|
|
|
صعدة برس-متابعات - التطمينات اليمنية والأمريكية حيال وجود جنود من مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) الذين تضاعف عددهم مؤخراً مع وصول جنود إضافيين لحماية الدبلوماسيين، بعد عملية اقتحام محتجين لمجمع السفارة الأمريكية ، لم تكن كافية لإخماد نار المخاوف التي لم يكف اليمنيون عن الحديث عنها وتناقلها، وسط مخاوف من تفاعلات أمنية خارجة عن السيطرة، قد تقود هذا البلد المترنح بين عقبات التسوية ومخاطر الانزلاق نحو العنف إلى مجهول أكثر خطورة .
بعيد اقتحام محتجين غاضبين مجمع سفارة واشنطن بصنعاء احتجاجاً على الفيلم المسيء إلى النبي محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، باشرت واشنطن خطوات حمائية بإرسال عدد محدود من جنود المارينز إلى اليمن وعواصم أخرى لحماية بعثتها الدبلوماسية بالتزامن مع عمليات إرسال سرية لعربات أمريكية عسكرية مدرعة قالت دوائر سياسية أن عددها وصل إلى 200 عربة مصفحة، فيما قالت صنعاء إنها 20 سيارة تتبع موظفين في السفارة الأمريكية .
ولا يعرف كثير من المسؤولين اليمنيين حتى اليوم الحصيلة النهائية لعدد جنود البحرية الأمريكية الذين وصلوا اليمن، غير أن التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن عددهم يناهز ال 210 جنود بينهم 60 جنديا كانوا متواجدين في اليمن لحماية السفارة الأمريكية منذ عهد النظام السابق، في حين أن عديد الجنود الذين وصلوا اليمن بعد عملية اقتحام السفارة يصل إلى 150 جنديا وأكثرهم يقيمون في مقر السفارة وفي فندق شيراتون المجاور للسفارة .
العدد المحدود للجنود لم يكن مثيراً لقلق العسكريين اليمنيين والخبراء الأمنيين لكن الأوساط السياسية بدت أكثر حذراً وأبدت مخاوف، خصوصاً بعد التقارير التي تحدثت عن قوات أخرى غير معلن عنها يتصدرها البوارج البحرية الأمريكية الراسية بالقرب من الشريط الساحلي الجنوبي لليمن، إضافة إلى بوارج أخرى رست مؤخراً بالقرب من جزيرة الصليف اليمنية على البحر الأحمر، فضلاً عن قوات الوحدة العسكرية الأمريكية العاملة في قاعدة العند العسكرية اليمنية في محافظة لحج الجنوبية والمزودة بعتاد حربي متطور إلى طائرات من دون طيار يضاف إليهم عدد غير محدود من الخبراء الذين يتولون منذ سنوات مهمات تدريب للجنود اليمنيين في إطار اتفاقيات التعاون العسكري والأمني .
وقياساً بموقف الخرطوم التي رفضت السماح بدخول قوات أمريكية لحماية بعثتها الدبلوماسية، بدت السلطات اليمنية في وضع حرج للغاية بعد تسريب أطراف سياسيين نافذين تقارير تحدثت عن سماح الرئيس عبد ربه منصور هادي بدخول قوات أمريكية إلى اليمن ما أثار موجة احتجاجات لا سابق لها .
وبدا الموقف الرسمي حيال هذه القضية مضطرباً ومتناقضاً، ففي حين وافقت الرئاسة على دخول عدد محدود من جنود مشاة البحرية المارينز إلى صنعاء لتعزيز إجراءات الحماية في مجمع السفارة وتأمين أعضاء بعثتها الدبلوماسية وفق مهمات محدودة، كانت الحكومة وأكثر مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية وكذلك القوى السياسية وشبان الثورة والمؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني تصدر البيانات الرافضة لدخول قوات أجنبية وتطالب برحيلها فورا باعتبار أن وجودها غير مبرر ولا يمكن وصفه سوى أنه مقدمة لاحتلال البلد ومصادرة قراره، خصوصاً بعد التجربة المريرة لليمن مع الطائرات الأمريكية من دون طيار التي كانت موضع احتجاجات وتجاذبات واسعة بعدما تسببت في سقوط ضحايا من المدنيين .
زاد من ذلك الاحتقان الذي خلفه سماح صنعاء بإنزال قوات مارينز أمريكية في الأراضي اليمنية في حين أن السفارات الأمريكية استهدفت بصورة أكبر في كثير من الدول العربية والإسلامية ولم يسجل فيها دخول أي قوات بما في ذلك الهجوم الذي استهدف سفارة واشنطن في ليبيا ومقتل السفير الأمريكي إلى عمليات اقتحام تعرضت فيها السفارات الأمريكية لآثار أكبر من التي حصلت في سفارتها بصنعاء .
احتجاجات ومواقف
على أن العام الجاري كان بحق عام الخلافات الكبيرة بين القوى السياسية اليمنية التي تتصارع لإنجاز اتفاق التسوية الخليجي واستكمال عملية الانتقال السلمي للسلطة، إلا أن الجميع بدوا متفقين على رفض تواجد القوات الأمريكية في اليمن إلى رفعهم مطلب واحد يدعو إلى رحيل هذه القوات، تحسباً لتداعيات أمنية خارج السيطرة .
أثار ذلك قلقاً أمريكياً وهو ما دعا الرئيس باراك أوباما وكذلك السفير الأمريكي بصنعاء جيراد فايرستين إلى التأكيد بأن عدد الجنود الذين وصلوا اليمن لحماية السفارة محدود جداً ومهمتهم محدودة داخل جدران السفارة، ناهيك عن تأكيدهم أن ترتيبات دخول هذه القوات تم في إطار تنسيق مع الحكومة اليمنية وليس قراراً أمريكياً منفرداً .
رغم التطمينات إلا أن اليمنيين لا يزالون ينظرون بتوجس وحذر شديد لهذه القوات التي يرى البعض أنها تحولت إلى عنوان صارخ لانتهاك سيادة البلد وسلب قراره الوطني بل وإخضاعه لاحتلال غير معلن في نظرة تشاؤمية مبالغ فيها، لكنها تستند إلى إرث ثقيل من التدخلات العسكرية الأمريكية المباشرة في اليمن .
علماء الدين كانوا من أكثر الجهات تشدداً في رفضهم تواجد القوات الأمريكية في اليمن، إذ أكدت هيئة علماء اليمن برئاسة الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان والمطلوب للسلطات الأمريكية في قضايا الإرهاب أن أية أشكال للتدخل الأجنبي في اليمن والمساس بسيادة البلد وأمنه واستقراره مدانة بل وخيانة عظمى، طبقاً لإحكام الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة ودعت الهيئة الحكومة إلى “حماية الأجواء اليمنية والإيقاف الفوري لعملية القتل التي ينفذها سلاح الجو الأمريكي على الأراضي اليمنية وإجراء تحقيق فوري في الجرائم المرتكبة بحق المدنيين وتعويض اسر الضحايا تعويضا عادلاً” كما طالبت “سرعة إخلاء الأراضي والمياه الإقليمية اليمنية من القوات الأجنبية ومنع بقائها تحت أي ذريعة كانت”، وتنفيذ قرارات مجلس النواب الذي طالب في وقت سابق برحيل القوات الأجنبية عن الأراضي اليمنية فوراً “لأن بقاءها واستمرارها يخالف شريعتنا ودستورنا وقرار مجلس الامن والأعراف والقوانين الدولية ويجعلها قوات محتلة يجب مقاومتها” .
وذهب علماء الدين إلى أكثر من ذلك وحذروا من “المخططات الخارجية التي تسعى إلى ضرب النسيج الاجتماعي اليمني وتمزيقه وإقلاق السكينة العامة ونشر أعمال الفوضى والتخريب وزرع بذور الفتنة والشقاق بين أبناء المجتمع اليمني المسلم” .
البرلمان اليمني بدا كذلك متشدداً في رفضه لوجود قوات أمريكية في اليمن صغيرة كانت أم كبيرة تحت أي ذريعة وطالب برحيلها فوراً، كما طالب الحكومة القيام بواجبها في حماية السفارات وتأمين حياة السفراء والدبلوماسيين من الأشقاء والأصدقاء والضيوف .
الضغوط التي خلفتها تقارير تحدثت عن وصول عتاد حربي أمريكي إلى الأراضي اليمنية أرغمت الحكومة الانتقالية إلى إعلان رفضها تواجد أي قوات أجنبية، كما أرغمتها الضغوط الشعبية إلى الإقرار بوصول قوات رمزية إلى صنعاء قالت إنها عبارة عن “وحدة صغيرة من الجنود في حالة استثنائية مؤقتة ومهمتها محصورة في حماية موظفي السفارة وبمجرد انضباط الحالة الأمنية في البلاد ستغادر تلك الوحدة اليمن فوراً” .
الحكومة الانتقالية بررت الموافقة الرسمية على دخول قوات أمريكية إلى الأراضي اليمنية بالاشارة إلى تواجد هذه القوات يعود إلى عهد النظام السابق وأن ما استجد في هذا الملف هو تعزيز هذه القوات بما لا يزيد على 50 جنديا بعد اقتحام محتجين لمجمع السفارة في الحادث الذي قالت إنه وضعها أمام خيارات صعبة ومنها خيار إقفال السفارة، وهو الخيار الذي لم تقبله الحكومة لتلافي انعكاساته السلبية في لجوء سفارات أخرى إلى إقفال أبوابها الأمر الذي يخلف أضراراً بالغة على المصالح الوطنية وسيضع اليمن في عزلة” .
شباب الثورة
كان شباب الثورة في الساحات من أكثر الفئات الاجتماعية التي عبرت عن موقفها الرافض لوجود القوات الأمريكية في البلاد ونظمت قطاعات نسائية شبابية تظاهرات وقفات احتجاج أمام منزل الرئيس عبد ربه منصور هادي لإعلان رفضهم وجود أي قوات أمريكية في صنعاء وطالبوا بسرعة رحيلها من البلاد باعتبار أن أي تواجد أجنبي في اليمن مرفوض قطعاً ومدان وغير شرعي بل وانتهاك صارخ للسيادة ولا يتوافق والقوانين اليمنية .
ولم يختلف موقف السياسيين اليمنيين عن ذلك إذ أبدى كثيرون مواقف مناهضة لتواجد القوات الأمريكية فيما اعتبروه كارثة وأكثر من ذلك أنه يلقي بالشكوك على مسار الثورة في اليمن .
ويقول الكاتب والمحلل السياسي عبد الباري طاهر أن أي تواجد عسكري أمريكي على الأراضي اليمنية هو بمثابة احتلال وبات الإنسان يشك في كل الأوضاع التي مرت بنا، يشك في بقاء الأوضاع معلقة وفي أسباب إعاقة الحل الثوري وحتى السياسي، وأصبح المرء منا يشك في كل ما حصل من اغتيالات وتدمير الجنوب وتأجيج الحروب على صعدة وفي تأزيم الأوضاع في الشمال .
ويشير طاهر إلى أن كل هذه الأمور والتساؤلات أصبحت موضع شك من الجميع، فهي تقودنا للوصول إلى ما وصل إليه العراق والصومال سابقا وأفغانستان . . . والموقف المفترض هو إدانة ورفض هذا الوجود والتصدي له بالاحتجاج السلمي والبيانات وكل الوسائل والأساليب السلمية الممكنة .
مخاوف كبيرة
أكثر المخاوف التي عبرت عنها جهات سياسية وناشطون ومثقفون استندت إلى الأوضاع المضطربة والحرجة التي يعيشها اليمن حاليا إذ رأى كثيرون أن وجود مثل هذه القوات في هذا الوقت قد يؤدي إلى مشكلات كبيرة، وبدلاً من أن يؤدي وجودها لحماية مقر السفارة قد تقود إلى نتائج عكسية تستغلها التنظيمات المسلحة وفي مقدمها تنظيم القاعدة الذي لم يتأخر هذه المرة في استثمار القضية، واستخدامها ذريعة لاستقطاب المقاتلين وتبرير نشاطه في الدفع بانتحاريين يعتقدون أنهم يتقربون إلى الله بعمليات انتحارية، تستهدف الأبرياء بذريعة تواجد قوات أجنبية في بلد الإيمان والحكمة . وحسماً للجدل الدائر بهذا الشأن سارعت السفارة الأمريكية في صنعاء إلى الإعلان رسمياً بأن نشر عناصر من مشاة البحرية في العاصمة صنعاء إجراء مؤقت وسيقتصر على حراسة مقر البعثة الدبلوماسية والعاملين بها عقب محاولة اقتحام السفارة من قبل محتجين على فيلم مسيء للمسلمين الأسبوع الماضي، كما أكد السفير الأمريكي بصنعاء جيرالد فايرستين أن مهمة العناصر الأمنية الإضافية تقتصر بصورة محددة على مساعدة منشآتنا الدبلوماسية وحماية العاملين في البعثة الدبلوماسية الأمريكية من العنف، كما أكد أن هذه الخطوات اتخذت بعد التشاور مع السلطات اليمنية .
لكن الناشط في ساحة الحرية في تعز، محمد عبد الولي، يرى أن قضية تواجد قوات أمريكية أو أجنبية في جزيرة العرب وفي اليمن كانت ولا تزال موضوعاً على درجة عالية من الحساسية بل وكان في السنوات الماضية شعاراً رئيسياً للتنظيم الذي تبنى قضية الجهاد لإخراج المشركين من جزيرة العرب، وبالتالي فإن وجود قوات في اليمن وإن كان بشكل رمزي لا شك سيستخدم شعاراً للتعبئة واستقطاب المقاتلين ما يجعل العاصمة صنعاء، مثلاً، مسرحاً لمواجهات طويلة الأمد لا يستطيع أحد التكهن بنتائجها .
يشير عبد الولي إلى أنه خلال الاحتجاجات التي نظمها ناشطون في تعز احتجاجا على الفيلم المسيء للنبي اندس مطلوبون بين المحتجين ووزعوا أعلام تنظيم القاعدة السوداء المكتوب عليها بالأبيض عبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” وحملها الشبان بطريقة بريئة قبل أن يحتج عليهم آخرون أعلموهم أن هذا العلم يخص تنظيم القاعدة، فيما تخاطفه آخرون رغبة منهم في تبني شعارات القاعدة طالما هي صرخة احتجاج على الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم .
لكن الناشط عبد الولي يرى أنه حتى لو صدقت التصريحات الأمريكية بأن تواجد هذه القوات مؤقت ومحدود، فإن ذلك باعتقادي لن يحل المشكلة بعد التحركات التي شرع فيها تنظيم القاعدة، الذي يحاول استثمار هذه الاحتجاجات، في شن هجمات على البعثات الدبلوماسية والتحريض على اقتحام سفارات نشاطات تؤشر إلى أن الخطوات القادمة ربما تكون أكثر خطراً وربما تحوّل اليمن وتحديداً العاصمة صنعاء مسرحاً لمواجهات بين الجيش والقوات الأمريكية من جهة وأبرياء لن يتوانى التنظيم الأصولي في الزج بهم في مواجهات بذرائع واهية .
تجارب مريرة
أكثر ما يخشاه اليمنيون هو حصول تداعيات أمنية خارجة عن السيطرة نتيجة تواجد القوات الأمريكية وهم ينطلقون من التجربة المريرة للطائرات الأمريكية من دون طيار ما يفسر الدعوات المتطرفة التي طالبت ردا على هذه الخطوة بإسقاط الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي أو التبرؤ منه على الأقل أو حتى خلعه، باعتبار أن القوات الأمريكية دخلت اليمن بموافقته هذه المخاوف عبّر عنها نواب في البرلمان اليمني وأعضاء في مجلس الشورى والذين أبدوا خشيتهم من تداعيات خارج السيطرة نتيجة تواجد هذه القوات في الأراضي اليمنية، إذ يؤكد النائب عن حزب المؤتمر، نبيل الباشا، وهو مقرر لجنة الشؤون الخارجية في المجلس النيابي أن وجود قوات أمريكية في العاصمة صنعاء سيسقطها بيد القاعدة ويحولها إلى ساحة صراعات . فيما دعا آخر لمساءلة الحكومة بالخصوص . ويشير النائب الباشا إلى أن وصول عشرات من جنود المارينز إلى صنعاء ليس له أهمية عسكرية إلا أنه يجرح مشاعر اليمنيين ويكسب القاعدة تعاطفاً قد يسقط صنعاء بيدها ويحولها إلى ساحة صراع مسلح كما حدث بعد انسحاب المارينز من الصومال والعراق .
ويقول عضو مجلس الشورى علي عبد الله السلال، إن التفريط بالسيادة الوطنية تحت أي ذريعة يعد خطاً أحمر، ويشير إلى أن اليمن دولة مستقلة وذات سيادة ولا نقبل بالتدخل الأجنبي في بلادنا سواءً الجنود أو المعدات العسكرية أو غيرها .
ويشير إلى أن السكوت عن التدخل الأجنبي سواءً من قبل القوات الأمريكية أو غيرها تفريط بالسيادة الوطنية التي ضحى الآلاف من الشهداء والجرحى في سبيل الحفاظ عليها .
السلال الذي اعتبر حماية البعثات الدبلوماسية من مهام الحكومة اليمنية، أكد أن التعاون بين اليمن وأمريكا أمر طيب ولا بأس به، ولكن يجب ألا يكون سبباً بدخول الجنود والعسكر الأمريكيين إلى البلاد، فالصديق يأتي للمساعدة وخدمة اليمن وليس للتدخل العسكري.
" الخليج " |
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
انشر في تيليجرام |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
| |