صعدة برس - وكالات - يتناول بيير إيف غوميز، البروفسور الفخري في كلية “إي إم ليون” للأعمال في فرنسا، في مقالة له منشورة في صحيفة “لومونود” الفرنسية، التبعات الاقتصادية والسياسية والأنثروبولوجية التي سيرتبها التطور الهائل للذكاء الاصطناعي. ويحاول بشكل خاص توقع عواقب تعميمه.
فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
الذكاء الاصطناعي يضرب من جديد. مع ظهور “تشات جي بي تي” و إضراب فناني هوليود، الذين يشعرون بالقلق من فكرة استبدالهم، سيكون هذا التطبيق قد أشعل طوال العام جدلاً لا ينتهي بين محبي التكنولوجيا وكارهيها، وأولئك الذين يتوقعون ثورة غير مسبوقة في الذكاء الاصطناعي وأولئك الذين يسخرون من الضجيج الإعلامي – المالي الذي أُثير حوله، وأولئك الذين يأملون أن يؤدي إلى تجاوز الإنسانية وأولئك الذين يخافون منه.
في الواقع، إن مقاربة أنثروبولوجية من هذا النوع تجعل النقاش في هذا الموضوع أمراً مربكاً. مردّ ذلك أن مثل هذه المقاربة تضع الذكاء الاصطناعي في قالب إنساني وتنسب الصفات البشرية والسلوكيات والميول إلى الآلات، لكنها تحصر الإنسان في المقابل في الصفة المعارة للآلة.
الواضح في هذا السياق، أنه يبدو دائماً أن الآلة تتفوق على الإنسان، لأنه ابتكرها على وجه التحديد للتغلب على عجزه. وهذا ما أسماه غونتر أندرس (1902-1992) بالخجل البروميثوسي، “الذي يسيطر على الإنسان في مواجهة الجودة المهينة للأشياء التي صنعها بنفسه” (تقادم الرجل، 1956). والجدير بالذكر في هذا السياق أن الإنسان الغربي يبتهج بهذا العار.
احتكار القلة للشركات العالمية
ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي يرتب بشكل أساسي تبعات اقتصادية وسياسية مهمة: اقتصادية لأنه يبشر بمرحلة جديدة في تصنيع العالم، والتي تتعلق الآن بالمعالجة عالية التردد لمليارات القطع الرقمية من المعلومات. إنه يجعل من الممكن صياغة إجابات موثوقة لأسئلة متعددة، وإنشاء أعمال سردية أو بصرية، واكتشاف احتمالات الروابط بين الأحداث أو اقتراح قرارات منطقية إحصائياً عند مواجهة الاختيارات.
إن استخدام مثل هذه الأداة الصناعية يعدل الجهاز الإنتاجي بنسب لا يزال يتعين قياسها، من دون القفز إلى تمجيد الأداة الجديدة، لكن من خلال فحص العلاقة بين التكلفة الهائلة للاستثمار والمنفعة النهائية لخدمات المنتج. كما يرتب الذكاء الاصطناعي وبشكل رئيسي ثلاث تبعات سياسية.
من جهة، تساهم صناعة معالجة المعلومات على هذا النحو في تعزيز الأفكار المسبقة والتمثيل المشترك وحبس المستخدمين في أنظمة فكرية ذاتية المرجعية ما يؤدي إلى تفاقم تجزئة المجتمع.
من ناحية أخرى، نظراً لأن الاستثمارات اللازمة لإتقان الذكاء الاصطناعي كبيرة، فسوف نشهد حتماً إنشاء احتكار عالمي من الشركات التي تتحكم في هذه الصناعة الحساسة للغاية.
أرضيات مشتركة
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن الطريقة التي ينمو فيها الذكاء الاصطناعي مهولة لأن المعالجة الضخمة للمعلومات مستدامة ذاتياً، مع تكلفة في الطاقة والبيئة يمكن أن تصبح غير محتملة بسبب تسارعها.
إذا بقي بعد أنثروبولوجي وثقافي ليتم تناوله، من الأفضل أن يرتبط بإمكانيات التقييم الذاتي لذكائنا الذي يقترحه الذكاء الاصطناعي. إذا أخذنا مثال “تشات جي بي تي”، يبدو أن الإجابات التي تقدمها الخوارزمية لطلباتنا تبدو أكثر “ذكاءً” لأنها تبدو مألوفة بالنسبة لنا: لا شيء غريب في ذلك لأنه، من خلال البناء، تبحث الخوارزمية في مليارات القطع من المعلومات المتاحة للتسلسلات المنطقية الأكثر شيوعاً، والتي تشكل حرفياً أرضياتنا مشتركة.
بمجرد أن نتغلب على الدهشة التي نشعر بها عندما نرى أن الذكاء الاصطناعي “يفكر مثلنا”، فإن العادة ستقودنا من دون شك إلى الاعتقاد بأنه ليس من الرائع أن نفكر مثل الذكاء الاصطناعي. وبالتالي، فإن التفكير مثل الذكاء الاصطناعي يمكن أن يَصف في المستقبل الابتذال في التفكير بطريقة سلبية.
* المصدر: الميادين نت
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر |