صعدة برس - وكالات - بسبب الجزائر.. قررت منظمة “الجيش السري” الإرهابية، وكانت تضم في صفوفها ضباطا في الجيش الفرنسي قتل شارل ديغول، رئيس البلاد وصاحب الفضل في تحرير فرنسا من النازية .
كانت هذه المنظمة الإرهابية تعتقد أن ديغول الذي كان اضطر بسبب المقاومة الوطنية الجزائرية العنيدة في 16 سبتمبر عام 1959 إلى الإقرار بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير، “خائن” قرر التخلي عن هذا البلد بعد 130 عاما من الاستعمار، وغلفوا “تطرفهم” الدموي بالزعم أن معركتهم للاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على الجزائر، هي ضمن حرب ضد الشيوعية متمثلة في الاتحاد السوفيتي.
منظمة “الجيش السري” التي ضمت فرنسيين وأوربيين بعضهم خدم في الفيلق الأجنبي، كانت تعد امتدادا لما يعرف بـ”الأقدام السوداء” الاسم الذي كان يطلق على المستوطنين الفرنسيين والأوربيين في الجزائر والذين كانوا يسيطرون على نحو 40 بالمئة من الأراضي الزراعية في البلاد، وكان عددهم يتجاوز المليون شخص.
على مدى 130 عاما كانت الجزائر متنفسا وقاعدة وسلة غداء لفرنسا، ولم يكن من السهل على أمثال هؤلاء من المتطرفين الإقرار بالهزيمة، والتخلي عن هذا “الوطن” البديل الذي انتزعه أجدادهم من أصحابه الأصليين بقوة الحديد والنار.
اعتبر من كان يعد بطل فرنسا في الحرب على الاحتلال النازي “خائنا”، وخطط “الجيش السري” لـ 15 محاولة فاشلة لاغتيال ديغول، بل ونفذ موالون له محاولة انقلاب ليلة 21-22 أبريل عام 1961 في الجزائر، سيطروا خلالها على مدينتي وهران وقسنطينة، إلا أن الانقلاب سرعان ما أحبط.
الجنرال شارل ديغول وقت محاولة الاغتيال الأخيرة كان يشغل منصب رئيس البلاد لمدة ثلاث سنوات، وكان في تلك المناسبة متوجها مع زوجته من مكان إقامته في شمال شرق فرنسا إلى قصر الإليزيه في باريس لحضور اجتماعات لمجلس الوزراء.
أعدت منظمة “الجيش السري” كمينا في الطريق للتخلص من ديغول وكان حينها يبلغ من العمر 71 عاما، متوهمين بأن قتله سيغير مجرى التاريخ ويبقي “الأقدام السوداء” سادة في الجزائر إلى الأبد.
فيما كان موكب الجنرال شارل ديغول، المكون من سيارتين طراز “سيتروين دي إس” برفقة اثنين من سائقي دراجات الشرطة النارية يمر في 22 أغسطس عام 1962 بالقرب من بلدة “كلامار” التي تبعد نحو 9 كيلو مترات عن وسط باريس، أطلق فريق الاغتيال المكون من 12 شخصا أكثر من 150 رصاصة على الموكب خلال وقت لم يزد عن 45 ثانية.
كان ديغول يركب السيارة الأولى إلى جانب زوجته “إيفون” ومعه السائق فرانسيس مارو والعقيد المساعد ألين دي بويسييه، فيما كان يقود السيارة الثانية العميد في الشرطة رينيه كاسيلين وبجواره مفوض الشرطة هنري بويسانت، وفي المقعد الخلفي كان يجلس الحارس الشخصي للرئيس هنري جودر والطبيب العسكري جان دينيس ديغولت.
في ذلك الهجوم المسلح الذي استمر 45 ثانية اخترقت ثلاث رصاصات السيارة الرئاسية ومرت على مسافة قريبة من رأس ديغول إلا أنه نجا زوجته بأعجوبة ولم يصاب بأذى.
فريق الاغتيال كان يتكون من 12 شخصا من الفرنسيين والأوروبيين الذين ولدوا في الجزائر خلال فترة الاستعمار الاستيطاني الذي تواصل من عام 1830 حتى عام 1962، وكان بينهم عسكريون في الخدمة وآخرون سابقون، وكان أصغرهم يبلغ من العمر 20 عاما، فيما قاد محاولة الاغتيال وأعطى إشارة الهجوم من دون أن يطلق النار، المقدم في سلاح الجو باستيان تيري.
الاستخبارات الفرنسية سرعان ما ألقت القبض على خمسة عشر مشتبها بهم في محاولة اغتيال الرئيس، وتم الحكم على المشاركين العاديين في عملية الاغتيال الفاشلة التي أطلق عليها اسم “شارلوت كورداي” بالسجن لفترات مختلفة، وصدر عفو رئاسي بحقهم في عام 1968.
ثلاثة من المتورطين في تنظيم المحاولة، وهم ألين دي لا توكني وجاك بريفوست وجان ماري باستيان، حكم عليهم بالإعدام، إلا أن اثنين خفضت عقوبتهما، في حين نفذ حكم الإعدام رميا بالرصاص بحق قائد المحاولة الفاشلة المقدم باستيان تيري، وكان آخر من نفذت فيه عقوبة الإعدام في هذا البلد.
ديغول نجا من محاولة الاغتيال بفضل مهارة ورباطة جأش سائقه فرانسيس ماروكس الذي أسرع في الابتعاد عن الكمين، فيما علّق لاحقا الجنرال بلهجة مازحة قائلا: “إنها لقطات سيئة”!
كان ديغول يعرف أن معركة بلاده في الجزائر خاسرة لا محالة طال الزمن أو قصر، إلا أن المتطرفين ذوي الأقدام السوداء استمروا في إنكار هذه الحقيقة، وتجاهل الحقوق المشروعة للشعب الجزائري، وتوهموا أنهم يستطيعون تغيير مجرى التاريخ بقتل رجل.
* المصدر: موقع روسيا اليوم
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر |