|
|
|
صعدة برس - وكالات - *إميل أمين
لا يزال التساؤل الخاص بما جرى لحضارة المصريين القدماء، أو الحضارة الفرعونية، يشاغب عقول الباحثين والمفكرين، إذ كيف لمثل تلك العظمة على صعيد البشر والحجر، أن تختفي على هذا النحو المزعج، بعد أن ملأت الدنيا حضوراً.
اجتهد العلماء كثيراً ولا يزالون في محاولتهم تقديم أسباب ومبررات، وقد كان آخر تلك الأصوات مجموعة من العلماء الروس، الذين ذهبوا إلى أن سبب انتهاء الحضارة المصرية القديمة كان ثوراناً بركانياً أدى إلى تغيير المناخ العالمي، ما تسبب في انخفاض منسوب المياه في النيل.
ووفقاً للعلماء فإن الانفجارات الشمسية نتجت عنها جزئيات متناثرة في الهواء، أدت إلى عكس أشعة الشمس على الغلاف الجوي للأرض، مما أثّر في تغيير توزيع الحرارة والأمطار في جميع أنحاء الأرض، وبالرجوع إلى دفاتر التاريخ، نجد أنه بالفعل حدثت تلك الانفجارات عام 44 قبل الميلاد، أي في عهد الملكة كليوباترا.
لكن هل هذا هو بالفعل السبب الحقيقي لاندثار الحضارة الفرعونية، أم أن هناك دوراً آخر خفياً موصولاً بغياب علوم الفراعنة التي كانت السبب الرئيس في نشوء وارتقاء تلك الحضارة؟
من الأدوات التي كان يستخدمها المصريون القدماء (رويترز)
عن العلوم في مصر الفرعونية
يحتاج الحديث عن العلوم في مصر القديمة إلى مجلدات، وليس بضعة أسطر، ولعل مطالعة سريعة لبعض الموسوعات العالمية وفي المقدمة منها الموسوعة البريطانية، تعطينا فكرة ولو مختصرة عن إبداعات المصري القديم ومكتشفاته، بدءاً من الورق والحبر ومستحضرات التجميل وفرشاة الأسنان والمعجون، وصولا إلى الإبداع في البناء الهندسي، والطب وعالم الفلك والفن والأدب.
ولعل نظرة سريعة على الهرم الأكبر، الذي عجز علماء البشرية حتى الساعة عن فك شفرته تبين لنا كيف استطاع المصريون القدماء العمل على الضد من قوانين الفيزياء، ما يفيد بأنه كان لديهم نظرياتهم الخاصة في البناء، والتي بقيت سراً من أسرار حضارتهم غير المكتشفة بعد.
عن المصريين القدماء أخذ الفيلسوف “طاليس المالطي” (585 ق.م)، تقنيات الري والزراعة، وغالب الأمر أنه أعاد هذه الابتكارات إلى اليونان، واعتبرت مصر حتى بدايات عصر الاضمحلال في زمن البطالمة، سلة الخبز للإمبراطورية الرومانية.
أما عن الفلك فقد كان للمصري القديم قصة مثيرة وعجيبة مع النجوم، حتى إن هناك بعض الآراء العلمية التي تقول بأن الهرم الأكبر ليس إلا مرصد الفراعنة لمتابعة ما هو خارج الكرة الأرضية، وأن تصميمه قد تم بزوايا يمكن من خلالها مواكبة حركة النجوم.
كان علم الفلك على المستوى الروحي مهم للغاية عند الفراعنة، فقد رسخ لديهم توجه بأن أرض مصر ليست سوى انعكاس مثالي لأرض الآلهة والحياة الأخرى.
وقد برع المصري القديم في الربط بين حركة النجوم ومواقيت الزراعة، ومواسم الأمطار، ومواعيد الغرس، وصولاً إلى أوان الحصاد.
وعلى صعيد الطب تبقى الحقيقة الواضحة أن أبقراط الملقب بأبو الطب قد أخذ من طب البرديات الفرعونية، كما أن هوميروس الشاعر الملحمي الإغريقي الأسطوري، أشار في كتابه الشهير “الأوديسا”، إلى أن الناس في مصر موهوبون في الطب أكثر من غيرهم، وأن الطب لديهم كان متفوقاً على العلوم الأخرى.
أما هيرودوت أبو التاريخ، فيقول في كتاباته عن المصريين: “إنهم يعطون الطب بتعقل، فلم يكن مسموحاً لأحد أن يتدخل في غير ما تخصص له”.
ويبقى سر التحنيط من الأسرار الخفية عن ناظري العالم بشرقه وغربه، وقد عجزت العلوم والمخترعات الحديثة عن تفسير قدرة هؤلاء على الاحتفاظ بأجساد موتاهم، الأمر الموصول بفكرة الخلود في الحياة الأخرى، ما يعني أن العلوم كانت مرتبطة ارتباطاً جذرياً بالمنظومة الدينية في حياة المصري القديم وأعماله على الأرض، ورؤاه للحياة في العالم الآخر.
عن الحياة الدينية في مصر القديمة
من بين كتابات هيرودوت كذلك نجد إقراراً بأن المصريين كانوا أشد الناس تديناً، واعتقدوا دوماً بأن كل شيء في العالم ملك للآلهة، وأنهم منبع كل خير، وأن الآلهة على علم برغبات البشر الدنيوية، وفي استطاعتهم التدخل في أي وقت يشاؤون.
والثابت من الرجوع إلى معظم إن لم يكن كل الكتب التي خلفها الفراعنة، وبخاصة كتاب “الخروج إلى النور”، والمعروف بالاسم الخطأ “متن الموتى”، أن الدين لعب دوراً مهماً في حياة الإنسان المصري القديم، فلم تكن هناك قوة تسيطر على حياته كما يسيطر الدين.
كان الدين مساعد المصري القديم على فهم الظواهر المحيطة به، بل أكثر من ذلك فقد كان الأفق الديني مساراً للرغبة في المنفعة أو رهبة من المجهول والأخطار.
ولعل أبو الطب النفسي، سيجموند فرويد، قد أثار جدلاً كبيراً حين قال إن المصريين: “هم من اخترعوا الألوهية”، وقد رد عليه السندباد المصري، والمفكر الكبير الدكتور حسين فوزي بالقول، إن المصريين أعادوا اكتشاف أهمية الدين للنفس البشرية بعد بضعة آلاف من السنين من الحياة البعيدة عن التحضر والأقرب إلى الهمجية منها إلى نسق التعايش الإنساني، الذي قاد إلى بناء حضارة خلاقة على نحو الحضارة المصرية القديمة.
على أن فكرة الدين عند الفراعنة لم تكن ذات صبغة موحدة، ولم يتفق المصريون على إله واحد أو معبود قائم بذاته، ولهذا نرى تعددية في الآلهة، فهناك آمون وهناك آتون، وبينهما العشرات وربما المئات من المعبودات.
ولعل من أفضل ما ذكر في هذا الإطار هو أن المصري الفرعوني لم يرد أن يلجأ إلى سند يحميه بل أراد أن يوجد لنفسه معبوداً إذا ما فكر فيه سما بنفسه، فوق كل ما ينتاب الإنسان من اضطرابات مختلفة في حياته اليومية، فلقد دفعت الطبيعة البشرية الإنسان على أن يخلق لنفسه معبودات أعطى لها أشكالاً مختلفة، وحين بلغت هذه الديانة أوج المجد والقداسة وتغلغلت في نفوس المصريين القدماء، يبدو أن كهنة المعابد قد سيطروا عليها وجعلوها ملكاً لهم، وبهذا انقطع التواصل المباشر مع العوام، وبات لا بد من وساطة بين الآلهة وأفراد الشعب، ومن هنا يبدأ الحديث عن الوسيط الذي وضع يديه على علوم المصريين القدماء، الأمر الذي يمكن أن يكون سبباً في اندثار الحضارة الفرعونية لا انتشارها.
كهنة المعابد وعلوم تحوت إله الحكمة
ضمن كثير من المرويات عن الحضارة الفرعونية أن جذورها البعيدة جداً قد نشأت من عند تحوت إله الحكمة، ذاك الذي عرفه أتباع حضارة أطلانطيس الغارقة، الذين هبطوا على جبال أفريقيا ومن هناك زحفوا على وادي النيل واستزرعوه وقامت من ثم حضارة الفراعنة.
على أن المرويات شيء، والحقائق عن كهنة الفراعنة ودورهم في مصر القديمة شيء آخر، فقد كانوا المقدمة الضاربة للعلوم المصرية القديمة، وإن تخفوا وراء قيامهم بالطقوس الدينية، والوساطة بين السماء والأرض، بين الآلهة المعبودة والعباد من البشر.
على أن أحد أهم المهمات التي أنيطت بكهنة المعابد الفرعونية، هو الحفاظ على النصوص الدينية ومعرفة المخفيات، وقد كان كبير مقرئي المعبد هو المؤتمن على المخطوطات المقدسة وعلى نصوص الطقوس.
وقد برع الكهنة المصريون في مجالات كثيرة ومعارف مختلفة طوال العصور المصرية القديمة، والدليل على ذلك مقولة لأحد الطاعنين في السن في العصر المتأخر للمشرع ورجل القانون الأثيني الشهير، صولون: “إنكم يا معشر الإغريق ما زلتم أطفالاً، فليس في اليونان شيوخ”… فسأله صولون: “ماذا تقصد؟” فرد عليه الكاهن المصري: “إن مدارككم ما زالت شابة، وذلك لأنكم لا تملكون قديماً من التقاليد ومن المعارف التي شيبها الزمن”.
كان الحاكم هو من يعين الكهنة، لكنه ترك لهم مهمات العبادة، بمعنى القيام بالطقوس اللازمة لأداء الشعائر بحسب كل معبود في معبده، غير أن الجانب الخفي من دوره، تعلق دوماً بالحفاظ على معتقدات المصريين القدماء، وما وصل إليهم من أسلافهم، وكان من الطبيعي على شعب زراعي مثل الشعب المصري أن يتمسك بكل عقائده، ولكن الإبقاء عليها بكل ما تحويها من دقائق بسيطة مختلفة، لم يكن إلا نتيجة لتفقه أولئك الكهنة في عالم الكهنوت الفرعوني.
بيوت الحياة… معابد بدرجة جامعات علمية
في ورقة بحثية للأثري المصري محمود مندراوي، نقرأ عن العلاقة بين العلوم وكهنة المعابد الفرعونية، ويتوقف طويلاً أمام كهنة هليوبوليس الذين يعتبرون أعلم كهنة مصر.
كان كهنة الفراعنة هم أول من عرفوا تقسيم السنة الشمسية، وذلك لتنظيم الحياة الزراعية والمناسبات الدينية والأعياد، وقد اهتدوا لهذا التقسيم بسبب تأملهم في النجوم.
على أن ما يطلق عليه مندراوي “العلم الكهنوتي”، فأمره موصول بالبحث في الكتابات القديمة والاعتقاد في قوة نفوذ الأصوات والتخصص المندرج في الكتابة الهيروغليفية بغرض الاستعمال الديني ثم البحث في هذه الكتابة عن طرق متعددة للتعبير.
ولعل أحدث الدراسات في علوم المصريات تخبرنا بأن مصر القديمة قد عرفت المعاهد التعليمية المتعددة الوظائف، والدراسة صادرة عن مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، وقد كان يطلق على تلك المعاهد اسم “بيت الحياة”، وهي تشبه الجامعة اليوم.
فقد كان من مهام الكهنة بالإضافة إلى قيامهم بطقوسهم الدينية، ومباشرة مهامهم الكهنوتية، الاهتمام الفائق بالمعرفة ورعاية العلم الإلهي المقدس.
في بيوت الحياة التي عملت بمثابة مكتبات للمعابد، كان للمرء أن يرى عمليات حفظ وتدوين كل العلوم، فقد كان الكهنة الكتبة المتخصصون يطورون علومهم في هذه الحقول، فعلوم الكهانة والطقوس كانت لها الحصة الكبرى، وقد كان للكهنة ولع خاص بتدوين كل ما يحصل سنوياً، ما يساعد في شؤون العرافة والفأل.
وطبقاً لدراسة مركز الأقصر، فإنه في تلك المعابد جرى نسخ آلاف كتب الموتى، التي كانت من الضروريات التي يحتاجها المتوفى في رحلته إلى العالم الآخر، حسب معتقدات المصريين القدماء.
والشاهد أنه داخل تلك المعابد، وبيوت الحياة، جرى تدوين وتخزين كل علوم الحضارات السابقة، وقد دونوا الكثير والكثير من المعلومات التي تخص جغرافية مصر، بل والكون كله، وقد شملت العلوم التي تم تخزينها في تلك البيوت شروحات لعلم الفلك والهندسة، ونصوصاً لعلوم التنجيم، وكذلك علوم الهندسة وفن العمارة.
أما العلوم الطبية فقد كانت من أهم العلوم المقدسة وقد شملت التحنيط واختلطت بالسحر القديم وفنون الجراحة وتطورت علوم الحيوانات وظهرت مدونات كثيرة لتفسير الأحلام والسحر والعقاقير… فهل يعني ما تقدم شيئاً بعينه؟
باختصار غير مخل، كانت المعابد الفرعونية بمثابة جامعات عالمية، وأن الكهنة كانوا بمثابة علماء ماديين وروحانيين في ذات الوقت، والشق الأخير يفتح الباب للنقاش حول ما بات يعرف بلعنة الفراعنة أو السحر الأسود.
مومياوات فرعونية (اندبندنت عربية)
لعنة الفراعنة بين الحقيقة والخيال
يندر أن لا يسمع المرء حديثاً عن قصة لعنة الفراعنة إذا جاء ذكر المصري القديم، والحكايا عديدة بعضها معروف ومنشور، مثل حادثة وفاة هوارد كارتر مكتشف مقبرة توت عنخ أمون، الذي أودت به لدغة ناموسة.
وهناك حادثة أكثر شهرة، وإن شاء المرء فليقل أكثر كارثية، وهي حادثة السفينة تيتانيك، ويروج أن مومياء وضعت عليها لنقلها إلى الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن تسببت في كوارث متلاحقة في بريطانيا، وأشعلت حرائق في أكثر من موقع أو موضع وضعت فيه.
ولعل أقرب مثار للحديث عن لعنة الفراعنة، ما حدث في مصر منذ نحو شهرين، وعلى هامش نقل مومياوات ملكية من المتحف المصري الكائن في ميدان التحرير بوسط القاهرة، إلى متحف المومياوات الملكية بمنطقة الفسطاط، وما أعقب ذلك من سلسلة من حوادث القطارات والحرائق، وقد ربط البعض بينها وبين تغيير مكان تلك المومياوات.
على أنه وعلى الرغم من نفي فكرة لعنة الفراعنة فإن هذا لا ينفي أن هناك مساحة غموض عريضة حول عدد من البرديات والنصوص المصرية القديمة، التي أفادت بأن الموت سيصيب كل من يزعج الفرعون النائم بالمقبرة، وهي نصوص تحذيرية قد تكون مستقبلية.
في هذا الإطار كان تصريح الدكتور خالد سعد الخبير السياحي والأثري المصري، الذي أشار إلى أنه من غير المستبعد دراية المصري القديم بعلوم سرية كعلم السحر.
والثابت أن المصري القديم كان بارعاً جداً في عدد من العلوم، وهناك حديث عن توصله لما يمكن أن نسميه مجازاً الآن “تسمم الأجواء”، وهو المنهج الذي جرى اتباعه في كل مراسم الدفن التي حدثت في التاريخ القديم، وذلك عبر الاستعانة بمادة “الزرنيخ”، ومع إغلاق المقبرة تعلق في الهواء لفترة طويلة جداً، وحال جرى فتح المكان بطريقة غير علمية يصاب الشخص بوباء أو تسمم بالدم أو تقرحات بالجلد، وفي كل الأحوال يبقى التساؤل هل عرف المصريون طريق السحر الأسود أم أنهم برعوا في عالم السحر الأبيض أو السحر العلمي؟
عوالم السحر وتقاطعاتها مع علوم الفراعنة
عزا الإنسان الأول الكثير من الظواهر غير المفهومة أو المبررة إلى الغيب، وربط ذلك بالسحر، لا سيما في مجال الطب والطبابة، فقد اعتقد المصري القديم أن المرض هو عبارة عن أرواح شريرة تسكن الجسد، وأن الشفاء لا بد أن يتم من خلال طردها.
برع المصري القديم في علوم الخيمياء، وهو ما تحدث عنه العالم الإنجليزي نيوتن بشكل خاص في أوراق تم اكتشافها حديثاً، فعلى سبيل المثال عرف الفراعنة مادة البنج، المستخدمة في التخدير، وكانوا يحضرونه من خلال سحق حجر الرخام ومزجه بالخل، كما يبين لنا الأستاذ مندراوي في بحثه السابق الإشارة إليه.
تالياً وفي العصور الحديثة أثبتت العلوم الكيميائية فعل هذا المخدر، حيث إن الرخام مركب من كربونات الكالسيوم الذي يتأثر بحمض الخليك الموجود في الخل ويكون حمض الكربونيك، فكانوا يستفيدون من تأثير حمض الكربونيك الناتج من التفاعل الكيميائي أثناء صعوده في إحداث التخدير الموضعي.
والثابت أنه لا يمكن القطع بما إذا كان للمصريين القدماء علاقة بعالم السحر الأسود، واتصال الفراعنة بالقوى الروحية في العالم الآخر، فقد اختلطت الحقائق مع الأساطير عبر بضعة آلاف من السنين.
غير أنه من المؤكد أن الفراعنة قد برعوا فيما يمكن أن نطلق عليه السحر الأبيض، أي السحر القائم على مرتكزات علمية لم يقدر لأحد حتى الساعة اكتشافها، منها على سبيل المثال الطريقة التي تم بها لصق أحجار الهرم الأكبر من غير مادة لاصقة، وهل تم تفريغ تلك الأحجار التي يزن بعضها طنين من خلال عمليات فيزيائية معقدة لم تعرفها العلوم الحديثة بعد ولم تكتشفها علوم الطبيعة حتى الآن؟
الحقيقة المؤكدة أن جدران معابد الفراعنة، ومنها ما هو باقٍ حتى الآن، سجلت عليها مخترعات القرن العشرين، كالطائرات الحوامة مثلاً، كما أن طرق بناء المعابد الهائلة في مدينة الأقصر تبين كيف استطاع المصريون القدماء تسخير الطبيعة بوسائل وطرق آلية وميكانيكية ونظريات علمية فيزيائية وكيميائية لصالح الإنسان والبشرية، وقد أطلقوا على هذا النوع من السحر العلمي الطلسمات والسيمياء، ولهذا غالباً ما أطلق على الكاهن الفرعوني لفظة الساحر، كما في الرواية القرآنية عن سحرة فرعون أو علمائه بحسب الروايات الدينية، ومنها أيضاً التوراة.
أين اختفى كل ذلك العلم الفرعوني؟
في حوار مع الفيلسوف المصري الراحل الدكتور زكي نجيب محمود، ضرب مقاربة بين الحضارة اليونانية وسابقتها الفرعونية.
وعنده أنه على الرغم من أن الحضارة الفرعونية غذت الفلسفة اليونانية، فإن هذه الفلسفة استطاعت أن تعيش إلى اليوم، بينما اندثرت أو توقف تأثير الحضارة الفرعونية ودخلت المتاحف… فما السر وراء ذلك؟
بحسب الفيلسوف الراحل، فإن العلم في الحضارة الفرعونية نشأ خادماً للعقيدة الدينية، فالأهرامات على سبيل المثال على عظمتها ليست سوى مقابر يوضع فيها جثمان فرعون انتظاراً لعودة الروح، والتحنيط كذلك على عظمته لم يكن إلا حفظاً للجسم بحيث يكون مهيئاً لاستقبال الروح مرة أخرى، وليس في فكر اليونان آثار دينية.
هل كانت علوم المصريين القدماء إذن وقفاً على الكهنة في المعابد وما ألحق بها من بيوت الحياة، ومع اضمحلال الدولة القوية والأسر التي أرست دعائم تلك الحضارات ذابت تلك العلوم والتي كانت حكراً على الكهنة – العلماء، وبعيدة عن متناول أيدي العوام؟
المثير في البحث عن الجواب أن الكثير من المعلومات عن الحياة السياسية، والمعارك العسكرية، بل والأنساق الحياتية اليومية عند المصريين القدماء، قد تم تسجيلها على جدران المعابد، لكن الكثير من العلوم لم يتم الإشارة إليها بالمرة، فهل كانت علوماً شفاهية تم تسليمها من جيل إلى جيل وبقصد عدم كتابتها حتى لا تسرقها حضارات أخرى، أو أن تبقى خاصة بالملوك وكبار الكهنة؟
الأكثر إثارة هو أن الحضارة الفرعونية لم تندثر مرة واحدة، وإنما جرى الأمر عبر فترات زمنية طويلة، فكيف لم يتم تسريب أي من أخبار علوم الأولين الإ إذا كان الإخفاء تم على سبيل العمد والقصد؟
وفي الخلاصة، يمكن القول إن هناك حلقات عديدة مفقودة في تاريخ الحضارة المصرية القديمة، ويوماً تلو الآخر تثبت الاكتشافات الحديثة أن الثرى المصري يحمل الكثير جداً من أسرار الفراعنة، وعلومهم.
ويبقى التأكيد أن موقعاً وموضعاً بعينه، كان له أن يميط اللثام عن الكثير من علوم تلك الحضارة، هو مكتبة الإسكندرية، تلك التي لا يزال سر حرقها قائماً، ومعها ضاع سر أسرار مصر القديمة وعلومها وفنونها ورجالاتها، عبر لفائف ومخطوطات كتب عنها الإغريق الذين زاروا مصر قبل بضعة آلاف من السنين، ولو بقيت إلى يومنا هذا لكنا قادرين على إيجاد جواب يخص علوم الفراعنة وأين اختفت ولماذا لم تصل إلى أيادينا حتى الساعة.
المصدر: ذي اندبندنت |
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
انشر في تيليجرام |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
| |