|
|
|
صعدة برس - وكالات - تحذير شديد اللهجة من الكيان الأممي المختص بالتخطيط لعالم لا يعرف الجوع، وهو برنامج الأغذية العالمي: “نحن نتحدث عن كارثة تأتينا على رأس كارثة سابقة، فقد انتقلت أوكرانيا من سلة خبز العالم إلى طوابير الخبز، لم نكن لنتخيل أن أي شيء كهذا سيكون ممكناً”.
هكذا مثلاً تحدث ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو يزف للعالم المتحضر أن الحرب في أوكرانيا تهدِّد بتدمير جهود البرنامج لتوفير الغذاء لحوالي 125 مليون شخص على مستوى العالم.
دول مثل مصر ولبنان تعتمد بأكثر من 80% على الحبوب الأوكرانية، وتأثير الحرب على الزراعة ليس مجرد الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية، بل في صعوبة العثور على بدائل.
ودولة مثل اليمن شهدت انخفاضاً في الحصص الغذائية بمقدار النصف وربما إلى الصفر.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، ظلت معدلات الجوع في العالم تتفاقم، ومع الغزو الروسي يواجه العالم الآن خطر مجاعة وشيكة وجوع في المزيد من المناطق.
بعبارة أخرى: على مدى السنوات الثلاث الماضية، ظلت معدلات الجوع والمجاعة في ارتفاع. ومع الغزو الروسي، أصبحنا نواجه الآن خطر مجاعة وشيكة وجوع في المزيد من الأماكن حول العالم، كما قال مايكل فخري مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء.
كان عدد الأشخاص الذين يواجهون مجاعة محتملة في جميع أنحاء العالم قد ارتفع بالفعل من 80 مليوناً إلى 276 مليوناً في أربع سنوات قبل الغزو الروسي، بسبب “عاصفة كاملة” من الصراعات، والتغير المناخي، وفيروس كورونا.
“الملايين تقترب الآن من الموت جوعاً، مما يهدد بزيادة الهجرة وعدم الاستقرار على مستوى العالم”، كما ورد بالنص في بيان برنامج الأمم المتحدة للغذاء.
في هذا التقرير نستعرض ملامح الأزمة الغذائية الوشيكة عبر قسمين، الأول عن مؤشرات الأزمة في السنوات السابقة للحرب في أوكرانيا..
والثاني عن النتائج المباشرة للحرب على أسواق الغذاء، وحقيقة المجاعات التي تحذر منها الأمم المتحدة في عدة مناطق في العالم، مع التركيز على أبرز المتضررين بين الشعوب العربية.
* اليوم: عالم على حافة المجاعة
المسؤولون في أوكسفام Oxfam، المؤسسة الخيرية التي تتخذ من نيروبي مقراً لها، قالوا: “إن الوضع يتجه بطرق عديدة نحو الكارثة، وبدون مساعدة كبيرة وفورية، سيزداد سوءاً. لا يوجد نداء إيقاظ أفضل من اللحظة الحالية، مع الارتفاع الحاد لأسعار المواد الغذائية، والجوع الشديد، للتحدث بجديّة وإعادة التفكير في أنظمة الغذاء العالمية”.
الخلاصة: المزيد من الناس في جميع أنحاء العالم أصبحوا معرّضين لخطر المجاعة.
الوضع سيكون شديد الفداحة وكأنه “الجحيم على الأرض”، كما قالها رئيس برنامج الأغذية العالمي ديفيد بيسلي.
كان العالم يتجه صوب هذه الأزمة، لكن حرب روسيا على أوكرانيا جعلت الكارثة على مرمى حجر.
الصراع بين بلدين ينتجان معاً ثلث إنتاج القمح في العالم، قفز بأسعار الحبوب العالمية بنسبة 21% في غضون 10 أيام فقط حتّى بداية مارس/آذار 2022.
ازدادت أسعار القمح بنسبة 70% في شهر واحد، ويعتقد الخبراء أن الوضع مرشح للأسوأ.
بعض المزارعين في أوكرانيا تخلّوا عن حقولهم من أجل حمل السلاح في مواجهة الغزو الروسي.
مزارع البلاد لا تجد الوقود بعد تحويل الإمدادات إلى الجيش. بدون هذا الوقود لن يتمكن المزارعون الأوكرانيون من الزراعة أو الحصاد لهذا الموسم على الأقل.
وتسببت الحرب في قطع خطوط الإمداد التي تستخدم عادة لتصدير المنتجات الزراعية.
قلصت روسيا صادراتها من القمح والذرة، وقال وزير الزراعة الأوكراني إن محصولها الربيعي قد لا يتجاوز نصف ما كانت تتوقعه البلاد قبل الحرب.
وأوقفت أوكرانيا تصدير اللحوم، والماشية، والملح، والسكر، والحنطة السوداء، والشوفان، وغيرها من الحبوب.
وقال الخبراء إنه لا يمكن إيجاد بديل عن القمح الروسي والأوكراني بسهولة.
وأكدت الأمم المتحدة أن المخزونات صغيرة في الولايات المتحدة وكندا، بينما تحد الأرجنتين من الصادرات، وأستراليا تعمل بكامل طاقتها الشحنية.
لم تكن حرب أوكرانيا هي ضربة البداية للمجاعة العالمية المحتملة، بل هناك أسباب قديمة وأخرى جديدة.
* الطقس الرديء والجفاف وأسعار الأسمدة
الطقس الرديء الذي يشهده العالم غير مسبوق تاريخياً.
واجهت 35 ولاية أمريكية حالة جفاف في نهاية الشتاء، ولا تزال الظروف الجافة الشديدة أو القاسية قائمة من ساحل المحيط الهادئ في الغرب إلى أقصى لويزيانا وأركانساس في الشرق.
ثم ارتفعت أسعار الأسمدة.
روسيا هي أكبر مُصدِّر للأسمدة في العالم، حيث توفر حوالي 15% من الإمدادات العالمية. هذا الشهر، وبينما كان المزارعون في جميع أنحاء العالم يستعدون للزراعة، طلبت روسيا من منتجي الأسمدة لديها وقف الصادرات. وقد جعلت العقوبات بالفعل مثل هذه المعاملات صعبة.
وقبل الحرب ارتفعت أسعار الأسمدة النيتروجينية أربعة أضعاف، بينما ارتفعت أسعار الفوسفات والبوتاس أكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2020.
* تأثير الوباء على سلاسل إمداد الغذاء العالمية
كشفت الجائحة عن نقاط ضعف خطيرة في نظام الغذاء العالمي.
وفقاً لدراسة أجراها البنك الدولي، انخفض عرض الصادرات العالمية من الغذاء بنسبة 12.7% بسبب كوفيد-19.
وهكذا ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع الحاد بسبب الصراعات وعدم الاستقرار بنسبة 20% عن العام السابق ليصل إلى 88 مليوناً، بنهاية عام 2020، بحسب منظمة الأمم المتحدة.
ولا يتوقع كبار مسؤولي المنظمة أن يتحسن الوضع هذا العام نظراً إلى مواصلة أزمة ندرة الغذاء الناجمة عن الصراعات فضلاً عن معايير سوق السلع الأساسية غير المواتية.
وغداً: 276 مليون إنسان في قبضة المجاعة
بعد ساعات قليلة من حرب أوكرانيا أدرك الجميع ما يعنيه الصراع الجديد في أوروبا.
والمخاطر التي تحيط بالاقتصاد العالمي المهدد بتبعات الأزمة.
وصدمة الأسعار التي قد تسبب مجاعةً وانهيارات في العالم بأسرِه.
أدرك الجميع مدى اعتماد العالم على روسيا وأوكرانيا في القمح وعدد كبير من السلع الغذائية الأخرى.
أسوأ ما في هذه الحرب أنها نشبت في زمن جائحة كورونا التي أثخنت جسد العالم واقتصاده جراحاً وأزمات.
وأخطر تبعاتها أن هناك حوالى 276 مليون شخص في جميع أنحاء العالم في خضم أزمة جوع، منهم 44 مليوناً على بعد خطوة واحدة من المجاعة. إذا لم نتمكن من مساعدتهم فسوف يموتون، كما يقول عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الغذاء العالمي.
يضيف: الأمر بهذه البساطة!
هناك بلدان سوف تعاني أزمات في السلع الغذائية بعد انقطاع واردات روسيا وأوكرانيا، مثل مصر والكاميرون، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليبيا، نيجيريا، جنوب السودان، السودان، واليمن.
لكن أسواق السلع العالمية مترابطة للغاية، ولن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تتأثر أسواق الغذاء في العالم كله. وسوف ترتفع الأسعار حتى في البلدان التي لا تحصل حالياً على القمح أو الذرة أو السلع الأخرى مباشرة من أوكرانيا أو روسيا.
“لسوء الحظ، هذه قائمة كبيرة. أعني أن هناك 38 دولة يوجد بها أشخاص يواجهون مستويات طارئة من الجوع”، كما يضيف عارف حسين مسؤول برنامج الغذاء العالمي. هذه الدول تعاني ما يسميه الخبراء “انعدام الأمن الغذائي”.
* الأمن الغذائي يعني توافر أربع نقاط رئيسية:
توافر المنتجات الغذائية اللازمة لاستمرار الحياة.والقدرة على الوصول إليها عبر خطوط إمداد آمنة.واستعمال هذه المنتجات دون مشكلة أو ضغوط.ثم إمكانية الوصول لهذه المنتجات مجدداً بصورة دائمة ومستقرة.
جميع الشعوب سوف تدفع نصيبها من نقص الغذاء في 2022، لكن السطور التالية تركز على المنطقة العربية، وترصد أبرز المتضررين فيها.
* يحدث الآن في الدول العربية والشرق الأوسط
استحوذت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على 40% من صادرات أوكرانيا من الذرة والقمح عام 2021، وهي مرشحة لأزمات وعواقب على الأمن الغذائي بسبب الصراع، في تقدير محللة شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية كيلي بيتيلو Kelly Petillo.
الأسوأ هو أن الارتفاع المتوقع في الأسعار نتيجة للأزمة، يأتي في وقت وصلت فيه أسعار المواد الغذائية إلى مستويات تاريخية مرتفعة بالفعل، خاصة في منطقة الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين، “نتيجة مزيج سام من الصراع والمظالم السياسية والانهيار الاقتصادي المتزايد”.
* أهم الدول العربية
المستوردة للقمح
تحتكر الدول العربية نحو 25% من صادرات القمح العالمية.
مصر أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، تستورد وحدها 10.6% من مجموع صادرات القمح العالمية، وتحصل مصر من روسيا وأوكرانيا على 70% مما تحتاجه من القمح.الجزائر تستورد 3.3% من مجموع صادرات القمح العالمي.المغرب يستورد 2%.اليمن يستورد 2.3%. السعودية بنسبة 1.6%.ثم السودان 1%.
قبل حرب أوكرانيا كانت شعوب الشرق الأوسط وإفريقيا تعاني أزمة غذائية تحرم 10 ملايين شخص من الحصول على ما يكفي من الطعام في العام 2020 وحده. ومع اندلاع الحرب ارتفعت أسعار المواد الغذائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى مستويات مماثلة لفترة ما يعرف بـ”الربيع العربي”، وفقاً لوزارة الزراعة الأمريكية.
من وجهة نظر غربية فإن هذا يفتح الباب على شرق أوسط أقل استقراراً، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى تدفق مزيد من اللاجئين إلى أوروبا، كما يبدو في السطور التالية.
* اليمن.. ثلاثة أرباع السكان تحت تهديد المجاعة
كان التحذير واضحاً وشديد اللهجة: مستويات الجوع عام 2022 سوف تصبح كارثية في اليمن الذي مزقته حرب السنوات السبع.
هذا يعني أن عاماً صعباً ينتظر اليمن.
التحذير جاء من برنامج الغذاء العالمي، الذي توقع أن تصبح الأوضاع كارثية بعد الأزمة الأوكرانية وارتفاع أسعار المواد الغذائية لأعلى، بينما تعاني الجهود الإنسانية في اليمن فجوة التمويل البالغة 900 مليون دولار أمريكي.
قدّرت الأمم المتحدة تكاليف منع المجاعة المحتملة في اليمن بما يزيد على 4 مليارات دولار، كانت تأمل في جمعها خلال مؤتمر للمانحين لم يقدم سوى 1.3 مليار دولار.
بسبب النزاع والأزمة الاقتصادية الناجمة عنه، وانخفاض قيمة العملة والجائحة العالمية، اندفعت أسعار المواد الغذائية في عام 2021 إلى أعلى مستوياتها المسجلة منذ عام 2015، وأصبحت المساعدات الغذائية المصدر الوحيد للغذاء للملايين.
أكثر من 17 مليوناً في اليمن يحتاجون لمساعدات غذائية، والرقم قد يزيد إلى 19 مليوناً في النصف الثاني من العام.
وأكثر من 160 ألف شخص سيواجهون قريباً “انعداماً كارثياً في الأمن الغذائي، وأكثر من 7 ملايين شخص أصبحوا على بعد خطوة واحدة فقط عن هذه المرحلة الأخيرة من أزمة إنسانية طاحنة”.
أي أنه في 2022 سوف يحتاج نحو ثلاثة أرباع السكان في اليمن إلى مساعدات إنسانية لمجرد البقاء على قيد الحياة.
* مصر.. خبز الفقراء قد يختفي نهائياً
نهار الإثنين 21 مارس/آذار استيقظ المصريون على تراجع في قيمة عملتهم بلغ نحو 15% في يوم واحد.
زاد هذا التراجع من وطأة أسعار كثير من السلع التي شهدت ارتفاعات تراوحت بين 20 – 50%.
في المقابل أعلنت الحكومة المصرية عن حزمة من الإجراءات الهادفة إلى تخفيف وطأة ارتفاع الأسعار على المواطن المصري، واستيعاب التضخم.
يشير الإحصاء الرسمي في مصر إلى ارتفاع معدلات الفقر في البلاد لتصل إلى 32.5% من عدد السكان في 2018، وقالت وزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد، إن السبب الرئيسي في ذلك هو تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يفرضه صندوق النقد الدولي.
معدل خط الفقر للفرد وقتها يعني حصول المواطن على أقل من 9 آلاف جنيه سنوياً، أي نحو 500 دولار أمريكي، بينما يبلغ خط الفقر المدقع أكثر نحو 320 دولاراً سنوياً.
لكن البنك الدولي قال في 2019 إن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر.
في العام الماضي، استوردت مصر أكثر من 70% من قمحها إما من روسيا أو أوكرانيا، ووفقاً للأمم المتحدة، لذا فإن التحدي الأول للدولة هو البحث عن موردين آخرين بعيداً عن البحر الأسود.
أول بنود الفاتورة الصعبة على المصريين كان رفع أسعار الخبز غير المدعوم، في خطوة قد تمهِّد لرفع الدعم تدريجياً عن خبز الفقراء، كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي.
* لبنان.. فقراء أكثر ولاجئون على حافة الخطر
لبنان الغارق بالفعل في أزمة اقتصادية تقترب به من الإفلاس، كان يكافح التضخم قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا.
والآن يجد نفسه في صراع مع ارتفاع أسعار القمح وزيت الطهي.
وهكذا وجد مسلمو لبنان على إفطارهم الأول في شهر رمضان أن الوجبة أمامهم تكلف أكثر بكثير مما كانت عليه قبل ستة أسابيع.
يعيش البلد مخاوف حقيقية من نقص الخبز، فهو يشتري من أوكرانيا أكثر من 60% من احتياجات القمح، واحتياطيات لبنان محدودة.
الانفجار الهائل الذي مزق مرفأ بيروت صيف 2020 دمّر صوامع الحبوب الرئيسية، وأصبح المخزون يكفي فقط ليعيش اللبنانيون حوالي ستة أسابيع فقط.
الحكومة اللبنانية تحاول تأمين واردات جديدة من الهند والولايات المتحدة وكازاخستان، ما يعني سفر الحبوب لمسافات أطول بكثير على طرق الشحن باهظة الثمن بشكل متزايد.
النقص بدأ بالفعل في الظهور على أرفف السوبر ماركت في لبنان مع الأسابيع الأولى لحرب أوكرانيا، وهي مؤشرات لمزيد من الضغوط المعيشية على فقراء لبنان وطبقته الوسطى.
هناك أيضاً نحو 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، يعيش معظمهم في فقر مدقع ويعتمدون على المساعدات الغذائية.
* الصومال.. الجفاف لا ينتهي منذ 40 عاماً
يشهد الصومال أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود؛ ونقص الغذاء ينتشر لدرجة أن المجاعة يمكن أن تتطور في غضون أشهر.
هناك نحو 1.4 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد ويعتمد أكثر من 4 ملايين شخص على المساعدات الغذائية الطارئة.
قبل غزو أوكرانيا، كانت أسعار المواد الغذائية ترتفع بالفعل بسبب الجفاف، مع نفوق الماشية أو انخفاض جودتها، ومحاصيل الحبوب مثل الذرة الرفيعة أقل بكثير من المتوسطات طويلة الأجل.
الآثار على المدى المتوسط للأزمة الأوكرانية هي مجرد سبب إضافي لقلق خطير للغاية.
* سوريا.. ملايين جديدة تعاني خطر نقص الغذاء
قبل أن تغلق حرب أوكرانيا خطوط إمداد القمح باتجاه الشام، كانت سوريا تعاني أصلاً من نقص حاد في القمح بسبب الأزمة الاقتصادية الكاسحة، وتدمير البنية التحتية خلال عقد من النزاع الدامي.
يعتمد النظام السوري بشكل أساسي على روسيا لسد النقص عبر استيراد القمح، وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، توصلت حكومة النظام إلى اتفاق مع روسيا لاستيراد مليون طن من القمح عام 2022، بتمويل من قرض روسي.
لكن صوت القنابل طغى على الاتفاق، وتم تعليق الصفقة.
قبل عامين من الحرب حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من دخول نحو 2.5 مليون سوري في متاهة انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى نحو 10 ملايين شخص سبقوهم إلى المتاهة. أي أن أكثر من 13 مليون شخص في سوريا يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي.
ترجمة لتغريدة برنامج الغذاء العالمي بداية 2020: اليوم هناك المزيد من السوريين الذين يحتاجون للمساعدات الإنسانية أكثر من أي وقت مضى. أسعار الغذاء المتصاعدة تؤثر على العائلات في جميع أنحاء البلاد.
وتتولى السلطات تزويد مواطني شمال غربي سوريا بالقمح والدقيق المُستورد من تركيا عادة، إلا أن تركيا تستورد 90% من قمحها من أوكرانيا.
* تونس.. تراجع في قائمة مؤشر الغذاء
نحو 78% من مساحة البلاد تعاني التصحر وعوامل التعرية والانجراف والجفاف وارتفاع ملوحة الأرض بسبب نقص الأمطار في السنوات الأخيرة.
وتوقعت دراسة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع للرئاسة، أن تشهد تونس حتى سنة 2030 تواتراً حاداً في توالي سنوات الجفاف، فتعاقب سنتين أو ثلاث سنوات يؤدي إلى نقص بالنصف في إنتاج الزيتون والإنتاج الغابي، وستنخفض منتوجاتهما إلى 80% في الوسط والجنوب التونسيين و20% في الشمال التونسي.
تراجعت تونس في مؤشر الأمن الغذائي بـ18 مرتبة في سنة 2019 لتصبح في المرتبة 69 عالمياً، وكانت في سنة 2018 تحتل المرتبة 51 عالمياً.
* السودان.. الانقلاب يحرم البلاد من المساعدات الدولية
“لا يبدو الأمر جيداً على الإطلاق. لن يتمكن الناس من شراء سلة طعامهم الأساسية”، هكذا يتحدث المسؤولون الأمميون عن السودان.
هم يتوقعون أن يتعرض 20 مليون شخص في السودان لخطر “الانعدام الشديد للأمن الغذائي” خلال 2022، وهو ضِعف ما تم إعلانه في العام السابق.
في العالم السابق لحرب أوكرانيا كان 56% من سكان السودان يعيشون على أقلّ من 3.20 دولار، أي نحو ألفي جنيه سوداني، في اليوم.
وبعد الانقلاب العسكري الذي جرى في السودان، علّق برنامج الأغذية العالمي المساعدات التي أعلن عن تقديمها للسودان لتأمين أسعار عادلة للقمح كجزء من برنامج الخبز المدعوم.
السودان، الذي كان يعتمد على روسيا وأوكرانيا في تأمين حوالي 35% من وارداته من القمح في عام 2021، يبحث الآن عن بديل بأسعار أعلى، ولا يجد ضالته بسهولة.
ويأمل برنامج الغذاء العالمي في عام 2022، في أن يصل إلى 9.3 مليون يحتاجون إلى مساعدات غذائية، وهو أقل من نصف عدد المحتاجين فعلياً. ولا تبدو موارد برنامج الأغذية العالمي في حالة تسمح بذلك: مخزوناته من الغذاء في السودان ستنفد بحلول مايو/أيار 2022 في غياب تمويل جديد.
* كيف يعبر العالم هذه الأزمة؟
نحن الآن في عصر تتقلب فيه أسعار المواد الغذائية.
لم يكن العالم يسير على هذا النحو قبل أكثر من نصف قرن، عندما كان لدينا مخزون حقيقي.
أمننا الغذائي يأتي الآن من الأسواق المالية، وهذا يعني أن التقلبات السياسية يمكن أن تدفع بأعداد كبيرة من الناس بسرعة إلى حالة انعدام الأمن الغذائي.
فهمنا بعد حرب أوكرانيا أن منطقة البحر الأسود هي المنطقة الأكثر أهمية في العالم لصادرات الحبوب.
لم يعد بإمكاننا افتراض أن الطعام بعيد إلى حد ما عن الآثار السياسية للصراع.
والعالم لا يستطيع تحمل صراع آخر من صنع الإنسان.
الصراع يؤدي إلى الجوع، والحرب ستؤدي إلى مزيد من انعدام الأمن الغذائي، والخطر على حياة الناس وسلامة الكوكب.
المجاعة ليست ظاهرة مستقلة تتعلق بحياة الناس أو موتهم جوعاً.
انعدام الأمن الغذائي قد يكون مجرد باب تدخل منه أزمات أخرى، وكوارث سياسية واقتصادية وإنسانية.
ارتفاع أسعار الخبز في عام 2010 أدى إلى انتفاضات سياسية في الربيع العربي، اجتاحت البلاد العربية وأطاحت بالأنظمة في تونس ومصر وليبيا وغيرها، كما لعبت الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية دوراً في صعود جماعة الدولة الإسلامية المتطرفة العنيفة.
الإمدادات الغذائية العالمية الحالية ليست سيئة كما كانت في عام 2010، حيث كان إجمالي الإمدادات الغذائية أقل، ولكن إمدادات الحبوب العالمية تمر الآن بحالة حرجة.
لذا أصبحت خطط الأمن الغذائي الآن تحظى بأهمية أكبر في خطط الأمن القومي للدول.
لكنّ القادرين فقط هم من يستعدون من اليوم للمجاعة التي قد تزورهم غداً.
تهتم دول الخليج بالاستثمار الزراعي خارج حدودها، وتمتلك السعودية مثلاً أراضيَ زراعية في أستراليا وكندا وأوكرانيا، مخصصة لزراعة القمح.
وحققت قطر الاكتفاء الذاتي لمنتجات الألبان مع 22 ألف بقرة حلوب، وتخطط لتحويل المناطق شبه الصحراوية إلى أراضٍ زراعية لتعزيز غلة المحاصيل لتحقيق ما يصل إلى 70% من الاكتفاء الغذائي، وفقاً لبرنامج قطر الوطني للأمن الغذائي.
في حين عيَّنت دولة الإمارات العربية المتحدة وزير دولة للأمن الغذائي والمائي واعتمدت أحدث التقنيات الزراعية مثل ناطحات السحاب العمودية للمزارع المائية.
هذه الاستثمارات الضخمة ليست متوافرة لباقي الدول العربية خارج منطقة الخليج، وهو ما يعني مشكلة عسيرة الحل في المستقبل القريب.
والمشكلة ليست إقليمية، فالعالم كله أصبح يتحسس خطاه في اتجاه المجاعة المحتملة. وتطالب الهيئات الدولية بمضاعفة مستويات إنتاج الغذاء عما هي عليه حالياً لتتمكن من أن تكفي إطعام العالم بحلول عام 2050.
لكن صناع القرار في أرجاء الأرض مشغولون بالحروب وتثبيت دعائم عروشهم أكثر مما يشغلهم موت الفقراء جوعاً.
هناك أوبئة ومشكلات بيئية، لكن بالإضافة لذلك هناك الإنسان الذي أثبت قدرة خارقة في شن الحروب وتدمير إمكانيات الكوكب.
العديد من التحديات تعوق الطريق نحو تحقيق الأمن الغذائي لسكان هذه الأرض.
سلاسل الإمدادات الغذائية الضعيفة.الاضطرابات الاجتماعية والحروب الأهلية.تدهور الأراضي الزراعية، وأزمة ندرة المياه.ارتفاع النمو السكاني، لا سيما في الدول الفقيرة. وقرارات الحروب والمنافسات الاقتصادية وحرق الأخضر واليابس في سبيل المجد والانتصارات الزائفة.
قال الأسلاف إن “ما يفصل العالم عن الفوضى توافر ثلاث وجبات”.
وها نحن نرددها على أبواب عام المجاعة الذي يحذر منه الجميع، لأن المجاعة ليست سوى باب يدخل منه وحش الفوضى إلى حياة جميع البشر، والأغنياء منهم مع الفقراء.
ولم يعد ممكناً أن نتعامل مع أزمة إنسانية أخرى ناجمة عن حماقات سياسية جديدة.
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست |
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
انشر في تيليجرام |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
| |