل تستطيع أن تفعل ما تريد في برنامجها النووي”، يبدو أن هذه القناعة بدأت تترسخ لدى بعض المسؤولين الإيرانيين بعد الهجوم الأخير على منشأة نطنز النووية، وسط تساؤلات حول كيف اخترقت إسرائيل برنامج إيران النووي بهذه السهولة؟
إذ يعتقد أن إسرائيل نفذت سلسلة من عمليات التخريب والتفجير والاغتيال في العمق الإيراني على مدار أعوام دون أن تستطيع طهران حماية علمائها النوويين والمسؤولين الأمنيين والعسكريين وحتى الأهداف عالية القيمة.
ففي غضون أقل من تسعة أشهر، أردى قاتل على دراجة بخارية قائداً بتنظيم القاعدة كان قد حصل على ملاذ في طهران قتيلاً، واغتيل كبير العلماء النوويين الإيرانيين بنيران مدفع رشاش على أحد الطرق الريفية، وضرب انفجاران غامضان منفصلان منشأة نووية إيرانية رئيسية في الصحراء، وهو ما وجَّه ضربة في قلب المساعي الإيرانية لتخصيب اليورانيوم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
لا يبدو هذا فقط مثيراً للإحراج لدولة مثل إيران تفاخر بهيمنة أجهزتها الاستخباراتية والدينية والعسكرية على مقدرات أربع دول عربية وتهدد أخرى، ولكن من الواضح أن هذه العمليات باتت تعرقل تطور القدرات النووية والعسكرية الإيرانية.
ويبدو أن الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية كان نقطة فارقة في هذا الشأن، إذ يعتقد أنه تسبَّب في تأخير البرنامج النووي الإيراني 9 أشهر على الأقل، حسبما تشير التسريبات الإسرائيلية والأمريكية.
كيف اخترقت إسرائيل برنامج إيران النووي؟
طرحت الهجمات المتوالية هذه، التي قال مسؤولون بالاستخبارات الأمريكية إنَّها من تنفيذ إسرائيل، تساؤلاً لا يمكن تجاهله هو كيف اخترقت إسرائيل برنامج إيران النووي؟
وسلطت الهجمات الضوء على السهولة الواضحة التي تمكَّنت بها الاستخبارات الإسرائيلية من الوصول إلى عمق الحدود الإيرانية وتوجيه ضربات متكررة للأهداف الإيرانية شديدة الحراسة، غالباً بمساعدة من عملاء إيرانيين.
وكشفت الهجمات، التي تمثل الموجة الأحدث خلال أكثر من عقدين من التخريب والاغتيالات، ثغرات أمنية محرجة وتركت قادة إيران في حالة قلق، فيما يواصلون المفاوضات مع إدارة بايدن بهدف استعادة الاتفاق النووي لعام 2015.
وكانت الاتهامات المتبادلة لاذعة؛ إذ قال رئيس المركز الاستراتيجي التابع للبرلمان الإيراني إنَّ إيران تحوَّلت إلى “ملاذ للجواسيس”. ودعا القائد السابق للحرس الثوري إلى إصلاح الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلاد. وطالب مُشرِّعون باستقالة كبار المسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين.
قال مسؤولون ومحللون إيرانيون إنَّ الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لإيران هو أنَّ الهجمات كشفت امتلاك إسرائيل شبكة فعَّالة من المتعاونين داخل إيران، وأنَّ أجهزة الاستخبارات الإيرانية فشلت في العثور عليهم.
عرض التلفزيون الإيراني خلال عطلة نهاية الأسبوع صورة لرجل قِيل إنَّه رضا كريمي (43 عاماً)، واتهمه بأنَّه “مرتكب التخريب” في حادثة التفجير بمنشأة التخصيب النووي في نطنز الأسبوع الماضي. لكن لم يكن واضحاً مَن هو هذا الشخص، وما إن كان تصرَّف وحيداً، بل وما إذا كان هذا هو اسمه الحقيقي أم لا. وعلى أي حال، قالت وزارة الاستخبارات الإيرانية إنَّ الرجل فرَّ من البلاد قبل الانفجار.
ويوم الإثنين، 19 أبريل/نيسان، بعدما أفادت وسائل إعلام رسمية إيرانية بوفاة اللواء محمد حسين زاده حجازي، نائب قائد فيلق القدس، بمرض في القلب، ظهرت شكوك فورية بوجود شبهة جنائية.
ولطالما كان اللواء حجازي هدفاً لعمليات التجسس الإسرائيلية، وأصرَّ نجل أحد القادة الآخرين البارزين في فيلق القدس، في تغريدة بموقع تويتر، على أنَّ وفاة حجازي “لم تكن مرتبطة بالقلب”.
ومن شأن اللواء أن يكون ثالث مسؤول عسكري إيراني رفيع يُغتَال في آخر 15 شهراً؛ إذ قتلت الولايات المتحدة الفريق قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، واغتالت إسرائيل محسن فخري زاده، كبير العلماء النوويين الإيرانيين والعميد بالحرس الثوري، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقبل ذلك كان اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عملاً له دوي كبير داخل إيران وخارجها.
تمثل الهجمات تصعيداً في حملة طويلة الأمد تشنها أجزة استخبارات إسرائيل والولايات المتحدة لتقويض ما تعتبرانه أنشطة إيران المُهدِّدة، حسب وصف الصحيفة الأمريكية.
تعمل إسرائيل على عرقلة البرنامج النووي الإيراني، الذي تعتبره تهديداً قاتلاً، منذ بدايته. ويُعتَقَد أنَّ إسرائيل بدأت اغتيال شخصيات رئيسية في البرنامج عام 2007، حين مات عالم نووي إيراني بمنشأة لليورانيوم في مدينة أصفهان بعد حادث تسرب غامض للغاز.
وفي السنوات التالية على ذلك، اغتيل ستة علماء وقادة عسكريين آخرين قِيل إنَّهم مهمون لجهود إيران النووية. وأُصِيب سابع.
وقال قيادي كبير آخر بفيلق القدس، رستم قاسمي، إنَّه بالكاد نجا من محاولة اغتيال إسرائيلية خلال زيارة له إلى لبنان في مارس/آذار الماضي.
غير أنَّ الاغتيالات مجرد أداة واحدة ضمن حملة تتحرك على عدة مستويات وجبهات.
قبل 3 أعوام نفذت إسرائيل واحدة من أكثر هجماتها جرأة
ففي عام 2018، شنَّت إسرائيل هجوماً ليلياً جريئاً للاستيلاء على نصف طن من الأرشيف السري للبرنامج النووي الإيراني من أحد المستودعات في طهران.
وصلت يد إسرائيل أيضاً إلى مختلف أنحاء العالم، فوفقاً لمسؤول استخباراتي أمريكي سابق رفيع، تعقَّبت تل أبيب معداتٍ في بلدان أخرى متجهة إلى إيران كي تدمرها، أو أخفت أجهزة إرسال واستقبال في أغراضها، أو وضعت عبوات متفجرة ليتم تفجيرها بعد تنصيب المعدات داخل إيران.
قالت عميلة استخبارات إسرائيلية سابقة إنَّها كي تستهدف مثل هذه المعدات، كانت هي وضابط آخر يقودان سيارة بجوار المنشأة المستهدفة ويُدبِّران مشكلة، مثل حادث سيارة أو أزمة قلبية، ثم تطلب المرأة المساعدة من الحراس، حسبما نقلت عنها الصحيفة الأمريكية.
وقالت إنَّ من شأن هذا أن يمنحها فرصة الاقتراب الكافية من المنشأة لتحديد نظامها الأمني لكي يتمكَّن فريق آخر من اقتحامها وتعطيلها.
كيف نفذ الإسرائيليون هجوم نطنز؟
الانفجار الأخير في نطنز وقع في مصنع ينتج أجهزة طرد مركزي من جيل جديد، مما أعاد برنامج التخصيب النووي الإيراني إلى الوراء أشهراً، حسبما قال مسؤولون إيرانيون.
وتم وضع المتفجرات داخل مكتب كبير داخل المنشأة قبل الهجوم بأشهر، حسبما ذكر الرئيس السابق للوكالة الإيرانية للطاقة النووية، فريدون عباسي دوائي، في مقابلة مع تلفزيون رسمي إيراني الأسبوع الماضي.
وقال إنَّ الانفجار الأخير في منشأة نطنز الأسبوع الماضي كان ناتجاً عن عملية “شديدة التعقيد” تمكَّن فيها الجناة من فصل الطاقة عن أجهزة الطرد المركزي من الشبكة الكهربائية الرئيسية والبطاريات الاحتياطية بشكل متزامن. وأدَّى فصل الطاقة المفاجئ إلى خروج أجهزة الطرد المركزي عن السيطرة، الأمر الذي دمَّر الآلاف منها.
وقال علي رضا زكاني، رئيس مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني، الثلاثاء 13 أبريل/نيسان، إنَّه في حالة أخرى، جرى إرسال آلة من أحد المواقع النووية إلى الخارج للصيانة، وعادت إلى إيران مُحمَّلة بـ136 كيلوغراماً من المتفجرات المعبأة داخلها.
كيف استطاع الإسرائيليون اختراق إيران لهذه الدرجة، ومن المسؤول؟
وكان من الصعب أن تشن إسرائيل هذه العمليات دون مساعدة داخلية من إيرانيين، ولعل هذا هو أكثر ما يزعج طهران.
حَاكَمَ المسؤولون الأمنيون في إيران العديد من المواطنين الإيرانيين على مدار العقد المنصرم، واتهموهم بالضلوع في عمليات التخريب والاغتيال الإسرائيلية. وجزاء ذلك هو الإعدام.
لكنَّ عمليات التسلل شوَّهت أيضاً سمعة الجناح الاستخباراتي للحرس الثوري، وهو المسؤول عن حماية المواقع والعلماء النوويين.
وصرَّح نائب رئيس البرلمان، أمير حسين غازي زاده هاشمي، لوسائل الإعلام الإيرانية الإثنين، 19 أبريل/نيسان، بأنَّه لم يعد يكفي إلقاء اللوم في مثل هذه الهجمات على إسرائيل والولايات المتحدة، وأنَّ إيران بحاجة لتطهير نفسها.
وكما صاغت إحدى الصحف التابعة للحرس الثوري، مشرق نيوز، الأمر الأسبوع الماضي: “لماذا يتصرف أمن المنشأة النووية بصورة عديمة المسؤولية للغاية لدرجة التعرُّض للضرب مرتين من نفس الثغرة؟”.
لكنَّ الحرس الثوري لا يخضع إلا للمرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، ولا يوجد مؤشر حتى الآن على إجراء عملية تعديل من المستويات العليا إلى الأسفل.
قدرة طهران على الرد محدودة
وتعاني إيران للرد بعد كل هجوم، وتدَّعي أحياناً أنَّها حددت المسؤولين فقط بعد مغادرتهم للبلاد، أو تقول إنَّهم ظلوا طلقاء. ويُصِرُّ المسؤولون الإيرانيون أيضاً على أنَّهم أحبطوا هجمات أخرى.
وتتعالى الدعوات للانتقام بعد كل هجوم. واتهم المحافظون حكومة الرئيس حسن روحاني بالضعف أو بإخضاع أمن البلاد لصالح المباحثات النووية على أمل أنَّها ستؤدي إلى تخفيف العقوبات الأمريكية.
في الواقع، انتقل المسؤولون الإيرانيون إلى ما يدعونه “الصبر الاستراتيجي” في السنة الأخيرة لإدارة ترامب، مُقدِّرين أنَّ إسرائيل كانت تسعى لاستدراجهم إلى صراع مفتوح من شأنه القضاء على احتمالية المفاوضات مع إدارة ديمقراطية جديدة في الولايات المتحدة.
وقال دبلوماسيون كبار في فيينا، يوم الثلاثاء، إنَّه يجري إحراز تقدم في المباحثات، وإن كان بطيئاً. واتفقوا على إنشاء مجموعة عمل لدراسة كيفية ترتيب عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق من خلال رفع كافة العقوبات “التي لا تتسق” مع الاتفاق، وعودة إيران للتقيُّد بحدود تخصيب اليورانيوم الواردة في الاتفاق.
ومن المحتمل أيضاً أن يكون رد إيران على الهجمات الإسرائيلية قد خَفُتَ بسبب الإخفاق أكثر منه بسبب الصبر.
إذ أُلقي باللوم على إيران في تفجير قنبلة قرب السفارة الإسرائيلية في نيودلهي في يناير/كانون الثاني الماضي، وألقي القبض على 15 مسلحاً مرتبطين بإيران في إثيوبيا الشهر الماضي لتدبيرهم لشن هجمات ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية وإماراتية.
ومؤخراً سقط صاروخ سوري قالت إسرائيل إنه شارد في محيط مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي، وما هو يمكن أن يكون رسالة إيرانية لتل أبيب.
غير أنَّ أي انتقام صريح يهدد بإثارة رد إسرائيلي ساحق.
وقال مسؤول استخباراتي إنَّه في حال أدَّت الهجمات الإسرائيلية المتكررة إلى إثارة جنون الارتياب القومي لدى إيران، فإنَّ هذه فائدة جانبية لصالح إسرائيل.
إذ إن الخطوات الإضافية التي اتخذتها إيران لمسح المباني بحثاً عن أجهزة المراقبة وفحص خلفيات الموظفين لاقتلاع الجواسيس المحتملين قد أدَّى إلى إبطاء أعمال التخصيب.
هل أدت الهجمات الإسرائيلية إلى تغيير الموقف الإيراني؟
على إثر الهجوم الأخير على منشأة نطنز الإيرانية، خلصت إيران إلى أن درجة اختراق الأجهزة الاستخباراتية الأجنبية، الإسرائيلية بدرجة أساسية، إلى أشدِّ وحداتها العسكرية نخبوية وموثوقية -ومنها الحرس الثوري، وفيلق القدس- أكبر بكثير مما كانت تعتقد في السابق، حسبما ورد في تقرير لموقع Oilprice.com.
ويقول مصدر إيراني للموقع: “من الواضح أن إسرائيل باتت قادرة الآن على ضرب الأهداف الإيرانية كما تشاء تقريباً، سواء عن طريق العمل العسكري المباشر أو من خلال الهجمات الإلكترونية على الأصول التي قامت عليها البنية التحتية لإيران منذ فترة طويلة، ومن ثم إلى أن تصل إيران إلى حل لتجاوز هذه الأزمة، فإن أي قدر من التقدم قد تحققه في تطوير أنظمة الصواريخ الخاصة بها وعمليات تخصيب اليورانيوم بعد نقطة معينة يظل محدوداً للغاية”.
كيف ستؤثر هذه العمليات على موقف طهران التفاوضي؟
فضلاً عن إعادة برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني إلى الوراء، من المرجح أن تضعف الهجمات موقف إيران في المباحثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي لعام 2015.
عارضت إسرائيل هذا الاتفاق، وأشار توقيت هجومها الأخير، حين كانت المباحثات تجري في فيينا، إلى سعي إسرائيل لتقليص نفوذ إيران في المباحثات على أقل تقدير، إن لم يكن عرقلة المباحثات كلها.
وقالت الولايات المتحدة إنَّها لم تشارك في الهجوم، لكنَّها أيضاً لم تنتقده علناً.
يشير المنطق إلى أنَّ كلا الجانبين لا يريدان حرباً شاملة ويعتمد كل منهما على الآخر لتجنُّب التصعيد. لكن في الوقت نفسه، أدت حرب الظل السرية بطول المنطقة بين إسرائيل وإيران إلى تكثيف الغارات الجوية الإسرائيلية على الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والهجمات المتبادلة على السفن.
لكن في الوقت الذي تواجه فيه إيران تعثراً في الاقتصاد وتفشياً لإصابات فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) ومشكلات أخرى مرتبطة بسوء الحكم، فإن الضغط مستمر من أجل الوصول إلى اتفاق جديد قريباً لرفع العقوبات الاقتصادية.
ويشير موقع Oilprice.com إلى أنه جراء الوضع الاقتصادي الإيراني الذي وصل لنقطة حرجة بعد تراجع رصيد العملات الأجنبية لمستوى خطير، فإن طهران قد توافق على فرض قيود على برنامجها الصاروخي، وهو أمر كانت قد رفضته بشدة في السابق.
ومن الواضح أنه بالإضافة إلى العامل الاقتصادي، فإن الإيرانيين يشعرون أن الاختراق الإسرائيلي لبرنامجهم النووي وبرامجهم العسكرية قد وصل إلى مستوى خطير، بدرجة تجعله يوقف تقدمه، وبالتالي فإن هذا قد يدفعهم لبعض التنازلات. |
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
انشر في تيليجرام |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
| |