صعدة برس - وكالات - *عبدالباري عطوان
وصول ناقلة نفط إيرانيّة إلى مرفأ بانياس السوري مُحَمَّلةً بمادة المازوت، وبدء عمليّة تفريغها ونقل حُمولتها إلى لبنان عبر صهاريج جرى حشدها لهذا الغرض يُشَكِّلُ هزيمةً كُبرى للولايات المتحدة وإسرائيل وحُلفائهما في لبنان، وانكِسار الحِصار المفروض من قبلهم على البُلدان الثّلاث واجهة محور المُقاومة.
هيبة أمريكا وصلت إلى حضيض الحضيض على الأرض اللبنانيّة، وسفيرتها دوروثي شيا المُتغطرسة التي اعتقدت بأنّها الحاكِم الفِعلي للبنان، تُعِزُّ من تشاء وتُذِلِّ من تشاء، رفعت راية الاستِسلام مُكرَهةً، وتوارت عن الأنظار بعد إعلان السيّد حسن نصر الله في خطابٍ مُتلفز مساء أمس الاثنين أنّ الناقلة وصلت، وسيتم تفريغ حُمولتها وتوزيع “مازوتها” يوم الخميس المُقبل “هديّة” للجِهات الأكثر احتِياجًا مِثل المُستشفيات ودور العجزة وذوي الاحتِياجات الخاصّة، وملاجئ الأيتام، وابتسامة النّصر مَرسومةٌ على مُحيّاه.
***
القيادة الحكيمة، والقويّة، والشّجاعة، هي القادرة على اتّخاذ القرار وتنفيذه، وفق حسابات دقيقة، وهذا ما فعله السيّد نصر الله بتأكيده للمرّة الألف إنّه يقول ويفعل، ويُقَدِّم الاعتبارات الإنسانيّة للشعب اللبناني على جميع الاعتِبارات الأُخرى، فعندما يجوع هذا الشعب، وتتوقّف أفرانه ومخابزه عن العمل، وتُغلِق مُستشفياته أو مُعظمها أبوابها أمام المرضى لغِياب المازوت، وتضع الصيدليّات لافتة على بابها تقول لا دواء لدينا، بسبب الحِصار، لا يَجِد، أيّ الشعب اللبناني، من يتحرّك بسُرعةٍ لإنقاذه، ووقف مُعاناته، غير السيّد نصر الله وحزب الله، أمّا الآخرون فيديرون وجههم إلى النّاحية الأُخرى، ويتلذّذون بمُعاناة هذا الشعب انتِظارًا لانفِجار الحرب الأهليّة التي يُخَطِّطون لتفجيرها بأمْرِ أسيادهم.
إنّه انتِصارٌ ثُلاثيّ الأضلاع وعظيمٌ على أمريكا وقيادتها وسفيرتها وعُقوباتها، انتصارُ ثلاث دول تعيش تحت هذه العُقوبات، إيران التي انطلقت منها النّاقلات مُحَمَّلةً بالمازوت “المُبارك”، وسورية التي تحدّت قانون قيصر، وفتحت موانئها على مِصراعيها لاستِقبالها، والسيّد نصر الله الذي تعهّد بحِمايتها من أيّ عُدوان أمريكي إسرائيلي، عندما قال إنّها ستكون لبنانيّة مُنذ الدّقيقة الأُولى من تحرّكها، وسيُدافِع عن السّيادة اللبنانيّة بكُلّ الطّرق والوسائل (الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة)، وقد أعذر من أنذر.
هذه السّفينة المُحمّلة بالمازوت الإيراني، والمحميّة بصواريخ محور المُقاومة، والمنقولة بصهاريجه، إلى المُحاصَرين المُجوّعين في لبنان، هي البداية، والمُقدّمة، لسُفنٍ أُخرى وناقلاتٍ أُخرى، وهزائم أُخرى لمحور الغطرسة الأمريكي الذي نكّس راياته، وبحث هلعًا عن البدائل (الغاز المِصري والكهرباء الأردنيّة) في الوقت الضّائع، وبعد أن تحرّكت النّاقلات “مَزْهُوَّةً” بحُمولتها من المازوت “الحلال” المغموس بالعزّة والكرامة وبرَكات سيّد المُقاومة، مدعومًا بدُعاء المُؤمنين الصّابرين.
مُنذ اللّحظة التي أعلن فيها رئيس الوزراء المُكَلَّف نجيب ميقاتي ترحيبه بوصول هذه النّاقلات، وسأل المُعارضين المُزايدين حُلفاء أمريكا عن بدائلهم، بَدَلًا من لعن الظّلام، أدركنا أمرين رئيسيّين، أنّ الحُكومة اللبنانيّة ستتشكّل فور وصول النّاقلات، وستفوز بالثّقة في البرلمان، وأنّ البِلاد ستنطلق على طريق التّعافي الطّويل، حتمًا، والبداية “ناقلة” و”صهريج”.
السيّد نصر الله ليس خبيرًا بالمحروقات ولا حزبه أيضًا، ولا يفهم باقتصاديّاتها وإمداداتها لأنّ اختِصاصه هو الوقوف في خندق مُقاومة الاحتِلال والمشاريع التّآمريّة الأمريكيّة، ولكنّه، والأهم من كُلّ ذلك، إنسان قبل أن يكون قائدًا، ينحاز إلى مُعاناة شعبه اللبناني، كُلّ الشعب اللبناني، ويترفّع عن كُلّ الاعتِبارات والأمراض الطائفيّة البغيضة، ويُؤكِّد أنّ هذا المازوت لكُلّ اللبنانيين، وسيكون مجَّانًا للفُقراء والمُعدَمين ومُؤسّساتهم، وسيُباع بسِعرٍ أقل من سِعر التّكلفة للآخرين، وسيتحمّل الحزب الخسائر، وعلى رأسهم طبقة المُترَفين، الذين نهبوا ثروات البِلاد، وأيّدوا شُروط صندوق النقد الدولي برفع الدّعم عن السّلع الأساسيّة، لزيادة مُعاناة الفُقراء والمُعدَمين وهُم الغالبيّة السّاحقة في لبنان.
إنّ جلب المحروقات إلى الشعب اللبناني الصّابر المُقاوم الشّهم، وكسر الحِصار، ورفع سيف التّجويع والتّركيع المُسَلَّط على رقبته، هو أحد أرفع أشكال الجِهاد والمُقاومة، ومعادن الرّجال لا تظهر إلا في الأوقات الصّعبة.
***
العدوّ الأمريكي وذيله الإسرائيلي، لا يفهمان إلا لغة القوّة، ولهذا ينتصر محور المُقاومة ورجاله في فِلسطين، ولبنان، وسورية، واليمن، والعِراق، وإيران، ولو كان هذا العدوّ يعرف أنّ الوعد بحِماية النّاقلات مُجَرَّد تهديد أجوف، مِثل تهديدات الدّول التي تَقِف في خندقه، وتستظلّ بحِمايته، لاعتَرض هذه النّاقلة في عرض البحر، ومنع وصولها إلى مرفأ الكرامة في بانياس.
هنيئًا للشعب اللبناني الكريم الأصيل بعودة الكهرباء إليه، وإلى مُولِّدات مُستشفياته، ومحطّاته الرئيسيّة وأفران مخابزه، والشُّكر كُلّ الشُّكر للرّجال الرّجال الذين إذا قالوا فعلوا، وراهَنوا، ويُراهِنون، على حُلفاء في المنبع والمصَب، يُلَبُّون النّداء فورًا، دون خوفٍ أو تأخير، وأخيرًا نتمنّى للسّفيرة الأمريكيّة دوروثي شيا الشّفاء العاجِل من آثار الصّدمة التي تعيشها حاليًّا، ويُمكِن أن تتفاقم مع عودة النّور إلى شوارع بيروت ووصول أوّل صهريج رافِع الرّأس عاليًا.
* المصدر : رأي اليوم |