صعدة برس - يصعب على الزائر إلى صنعاء أن يغفل عن زيارة جامع الصالح الذي يصنف كواحد من أهم المعالم الإسلامية في الوطن العربي، وهو الجامع الذي صيغ وأسس ليؤدي وظائف عقائدية ومجتمعية متعددة في مسعى لإحياء الدور الديني والاجتماعي والثقافي للجامع؛ فيما عكس طرازه المعماري الفريد الذي جمع بين أصالة الطراز المعماري اليمني وأحدث تقنيات البناء أصالة وكبر الحضارة الإسلامية.
يتقاطر الآلاف إلى هذا الجامع كل يوم ويزداد اكتظاظاً في شهر رمضان، حيث يتحول إلى واجهة لآلاف اليمنيين والعرب والمسلمين من جنسيات مختلفة الذين يحرصون على الإفطار وأداء صلاة المغرب فيه، ويستمر الجامع في استقبال المؤمنين طوال ساعات النهار والليل وخصوصا في صلاة القيام.
يتسع الجامع لـ 45 ألف مصلٍ، فيما يستوعب جامع النساء الملحق بالجامع 2000 امرأة، وقد ساعد موقعه المتوسط لمناطق صنعاء وبواباته المتعددة وساحاته التي تستخدم كمواقف للسيارات على سهولة ارتياده من أي مكان.
يقع الجامع على مساحة قدرها 222 ألفاً و500 متر مربع تشمل مبنى الجامع وكلية علوم القرآن والدراسات الإسلامية والمواضئ ومواقف السيارات، والمناطق الخضراء.
وقد تبنى الرئيس علي عبدالله صالح فكرة إنشاء الجامع ليكون معلما إسلاميا يعبر عن خصوصية الإرث الإسلامي اليمني في وقت مبكر وفي العام 2001 خرجت الفكرة إلى النور ليصمم مزوداً بكلية علمية لتعليم القرآن الكريم والعلوم الإسلامية واستمر العمل في إنشاء هذا الصرح سبع سنوات بإشراف مجموعة من أشهر دور الهندسة المعمارية في العالم العربي والإسلامي.
استفاد المهندسون من المعالم المعمارية التاريخية والتصاميم اليمنية من عدد من الجوامع التاريخية اليمنية مع استنباط التقنيات الحديثة من أهم المعالم في العالم الإسلامي ودمجت الأصالة بالمعاصرة.
ويشير عضو اللجنة الفنية لمشروع تسيير جامع الصالح المهندس سمير حمود العديني إلى أن الأبعاد البنائية والهندسية لجامع الصالح تطلبت أن تكون أحجار البناء ضخمة وكبيرة على الطراز الحميري والموجود من بقايا سد مارب وعرش بلقيس ليتقارب حجم البناء مع حجم الحجر، حيث بلغ طول الحجر الواحد نحو 160 سنتيمتراً وعرضه 80 سنتيمتراً وسماكة 30 سنتيمتراً؛ فيما بلغ وزن الحجر الواحد نحو طن، وقد تم وضع الأحجار في أماكنها بواسطة آلات وماكينات حديثة دخلت لأول مرة إلى اليمن وجميع هذه الأحجار من موارد محلية.
ويوضح العديني أن المشروع روعي في مراحل تنفيذه الأخذ بأحدث المواصفات العالمية وبقدر عال من الدقة والإتقان مع مراعاة خصوصية العمارة اليمنية وبخاصة ما يتعلق بتشييد المنارات والقباب مع التأكيد على أن يتحمل البناء الزلازل بما لا يقل عن سبع درجات بمقياس ريختر.
مكونات الجامع:
قاعة الصلاة في الجامع عبارة عن مستطيل طوله من الداخل 147 متراً وعرضه 87 متراً بمساحة قدرها 12 ألفا و883 متراً مربعاً ويغطي أرضيته الرخامية سجاد باللون الأزرق من الصوف العالي الجودة وتبلغ طاقته الاستيعابية ما يقارب 19 ألفاً و811 مصلياً تقريباً.
ويبلغ ارتفاع سقف المستوى الأول نحو 21 متراً من منسوب أرضية الجامع؛ فيما ارتفاع سقف المستوى الثاني 24 متراً من منسوب أرضية الجامع وطعمت الأسقف بخشب السنديان الأبيض والأحمر المنقوش والمزخرف بالأشكال الهندسية والخطوط الإسلامية المستوحاة من الجامع الكبير بصنعاء.
ويتألف الجامع من عدة طبقات بشكل مدرج إلى الأعلى وتم تجليد الجسور الفاصلة بينها بوحدات طويلة من الخشب وتتوسط الأسقف تشكيلات من التيجان والأقواس المفصصة والثريات المتدلية والقباب المطعمة والمزخرفة بالنحاس والكريستال وتزن النجفة المتدلية من القبة الكبرى والمصنوعة من الكريستال الخالص حوالي 5 .4 طن وتحتوي على 81 فانوساً ذهبياً.
واحتوت المساحة التي أقيم عليها المشروع الجامع وملحقاته والطرق والحدائق وممرات المشاة ومواقف السيارات، فضلا عن المكتبة الإسلامية الكبرى التي تحوي حالياً عشرات الآلاف من الكتب والمؤلفات والمراجع الدينية والمخطوطات، ويوجد في الجامع 15 باباً منها خمسة أبواب شرقية وخمسة غربية وخمسة جنوبية، ويبلغ ارتفاع كل باب 6 .5 متر بعرض 3 أمتار.
مصلى النساء وكلية القرآن:
تبلغ مساحة مصلى للنساء 1288 متراً مربعاً وله مدخلان شرقي وغربي وكل مدخل مزود بمصعد سعة 21 شخصاً فيما عدد الحمامات الخاصة 30 حماماً على الجانبين ويطل على قاعة الصلاة عبر شرفات خاصة في مقدمته مغطاة بمشربيات خشبية ويطل على ثلاث نوافذ خلفية على الساحة الوسطى ومبنى الكلية وعلى الصروح الشرقية والغربية عبر نافذتين كبيرتين. وقد تم تكسية سقف مصلى النساء بالزخارف والنقوش الجبسية بأشكال نباتية وهندسية للبلاطات والجسور والقبة وهي مشابهة لماهو في الرواق الخلفي.
ويأتي مبنى كلية القرآن الكريم وعلومه المكون من ثلاثة أدوار ليضيف إلى الجامع خصوصية فريدة تؤهله للقيام بدوره الريادي كمنارة للعلم.
ويتألف مبنى الكلية من ثلاثة أدوار ويضم خمسة وعشرين فصلاً للدراسة، إضافة إلى قاعات صلاة ومكتباتٍ وقاعات اجتماعات، وقضت توجيهات الرئيس في بناء الجامع بوجوب المحافظة على الطابع العمراني اليمني، لاسيما بالنسبة للمنارات والواجهات الحجرية، فكان الجامع الكبير في صنعاء الملهم الأساسي للمهندسين في ذلك.
يحوي الجامع على 23 قبة كبيرة موزعة على مختلف زوايا الجامع منها القبة الكبرى التي تعتبر من كبار القباب في الوطن العربي وترتفع نحو 5 .54 متر عن أرضية الجامع؛ فيما يبلغ قطرها نحو 28 متراً وتغطي مساحة نحو 1400 متر مربع ويعلوها هلال نحاسي اصفر اللون بارتفاع 5 .9 متر وهي مكسوة من الخارج بمادة ال”جي أر سي” باللونين الأبيض والأحمر ومن الداخل منقوشة بآيات قرآنية وزخارف جبسية.
ويبلغ عدد القباب الصغيرة أربعاً وتقع على زوايا الجامع الأربع وقطر كل منها 3 .9 متر، وترتفع كل قبة 6 .33 متر عن أرضية الجامع وتغطي مساحة 225 متراً مربعاً، وعدد مآذن الجامع ست تمكن مشاهدتها من أي مكان في العاصمة صنعاء نظرا لارتفاعها الذي يصل إلى 100 متر وتعتبر من أعلى المنارات في الشرق الأوسط وصممت على الطراز المعماري لمآذن الجامع الكبير بصنعاء.
أما أعمدة الجامع فيبلغ عددها 112 عموداً منها 68 عموداً دائرياً وسط الجامع بقطر 150 سنتيمتراً، و40 عموداً جدارياً نصف دائري (نصف قطرها 75 سنتيمتراً)، فضلا عن أربعة أعمدة ركنية بشكل ربع دائرة على أركان الجامع الأربعة.
ومن يزور الجامع لابد من أن تبهره روعة الزخارف والنقوش التي تزينه من سائر جهاته الداخلية والتي تظهر على شكل زخارف وآيات قرآنية مكتوبة بخط الثلث على الجدران والمداخل والبوابات، كما تتزين أبواب الجامع بالتيجان والأقواس المفصصة والثريات والقباب المصنعة بمواصفات خاصة من النحاس والكريستال وتغطي أرضية الجامع القطع الرخامية والسجاد الأزرق.
وجميع الخطوط والنقشات الإسلامية والآيات القرآنية كتبت أو نقشت بخط الثلث على يد الخطاط اليمني المجاز عالمياً ناصر عبد الوهاب النصاري. كما زينت سقوفه بخشب السنديان الأبيض المنقوش وبعض أعمدته بطبقة ذهبية لماعة وأحزمة نحاسية. وكسيت الأقواس الخرسانية وواجهاته الداخلية بزخارف وفصوص جبسية على النمط الإسلامي، كما زين محراب الجامع بالنقوش المتنوعة والآيات القرآنية المزخرفة بورق الذهب.
ويتميز جامع الصالح بالأسقف الخشبية المزخرفة، حيث تم وضع 30 ألف قطعة زخرفية معتقة بالذهب الخالص والألوان بارتفاعات وصلت إلى 23 متراً، في حين احتل النقش مساحة كبيرة في زينة الجامع حيث تم نقش سبعمائة وثماني آيات من اثنتين وستين سورة قرآنية، فيما بلغ عدد السور المكتملة في الجامع والكلية ثماني سور هي "الفاتحة" يس، الرحمن، القدر، العصر، الإخلاص، الفلق، الناس) .
ويوجد في الجامع نحو ألف و320 قمرية صغيرة وكبيرة موزعة على مختلف أجزائه وزواياه، منها 36 قمرية مزدوجة داخلية وخارجية على الجدران ملونة وزجاج شفاف، 44 قمرية مزدوجة على السقف العالي نصف دائرية، و10 قمريات فوق الأبواب الشرقية والغربية، و28 قمرية مزدوجة شبه قوس في الجدران، و56 قمرية مزدوجة مستطيلة، و80 قمرية على القبة الكبرى، و208 قمريات على القباب الوسطى، و 144 قمرية على القباب الصغيرة و606 قمريات كبيرة وصغيرة ومتوسطة في المصلى الرئيس و108 قمريات في المآذن.
الحليج الإماراتية |