صعدة برس - وكالات - في نهاية الحرب الباردة، كانت هناك ثورات كبرى بمجال التكنولوجيا المستخدمة في العمليات القتالية الجوية. وأكثر تلك الثورات وضوحاً كانت تكنولوجيا التخفي، مع قاذفات القنابل الشهيرة F-117 وB-2 ومقاتلات الشبح F-22. لكن كانت هناك ثورةٌ أخرى في الطريق، ولها تداعياتها الكبرى على القوات الجوية الأمريكية وغير الأمريكية. إذ بدأت الصواريخ الموجهة النشطة بالرادار (جو-جو) تحل محل صواريخ التوجيه شبه النشط بالرادار (جو-جو)، لتصير بذلك الوسيطَ الأساسي والصواريخ بعيدة المدى الرئيسية في تسليح كافة المقاتلات.
ولكن كيف حدثت تلك الثورة تحديداً؟ ولماذا مثّلت الثمانينيات نقطة تحولٍ كبرى؟ وما مستقبل صواريخ التوجيه النشط بالرادار؟
ما آلية عمل الصواريخ الموجهة؟
تقول مجلة The National Interest الأمريكية في تقرير لها حول تكنولوجيا الصواريخ الموجّهة، إن صاروخ التوجيه النشط بالرادار يختلف عن صواريخ التوجيه شبه النشط بالرادار، في فكرة أنّ نظام توجيه الصاروخ يحتوي على جهاز إرسال رادار خاص به مع جهاز الاستقبال. بينما تمتلك صواريخ التوجيه شبه النشط بالرادار جهاز استقبالٍ فقط، وتتطلّب من الطائرة التي أطلقت الصاروخ أن تستخدم رادارها الخاص لـ”تحديد” طائرة العدو التي سيضربها الصاروخ.
وتُثقل هذه العملية كاهل التوجيه شبه النشط بالرادار، حيث يتعيّن على الطائرة التي أطلقت الصاروخ توفير إشارة الرادار، لذا فيجب أن يظل رادار الطائرة موجهاً صوب طائرة العدو. كما أنّ نطاق حركة الرادار محدودٌ في عمليات البحث، لذا تضطر الطائرات إلى مواصلة التحليق في اتجاه طائرة العدو حتى يضربها صاروخ التوجيه شبه النشط.
وهذا يعني أيضاً أنه في حال تعرض طائرة للتدمير، أو اضطرارها إلى المناورة بسبب صاروخ أو طائرة أخرى، فهذا يعني أن الصاروخ سوف ينقطع اتصاله ويضل طريقه. كما أنّ مدى صواريخ التوجيه شبه النشط بالرادار قد يكون محدوداً بحسب مدى الطائرة التي أطلقته: فإذا كان الرادار أضعف من اللازم أو كانت طائرة العدو أبعد من اللازم؛ فربما يعجز نظام التوجيه في صاروخ التوجيه شبه النشط بالرادار عن تحديد هدفه الأوّلي قبل الإطلاق.
ثورة الصواريخ الموجهة.. تكتيكات جديدة
تعمل صواريخ التوجيه النشط بالرادار على حل كافة هذه المشكلات تقريباً. إذ تتمتع الطائرة بحرية المناورة بعد إطلاق الصاروخ على طائرة العدو، حيث يظل الصاروخ مُحلقاً حتى يصطدم بهدفه، حيث يُشغّل جهاز توجيهه ويتقدّم باتجاه الهدف بمفرده. كما يُمكن إطلاق الصواريخ من هذا النوع مع أمرٍ بالاصطدام بأول رادار يقابله في الطريق. وتسمح هذه التكتيكات للطيارين بإطلاق النار بكل فاعلية، مما يسمح للطائرة التي تحلّق بالسرعة الكافية أن تتجنّب الاشتباك تماماً بعد إطلاق صواريخها.
وكان أول صاروخ فعال يعمل بنظام التوجيه النشط بالرادار هو فينيكس AIM-54. واحتاج هذا النوع من الصواريخ إلى التوجيه النشط بالرادار لاعتباره صاروخ جو-جو بعيد المدى (إذ يتجاوز مداه 190 كم). واستهدفت صواريخ AIM-54 هزيمة سرب قاذفات القنابل السوفييتية قبل أن يتمكن من إطلاق صواريخه الجوالة المضادة لسفن البحرية الأمريكية.
وكانت تلك الصواريخ مناسبةً تماماً لنظام التوجيه النشط بالرادار، حيث إنها تتمتّع بقُطرٍ كبير يتسع لمحرك الصاروخ الضخم واللازم من أجل المدى البعيد، إلى جانب الرأس الحربي الهائل المطلوب لتدمير قاذفات القنابل السوفييتية.
حقبة الثمانينيات.. نقطة التحول الفارقة لتكنولوجيا الصواريخ الموجهة
ومع ذلك، لم تتمكن صواريخ AIM-54 من تنفيذ دورها المناسب في العمليات القتالية، بسبب استمرار الحرب الباردة. ولم يُطلق منها سوى عدد قليل خلال عملية المراقبة الجنوبية في العراق، لكنها أخطأت أهدافها، بسبب قدم عمرها واستخدامها ضد مقاتلات تكتيكية بدلاً من قاذفات القنابل التي صُنِعَت من أجلها في الأساس.
كما تم تقديم صواريخ AIM-54 مع مقاتلات F-14A إلى إيران قبل اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979. وتشير شهادات استخدام الإيرانيين للمقاتلات إلى أنّ الصواريخ كانت فعالةً للغاية في إسقاط قاذفات القنابل العراقية وبعض المقاتلات من مسافات قريبة.
ورغم نجاح الصواريخ المذكورة، فإنها تظل من الصواريخ الضخمة الثقيلة، والمصممة لتستخدم ضد أهدافٍ قليلة المناورة نسبياً. ومع ذلك، فقد ظهر أول صاروخ ناجح يعمل بالتوجيه النشط بالرادار بعد 15 عاماً تقريباً مع صواريخ أمرام AIM-120.
إذ كانت صواريخ AIM-120 نسخةً معدلة أحدث وأفضل أداءً. فمع تقدم تكنولوجيا الإلكترونيات، صار من الممكن تركيب نظام التوجيه النشط بالرادار داخل الصواريخ الأصغر حجماً. ورغم تقدم الإلكترونيات الجديدة، فقد واجه تطوير هذا النوع من الصواريخ المتقدمة عدة مشكلات طويلة الأمد: إذ دخل الصاروخ مرحلة ما قبل الإنتاج عام 1984، ثم بدأ إنتاجه بمعدلات منخفضة عام 1988، قبل أن يصل إلى قدرته التشغيلية الأولية عام 1991.
كما تم استخدام جهاز توجيه الصاروخ المدمج في الصواريخ الأرضية والبحرية، التي استفادت من التوجيه الدقيق لجهاز التوجيه النشط بالرادار.
ما آخر التحديثات على تكنولوجيا الصواريخ الجوية الموجهة؟
شملت آخر التحديثات على الصاروخ منحه قدرات معززة لربط البيانات، مما يسمح للطائرة بإرسال مزيد من البيانات إلى جهاز التوجيه، ويسمح لجهاز التوجيه بنقل ما يراه إلى منصة الإطلاق. كما شهدت أجهزة الرادار على متن صواريخ التوجيه النشط بالرادار بعض التحديثات، لتكون أسرع وأقوى في رصد أهدافها.
أما الابتكار الآخر الذي قد يجعل صواريخ التوجيه النشط بالرادار أكثر فتكاً، فهو استخدام المحركات النفاثة التضاغطية لتوفير قوة دفع مستمرة للصاروخ أثناء رحلته.
ومن أهم مزايا التوجيه النشط بالرادار هو أن إقفال الصاروخ على الهدف يزداد دقةً مع اقترابه من الهدف. وعلى العكس، فإن الصواريخ ذات المحركات التقليدية تستهلك آخر ما تبقى من طاقتها في أثناء المناورة وهي على مقربةٍ من الهدف. لذا فإن الجمع بين المحركات النفاثة التضاغطية والتوجيه النشط بالرادار سيكون شديد الفتك، لأنّه يستفيد بأفضل مزايا كل تقنية.
عربي بوست |