|
|
|
صعدة برس - وكالات - *إبراهيم نوار
لم تكن الإمارات قديما أو حديثا قوة بحرية؛ حيث لعبت سلطنة عمان دور القوة البحرية العربية الرئيسية في بحر العرب والمحيط الهندي منذ القرن الثامن الميلادي وحتى القرن العشرين، وهزمت البرتغاليين في منتصف القرن السابع عشر، وأقامت مستوطنات ومراكز تجارية على طول الساحل الشرقي لأفريقيا، وامتد نفوذها شرقا إلى مضيق ملقا بين المحيطين الهندي والهادي. واستمر وجودها في تلك المناطق حتى تخلت عن ميناء جوادر في عام 1958 ثم استقلت عنها زنجبار عام 1963. بعد ذلك أصبحت المنطقة من باب المندب إلى مضيق ملقا خالية من أي نفوذ عربي، وذلك على الرغم مصالح العربية الاستراتيجية والتجارية فيها. الإمارات رأت أن أمامها فرصة ذهبية لملء الفراغ الذي خلفته وراءها سلطنة عمان، فأرسلت سفنها إلى الصومال وجيبوتي واريتريا لاختبار المياه الراكدة هناك، وتقدير ما إذا كانت تستطيع إقامة مراكز لنفوذها، سواء من خلال التجارة والاستثمار، أو عن طريق عقد اتفاقات مع شخصيات حاكمة، أو صفقات مشبوهة مع عصابات القراصنة ومهربي البشر والمخدرات والسلاح والذهب والمعادن النفيسة في منطقة القرن الأفريقي الكبير المليئة بالصراعات. لكن ذلك كله لم يكن لينجح ويستمر بدون وجود قوي للإمارات في سواحل اليمن التي توفر لها أيضا قاعدة للانطلاق إلى منطقة القرن الأفريقي الكبير، الممتدة من الصومال وجببوتي إلى سواحل البحر المتوسط.
الأطماع في عدن
تلك مقدمة مهمة لفهم الدور الإماراتي في الصراع على اليمن، الذي ازداد قوة بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في العام 2014 وهروب حكومة عبد ربه منصور هادي إلى الرياض. الإمارات كان لها دور في التسوية الخليجية التي أدت إلى تنازل علي عبد الله صالح عن الرئاسة لنائبه هادي. وكانت على علاقة قوية مع نظام صالح، خصوصا العلاقة بين محمد بن زايد نائب رئيس الإمارات وأحمد صالح نجل الرئيس اليمني، الذي كان يتولى قيادة الحرس الجمهوري. بن زايد كان يراهن على نجل صالح في إقامة علاقات متينة مع اليمن. ولعبت دبي دورا مهما على الصعيد الاقتصادي بتوقيع اتفاق مع مؤسسة موانئ خليج عدن للاستثمار في ميناء عدن وتطويره وإعداده ليصبح قاعدة انطلاق في المنطقة الحاكمة لطرق التجارة الممتدة بين خليج هرمز وبحر عمان وبحر العرب والمحيط الهندي والأطلنطي وخليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر وصولا إلى قناة السويس والبحر المتوسط. وبذلك يتضح أن دور الإمارات في الصراع على اليمن يقوم على محورين، الأول استراتيجي، يهدف لأن تصبح الإمارات قوة بحرية إقليمية، والثاني اقتصادي يعتمد على التجارة والاستثمار.
خلاف في الأهداف
عندما انضمت الإمارات إلى التحالف السعودي في عام 2015 كانت تبتغي بناء علاقات أقوى مع الرياض بديلا عن الشكوك وعدم الثقة التي سادت بين الطرفين خلال الفترة منذ تأسيس الإمارات. ومن المعروف أن الإمارات تحت قيادة الشيخ زايد بن سلطان كانت تعمل بحذر شديد على خلق توازن مع الرياض عن طريق التقارب مع القاهرة، والتهدئة مع طهران. لكن تراجع دور القاهرة، وزيادة النزعة التوسعية لدى إيران، فرضا على الإمارات تعزيز العلاقات مع الرياض، باعتبار أن ذلك هو الخيار الوحيد لضمان أمن الإمارات.
ويعرف المتابعون للخريطة السياسية في الخليج أن الإمارات تكره الحليف المحلي للسعودية في اليمن، وهو (حزب الإصلاح) الذي يمثل النسخة اليمنية من تنظيم الإخوان المسلمين. ولا تقوم كراهية حكام الإمارات للإخوان على أرضية خلاف ايديولوجي أو سياسي، وإنما تنطلق من حقيقة كراهية حكام الإمارات للسياسة بشكل عام، والتصميم على قطع الطريق على أي نوع من العمل السياسي، باعتبار أن ذلك يمثل تهديدا لسلطة العائلات الحاكمة في كل من الإمارات السبع، فالحكم في الإمارات عموما يجد مقومات أمنه في تحقيق مبدأ «مصادرة السياسة» وأن تقتصر أنشطة الحياة العامة محليا على سعي الأفراد والشركات لطلب الرزق وتحقيق الأرباح.
وتدرك الإمارات منذ اليوم الأول لانضمامها إلى التحالف السعودي أن أهدافها تختلف عن أهداف السعودية، وأن حلفاء السعودية اليمنيين لا يمكن أبدا أن يكونوا حلفاء لها. وهذا يفسر كونها شرعت منذ دخولها إلى جنوب اليمن في بناء قوات جديدة على الأرض، لكي يكون لها حلفاؤها الذين تثق فيهم وتعتمد عليهم خلال الحرب وما بعدها. وقامت بتحقيق ذلك بهدوء وبدون استثارة السعوديين لمدة أربع سنوات.
ويمكن القول إن عملية بناء الحلفاء المحليين مرت بثلاث مراحل، الأولى كان هدفها طرد الحوثيين، والثانية لعقد تحالفات مستقرة مع حلفاء أثبتوا قوتهم على الأرض مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح، والثالثة هي وضع نظام لاستمرار التنسيق ماليا ولوجيستيا وعسكريا مع الحلفاء بعد إعلان الإنسحاب.
وخلال سنوات الوجود العسكري المباشر، قامت الإمارات بإعادة تسليح المقاومة الشعبية في الجنوب، بكل تياراتها من السلفيين إلى القوميين واليساريين، مع البدء في تجنيد وتدريب عناصر جديدة لتوسيع نطاق المقاومة. وعلى التوازي مع ذلك فإنها عززت وجودها العسكري المباشر بقوات من الحرس الرئاسي الذي يقوده الجنرال الأسترالي مايك هندمارش، والقوات الخاصة والبحرية، إضافة إلى القوات البرية، واستقدام متعاقدين من السودان وتشاد ونيجيريا، والاستعانة بشركات أمن خارجية مثل بلاك ووتر. كما لعب الطيران الإماراتي دورا حاسما في ضرب قوات الحوثيين، مستفيدا من خبرات المشاركة مع حلف الناتو في عمليات عسكرية أو تدريبات مشتركة في أماكن مثل البلقان وأفغانستان وليبيا وشرق المتوسط.
المشاركة العسكرية
وطبقا لبيان ألقاه نائب رئيس الأركان الإماراتي الفريق عيسى المزروعي الذي كان يتولى قيادة عمليات القوات المشتركة في اليمن، فإن القوات الإماراتية التي شاركت في حرب اليمن ضمت أكثر من 15 ألف جندي، وأكثر من 3 آلاف من جنود البحرية مع 50 سفينة حربية، وقام الطيران الإماراتي بأكثر من 130 ألف طلعة جوية بجميع أنواع الطائرات في أجواء مسرح العمليات. كما قامت الإمارات بتدريب ما يقرب من 90 ألف جندي انضموا غالبا إلى صفوف حلفائها. وفي خلال فترة مشاركتها في الحرب حتى إتمام الانسحاب رسميا في شباط/فبراير 2020 قدر نائب رئيس الأركان الخسارة البشرية بعدد 108 من الضحايا.
مصالح الإمارات بعد الانسحاب
على الرغم من انسحابها رسميا من الحرب، فإن هناك إجماعا بين المراقبين العسكريين على أن دور الإمارات في اليمن ما يزال مستمرا عسكريا ومدنيا. ويقول مراقبون محليون أن للإمارات حاليا عشرات الضباط والعسكريين يتركزون في قيادة الحزام الأمني في ميناء عدن، وفي معسكرات التدريب والقواعد العسكرية في جزيرة سقطرى ومدينتي المكلا وبلحاف على ساحل بحر العرب، وجزيرة ميون بالقرب من الساحل الغربي للبحر الأحمر، وعدد من مدن الساحل الغربي أهمها الصليف والمخا، حيث تلعب قوات طارق صالح دورا رئيسيا لحماية المصالح الإماراتية على الساحل الغربي، والمشاركة في عمليات التحالف لاستعادة ميناء الحديدة.
وعلى الصعيد المدني تقدم الإمارات مساعدات إنسانية لليمن تقدر بمئات الملايين من الدولارات. وقد بلغت قيمة هذه المساعدات 230 مليون دولار في العام الحالي، طبقا للالتزامات المعلنة في مؤتمر الأمم المتحدة للمانحين في أول اذار/مارس الماضي. وتمثل مؤسسة خليفة للمساعدات الإنسانية الذراع الرئيسي الذي تعتمد عليه الإمارات في التغلغل داخل المجتمع اليمني، خصوصا في عدن وسقطرى. وتقدم المؤسسة خدمات طبية وتعليمية وغذائية وسكنية للآلاف من اليمنيين الذين يعانون من أسوأ أزمة إنسانية في الوقت الحاضر.
قاعدة في سقطرى
تشهد الجزيرة التي ترقد في هدوء وتمر من حولها سفن التجارة والحرب في أخطر مناطق العالم تغيرات واسعة النطاق اقتصاديا وعسكريا. وقد زادت سرعة هذه التغيرات منذ العام الماضي، بعدما أعلنت الإمارات انسحابها. ففي النصف الأول من العام زاد التكدس العسكري في الجزيرة، سواء من حيث عدد القوات أو الأسلحة والخدمات اللوجستية، أو من حيث تغير الولاءات وظهور أطراف جديدة على مسرح العمليات أهمها إسرائيل. ومن أهم التغيرات التي وقعت خلال العام الماضي سيطرة قوات المجلس الانتقالي الذي يرأسه عيدروس الزبيدي على مساحة كبيرة من الجزيرة تمتد من معسكر (رأس مومي) في الشرق إلى قاعدة (قطينان) العسكرية في الغرب. وهي بذلك تشرف على طرق الملاحة المتجهة شمالا وجنوبا من المحيطين الأطلنطي والهندي وخليج عمان ومضيق هرمز وبحر العرب إلى مضيق باب المندب والبحر الأحمر. وكان من أهم التطورات العسكرية في سقطرى إعلان الكتيبة الثالثة باللواء الأول مشاة بحري في شباط/فبراير 2020 انشقاقها على قوات حكومة الشرعية، وإعلان ولاءها للمجلس الانتقالي برئاسة عيدروس الزبيدي، وهو ما سمح للمجلس الذي ما يزال يسيطر على عدن، بتوسيع نطاق نفوذه، وأن يفتح للإمارات بوابات سقطرى البحرية والجوية لرحلات تحمل الأسلحة والمدرعات والذخائر.
وقد سجلت التقارير الواردة من سقطرى عن طريق المسافرين والمراقبين أن وفدا إسرائيلا قام بزيارة الجزيرة في اب/أغسطس الماضي لاستطلاع المواقع التي يمكن استخدامها لاقامة أكبر قاعدة استخبارات ومراقبة في منطقة الربط بين البحار والمحيطات المفتوحة بين الشرق والغرب. وطبقا لتقارير فرنسية فإن إسرائيل تسعى منذ العام 2016 إلى بناء أكبر قاعدة مراقبة واستخبارات بحرية في هذه المنطقة. وقد ذكر شهود عيان وتقارير إعلامية محلية أن الإمارات مستمرة في إرسال سفن محملة بالأسلحة والذخائر، وتسيير رحلات جوية إلى سقطرى، تحمل وفودا أجنبية تعمل في سرية تامة في إقامة إنشاءات خرسانية حصينة، خصوصا في الأرخبيل الغربي. ويوجد بين هؤلاء الكثير من الخبراء والعاملين من أوكرانيا وجنسيات أوروبية مختلفة. ومن المعتقد أن الإنشاءات التي يجري العمل فيها تتم بالتنسيق بين الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل في إطار مواجهة تمدد النفوذ الصيني والروسي في المنطقة.
إن مشاركة الإمارات في التحالف السعودي عام 2015 ثم خروجها منه رسميا بعد ذلك بأربع سنوات، كان استجابة لتعزيز مقومات البقاء وطلب النفوذ إقليميا. وقد أصبحت الإمارات الآن في غنى عن التحالف مع السعودية، بعد أن ارتبطت بعلاقات أقوى مع إسرائيل، التي سوف تصبح القوة الرئيسية التي تحمي الإمارات من أي احتمال لتمدد دول في المنطقة يؤثر سلبا على الاتحاد الفيدرالي للإمارات السبع، ويوفر لها فرصة المشاركة في تحالف إقليمي يحظى بدعم الولايات المتحدة أكبر قوة عالمية في الوقت الحاضر. أما الأزمة في اليمن، فإنها ستنتظر حتى يتم إيجاد حل للصراع في المنطقة بين إيران من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى.
المصدر : القدس العربي |
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
انشر في تيليجرام |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
| |