|
|
|
صعدة برس - وكالات - تحت عنوان “لعبة بلا قواعد” يكتب مدير مركز الدبلوماسية العامة وتحليل السياسات العالمية الروسي، ألكسندر فوروبيوف، في صحيفة “إزفستيا” المسكوفية، عن تفجير أنابيب خطي “السيل الشمالي” (نورد ستريم 1 و2)، وإلى من تؤدي خيوط التحقيق.
بات تفجير أنابيب خطي “نورد ستريم 1” و”نورد ستريم 2″، اللذين يربطان روسيا وألمانيا ويقطعان قاع بحر البلطيق، وكانا يعتبران الرمز الأكثر لفتاً للتعاون الاقتصادي بين الاتحاد الروسي وأوروبا، بات التفجير يعتبر من الأكبر حجماً في العقود الأخيرة.
في مرحلة ما، انحسر اهتمام المجتمع الدولي حول هذا الموضوع، ولكن مطلع آذار/مارس الجاري، ظهرت معلومات جديدة في إحدى وسائل الإعلام الغربية الكبرى حول المنظمين المحتملين للتفجير. وهكذا، كتبت صحيفة “نيويورك تايمز”، في إشارة إلى بيانات أجهزة المخابرات الأميركية، أن بعض “الجماعات الموالية لأوكرانيا” تقف وراء ذلك، وهي مع ذلك، ليست مرتبطة بكييف رسمياً.
نشرت دوائر المعلومات هذه الأخبار المثيرة في موجات واسعة عبر وسائل الإعلام الغربية. كما ذكرت صحيفة “دي زايت” الألمانية الأسبوعية أن القنبلة كان من الممكن تسليمها إلى موقع التفجير على يخت شراعي مستأجر طوله 15 متراً، من ميناء رئيسي في بريغ الواقعة شمال ألمانيا، وشارك 6 أشخاص في العملية التخريبية. فيما قال فولوديمير زيلينسكي إن “الأوكرانيين بالتأكيد لم يفعلوا ذلك”، وأشار إلى أن مثل هذه المنشورات في وسائل الإعلام الغربية تصدر بأوامر من القوى المهتمة بتقليص الدعم الغربي لكييف.
يقول صحفيو “نيويورك تايمز” إنهم لم يعثروا على دليل على تورط روسيا في تفجير أنابيب خطي السيل. إلا أن معظم الجمهور ذي التفكر النقدي في البلدان المختلفة أدرك ذلك منذ البداية. فنتيجة العمل التخريبي، فقدت شركة غازبروم الروسية على الفور ثلث طاقتها التصديرية لإمدادات الغاز إلى البلدان غير الأعضاء في رابطة الدول المستقلة، ووجدت نفسها في وضع مالي صعب.
تقلصت احتمالية تأثير روسيا الاقتصادي على ألمانيا وأوروبا بالإجمال. أدى فشل الإمداد المباشر للغاز عبر خطوط الأنابيب من الاتحاد الروسي إلى أوروبا الغربية إلى اعتماد موسكو على دول العبور، أي أوكرانيا وبولندا وتركيا جزئياً. وهو الأمر الذي سعت موسكو إلى التخلص منه في العقود الأخيرة، حين قامت بمد الأنابيب إلى ألمانيا على طول قاع بحر البلطيق. كان الترويج لشائعة مفادها أن روسيا نفسها قامت بتفجير أنابيب خطي نورد ستريم تشبه إلى حد كبير حكاية إطلاق شخص ما النار على نفسه.
ومع ذلك، فإن التقارير الواردة عن مجموعة صغيرة من المخربين الذين أبحروا بشكل خفي على متن يخت خفيف إلى منشأة استراتيجية ودمروا أنابيب خطين للغاز، تقع على عمق 80 متراً، وسماكة جدرانها المعدنية تتراوح بين 3 و4 سنتمترات، وهي مغطاة أيضاً بإطار إسمنتي (خرساني)، تبدو مثيرة للجدل.
كما بات معروفاً من نتائج المسح الميداني لمكان التفجير، الذي أجراه متخصصون في شركة غازبروم، في تشرين الأول/أكتوبر 2022، وجدوا حفرتين أحدثتهما تفجيرات في مكان الحادث. في الوقت نفسه، انقطع جزء من الأنابيب بطول 40 متراً، كانت شديدة الالتواء ووجد ملقى على مسافة 40 متراً من خط الأنابيب. أما طول الأنابيب المتضررة فوصل إلى 250 متراً. ومن غير المحتمل أن تكون هذه الخسائر الكبيرة ناتجة عن جهود مجموعة صغيرة من المخربين الذين استخدموا مركباً خفيفاً، ووضعوا عليه كمية من المعدات التكنولوجية والمتفجرات التي لا يمكن لمركب خفيف أن يسعها.
بالإضافة إلى ذلك، من الصعب تصديق أن المخربين قد مروا من دون أن يلاحظهم أحد من قبل قوات الناتو والجيش الأميركي، الذين يراقبون البحر بشكل مكثف. إن التعقيد التقني للعمل التخريبي وسريته وفعاليته تشير إلى عدم إمكانية تنفيذه بدون دعم مباشر أو غير مباشر من دولة متقدمة تقنياً (أو حتى مجموعة من الدول)، لديها متخصصون مدربون، ولسبب ما كانت مهتمة بتنفيذ العملية التخريبية.
يشار إلى أن حكاية “جماعة التخريب الموالية لأوكرانيا” ظهرت في الصحافة الغربية بعد أسابيع قليلة من نشر الصحافي الاستقصائي المعروف من الولايات المتحدة، والحائز على جائزة بوليتزر، سيمور هيرش، مادته الخاصة عن المنظمين المزعومين لتفجير خطي أنابيب نورد ستريم. قد يشير هذا إلى أن حكاية “المجموعة الموالية لأوكرانيا” كان من الممكن أن تكون قد نشأت و “ألقيت في الجماهير” من أجل تحييد التأثير الإعلامي لتحقيقات هيرش، وهو أمر متسق للغاية ومبرر بشكل جيد. لم يتم تداول نتائج مادة هيرش على نطاق واسع في الولايات المتحدة، تسبب التحقيق مع الصحفي الأميركي في احتجاج إعلامي في أوروبا وروسيا والصين والعديد من البلدان الأخرى، ما أضر بلا شك بالسمعة السياسية لواشنطن وشركائها الأوروبيين.
في مادته، ألقى هيرش باللوم في العمل التخريبي على السلطات الأميركية والنرويجية، التي، حسب قوله، لغّمت “نورد ستريم 1” و”نورد ستريم 2″، في حزيران/ يونيو 2022، أثناء مناورات الناتو في بحر البلطيق. بعد بضعة أسابيع، في 26 أيلول/سبتمبر، أسقطت طائرة استطلاع تابعة للبحرية النرويجية عوامة سونار في البحر، أدت إشارة إلى حدوث التفجير القوي وتضرر 3 من الأنابيب الأربعة لخطي نورد ستريم 1 و2.
بغض النظر عن تورط واشنطن أو عدم تورطها في التفجير، فمن الواضح بالفعل أن الولايات المتحدة أصبحت أحد المستفيدين الرئيسيين من التخفيض الجذري للعلاقات على صعيد الطاقة بين أوروبا وروسيا. أولاً، واجه الاتحاد الأوروبي خطر نقص الغاز الطبيعي وزاد بشكل كبير من إمدادات الغاز المُسال من الولايات المتحدة، ما جلب أرباحاً إضافية كبيرة لأعمال الطاقة الأميركية والاقتصاد الأميركي.
ثانياً، بسبب النقص وارتفاع تكلفة موارد الطاقة، تقوم العديد من الشركات الأوروبية الآن جزئياً بنقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الطاقة الباهظة الثمن تجعل المنتجات الأوروبية أقل قدرة على المنافسة، وفي الواقع، في المجالات التكنولوجية الرئيسة، كانت منتجات الاتحاد الأوروبي هي المنافس الأول للمنتجات الأميركية. كما أدى تفجير خطي الغاز إلى انخفاض خطير في قدرة روسيا على التأثير على ألمانيا، كشريك أوروبي رئيسي، وعلى أوروبا ككل، الأمر الذي يصب في مصلحة واشنطن.
يزيد العمل التخريبي الذي حدث من حالة عدم اليقين والمخاوف لدى النخب الأوروبية من احتمال حدوث شيء مماثل مرة أخرى في المستقبل. هذا الإحباط يقلل بدرجة أكبر من دافع الأوساط الأوروبية والسياسية لإقامة تعاون مع روسيا.
ومما يثير القلق أيضاً إحجام الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، في المقام الأول ألمانيا والدنمارك والسويد، عن إجراء تحقيق دولي في العمل التخريبي. يمكن فهم قرار الدول الغربية بعدم مشاركة المعلومات مع السلطات الروسية فإن درجة التوتر الجيوسياسي مرتفعة للغاية اليوم. ومع ذلك، ليس فقط الشركاء الخارجيون للدول الغربية، ولكن أيضاً جماهير الدول الأوروبية نفسها لا يمكنها الاطلاع على نتائج التحقيق في العمل التخريبي. في الوقت نفسه، لا يزال السؤال حول ما الذي يريد قادة ألمانيا ودول أوروبية أخرى إخفاءه؟ ولماذا لا يكشفونه؟
الآن يمكننا القول إن القيادة الأميركية قد حققت بالتأكيد أهدافها التكتيكية بعد ألحاق ضرر خطير للغاية بخطي أنابيب نورد ستريم، سواء أكان ذلك على أيدي الأميركيين أو أي جهة أخرى. ومع ذلك، إذا اتضح فجأة أن قيادة الولايات المتحدة كانت وراء العمل التخريبي في “نورد ستريم 1” و”نورد ستريم 2″، فإن التكاليف السياسية لهذا الأمر قد تفوق الفوائد التي تعود على واشنطن.
أولاً، سيخلق ذلك حالة من الاضطراب داخل أوروبا، والتي ستزداد قوة كلما تعمق الركود الاقتصادي في البلدان الأوروبية. ثانياً، ستكون دول الشرق والجنوب، التي أصبحت اليوم منفصلة إلى حد ما عن الصراع “الأوروبي” حول أوكرانيا، أقل ميلاً إلى اعتبار الولايات المتحدة قوة استقرار في التنمية العالمية، وعلى هذه الخلفية، فإن السلطة الدولية للصين من المرجح أن تزداد.
أخيراً، هناك العديد من خطوط الأنابيب ومنشآت البنى التحتية الأخرى في العالم. الدول وأصحاب هذه المنشآت من القطاع الخاص، الذين استثمروا أموالهم فيها، بالكاد يريدون تعطل المشاريع التي تم إنشاؤها باستثماراتهم أو تدميرها بطريقة أو بأخرى من أجل الوضع السياسي لصالح “الأقوياء”. وانطلاقاً من هذا الأمر، على ما أعتقد، تتجلى مطالبة العديد من الدول والهياكل المالية والاقتصادية غير الحكومية بالاستقرار والقدرة على التنبؤ في العلاقات الدولية.
* المصدر: موقع الميادين
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع |
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
انشر في تيليجرام |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
| |