صعدة برس - وكالات - موقع "Counterpunch" ينشر مقالاً للكاتب ميلفين غودمان، يتحدّث فيه عن اعتراف وسائل إعلام غربية كصحيفتي "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" الأميركيتين، بأنّ قطاع غزّة يعدّ سجناً مفتوحاً، كما يقول إنّ العدوان المستمر عليه هو نتيجة العقيدة الصهيونية التي ترفض كلّ الحلول السياسية لقضية الشعب الفلسطيني، وليس انتقاماً من عملية "طوفان الأقصى".
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
بعد 14 عاماً على اتّهام رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لـ "إسرائيل"، بإنشاء "سجن كبير في غزّة استغرق بناؤه عُقوداً من الزمن"، تعترف الآن صحيفة "نيويورك تايمز" بأنّ الفلسطينيين في القطاع، "اعتقلوا فعلياً في شريط من الأرض مساحته 141 ميلاً مُربّعاً أصبح منطقة قتل وموت".
صحيفة "واشنطن بوست" لم تتأخّر هي الأخرى عن الاعتراف بجرائم "إسرائيل" في غزّة من زاوية الدمار الشامل الذي أحدثته "دولة" الاحتلال الصهيوني في القطاع وفقاً لتقارير للأمم المتحدة، وقالت إنّ الأمر سيستغرق"80 عاماً لإعادة بناء جميع المنازل المدمّرة في غزّة".
وَمن خلال تقييم سجلّ صُور الأقمار الاصطناعية للأمم المتحدة، ألحقت "دولة" الاحتلال الإسرائيلي، "أضراراً بأكثر من 65% من المساكن في قطاع غزّة، من ضمنها 230 ألف منزل دمّرَت بالكامل"، من جرّاء الغارات الوحشية للطائرات الصهيونية.
وتُقدّر مُنظّمة الصحّة العالمية أنّ ما لا يقلّ عن 10 آلاف جُثمان شهيد دُفنت تحت ركام المباني. وإزالة الأنقاض والوصول إليها سيكون صعباً، لأنّ نحو 70% من شبكة الطرق في القطاع تضرّرت بمستوى يجعل من الاستحالة استخدامُها.
وبحسب ناتاشا هول، الزميلة البارزة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإنّ "الغبار السامّ الناجم عن القنابل الإسرائيلية على مرّ السنين تسبّب في مشكلات صحّية طويلة الأمد للفلسطينيين". ومن المرجّح أن تُلوّث المنتجات الثانوية للذخائر للعدوان الحالي إمدادات المياه المحدودة جدّاً في القطاع. ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، "سوف تتسبّبُ هذه السموم بالعديد من الأمراض الأكثر خُطورة لمعظم سُكّان القطاع بلا ريب".
لقد كانت وسائل الإعلام العالمية بطيئة جدّاً بالإشارة إلى قرار الاحتلال الإسرائيلي بتحويل غزّة إلى مُعتقلٍ، في إثر فوز حركة حماس بـ 75 مقعداً من أصل 118 في الانتخابات في القطاع في عام 2005. وقد حازت "حماس" على هذا التأييد الواسع بين المصوّتين على خلفية برنامجها الملتزم بالمقاومة في كلّ قطاعاتها من الدفاع إلى توفير الرعاية الاجتماعية والمدارس ودور الحضانة للسكّان الفقراء الذين يُشكّلون مُعظم سُكّان القطاع.
لقد عاش أكثر من مليوني فلسطيني تحت هذا الحصار طيلة الـ 17 عاماً الماضية. ومُنذ عام 2007، منعت "إسرائيل" الفلسطينيين من مُغادرة القطاع عبر معبر "إيريز" الذي من خلاله يُمكنهم الوصول إلى الضفّة الغربية والسفر إلى الخارج عبر الأردنّ. ولا يسمح لهم بتشغيل مطار أو ميناء بحريّ في القطاع، كما تفرض سلطات الاحتلال قيوداً صارمة على دخول وخروج البضائع. كما هو من المستحيل على فلسطيني غزّة الانتقال إلى العيش في الضفة الغربية. وقد أصبح الآلاف من سُكّان غزّة الذين وصلوا بتصاريح مُؤقّتة، ويعيشون الآن في الضفّة الغربية غير قادرين على الحصول على الإقامة التي يفرضها عليهم الاحتلال، بزعم أنّ هذه القيود مرتبطة بالحفاظ على الأمن، مع أنّ الدلائل تُؤكّد أنّ الهدف الرئيسي هو الحدّ من حجم التركيبة السكانية الفلسطينية في مُختلف أنحاء الضفّة الغربية تمهيداً لضمّها.
إنّ القوانين والقيود الأمنية التي تفرضها أيّ سُلطات احتلال على المدنيين، تلزمها أيضاً بتأمين الحياة العامّة للسكّان الخاضعين للاحتلال، وهذا ما لم تفعله "دولة" الاحتلال الإسرائيلي قطّ، وهو ما يتجاهله باستمرار المجتمع الدولي، كما هو الحال في غزّة تحت الاحتلال الطويل، الذي يفرض مساحات جغرافية وحقوقية ضيّقة على الفلسطينيين المنتهكة حقوقهم الإنسانية، وسط تجاهل وسائل الإعلام الغربية للانتهاكات الإسرائيلية مُنذ نحو 8 عُقود.
على مدى سنوات، وثّقت "هيومن رايتس ووتش"، حالات حرمان سُكّان غزّة من الحصول على تصاريح للانتقال إلى الضفّة الغربية أو القدس الشرقية، للحصول على فرص عمل أو لأجل الدراسة. وفي عام 2019، كان من المقرّر أن يخوض فريق كرة قدم غزّاوي مُباراة مع فريق مُنافس له في الضفّة الغربية، لتحديد الممثّل الفلسطيني في كأس آسيا، حيث أعطت سُلطات الاحتلال تصاريح لأربعة أشخاص، أحدهم فقط كان لاعباً، من أصل مجموعة من 22 شخصاً من اللاعبين والإداريين.
وعلى مدى الـ 17 عاماً الماضية، قيّدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي استخدام الكهرباء في غزّة، وأجبرت سكانها على التخلّص من مياه الصرف الصحّي في البحر، وحرصت على تقنين السماح بمرور شحنات الغذاء ومياه الشرب والوقود وغيرها من وسائل العيش بكرامة إنسانية. كلّ ذلك، لأجل أن تضمن "دولة" الاحتلال استمرار اليأس بين الفلسطينيين الذين أجبروا على العيش تحت هذه الظروف. ومثل هذا اليأس من شأنه أن يدفع أيّ إنسان إلى الإيمان بأنّ المقاومة والكفاح المسلح هما الملاذ الوحيد أمام الغزاويين.
إنّ الظروف الوحشية التي فرضتها "دولة" الاحتلال الصهيوني على مُواطني غزّة، تُساعد على تفسير الدوافع وراء العدوان المستمرّ على القطاع حتّى الآن، ولا علاقة له فعلياً بالردّ الانتقامي على عملية "طوفان الأقصى"، ويعبّر عن العقيدة الصهيونية التي ترفض كلّ الحلول السياسية لقضية الشعب الفلسطيني، لذلك كان طوفان المقاومة في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر العام الماضي لا مفرّ منه.
* المادة نقلت حرفيا من موقع الميادين نت ـ الكاتب: ميلفين غودمان |