صعدة برس - *عـبـده مـحـمـد الـجـنـدي
لاشك بأن الشعب اليمني الذي تجرع مرارة الأزمة السياسية في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية, لم يعد بحاجة إلى تكرار الخطابات والكتابات التعبوية المثيرة للكراهية والأحقاد الجديدة لأنه لديه من التجربة ماجعله يشعر بأن إضافة كراهية إلى كراهية وأحقاد إلى أحقاد قد لاينتج عنها سوى الصراعات والحروب الأهلية الدامية والمدمرة لما هو بحاجة إليه من الوحدة الوطنية ومن الأمن والاستقرار الذي تحدثت عن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والقرارات الدولية.
ومعنى ذلك أن الحوار الوطني هو المرحلة الثانية البديلة لما حدث في الماضي من تنازع الخطابات والكتابات التحريضية التي راكمت تركة ثقيلة من الكراهية والأحقاد.. لأن الاستمرار بهذا النوع من الخطابات والكتابات الاستفزازية لاحصاد له سوى العودة إلى نفس المربع الذي انطلقت منه التسوية السياسية، في وقت توافق فيه الجميع على استبدال التداول السلمي للسلطة بعقلية وفاقية جديدة نتج عنها إخضاع الحكومة للشراكة الوطنية والإجماع على انتخاب رئيس الجمهورية بصورة أدت إلى إزالة الأسباب التي أدت إلى وجود أغلبية حاكمة وأقلية معارضة تستهدف الانقضاض على الأغلبية بوسائل وأساليب غير سلمية زجت الجميع في صراعات تضرر منها الجميع ولم يستفد منها سوى الأعداء الذين لايجدون مصالحهم إلا في الأجواء الدامية والمدمرة.
أقول ذلك وأقصد به أن الخطابات الحزبية الحالية لاتختلف عن الخطابات الحزبية السابقة وأن الذين وقعوا على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة بعد أن وصلوا إلى الاقتناع بأن أياً منهما لايستطيع الانتصار على الآخر واستبعاده من طريقه وأن الصراعات والحروب لاحصاد لها سوى الدماء والدمار والدموع, وأن الحوار هو البديل الأفضل لإزالة التوترات وتسكين الأحقاد وانتزاع مانتج عنها من الكراهية نظراً لما ينطوي عليه من إحلال لما يحتاجه الشعب اليمني من التعاون والتكافل والوفاق والاتفاق على مانحن بحاجة إليه من منظومة دستورية وقانونية ديمقراطية وعادلة لايستطيع فيها هذا الحزب أو ذاك التنظيم السياسي الحاكم أن يفرض إرادته المستبدة والمستغلة على ذلك الحزب وذلك التنظيم المعارض، لأن ديمقراطية الحوار ومشاركة الجميع في مجرياته ومعطياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية يولد لدى جميع الأطراف قناعات الاحتكام للإرادة الشعبية الناخبة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة عن هذا المرشح البرلماني وذاك المرشح الرئاسي على قاعدة الفرص المتكافئة المكفولة بقدسية الدستور وسيادة القانون..
وفي هذا الإطار بات من الضروري أن يستشعر الجميع مسئولياتهم ويراجعوا تحالفاتهم ومواقفهم دون حاجة إلى حشد المؤيدين بأساليب ووسائل دعائية مستفزة ومثيرة للأحقاد، لأن كل طرف يلجأ إلى الدفاع عن نفسه بلغة لاتقل سفاهة وعدوانية عن لغة الآخر في معركة دعائية لها بداية وليس لها نهاية, وليس فيها منتصر ومهزوم، رابح وخاسر، لأن الجميع معرضون للهزيمة وللخسارة, ومايترتب عليها من إضافة فساد إلى فساد ومعاناة إلى معاناة وفقر إلى فقر وبؤس إلى بؤس وتعاسة إلى تعاسة، لأن الكل يجب أن يعيد النظر في نظرته للآخر واعترافه بما له من الحقوق وماعليه من الواجبات الوطنية، لأن المواطنة المتساوية هي البنية التحتية الموجبة لهذا النوع من السلوك الحواري الحضاري أساسه يستوجب الاتفاق على أن تكون الحرية للجميع والديمقراطية للجميع والعدالة للجميع والسلطة للجميع والثروة للجميع والتنمية الاجتماعية والثقافية والخدمية التربوية والصحية والأمنية للجميع إلى غير ذلك من الحقوق والحريات الخاصة والعامة للشعب الكفيلة بإقامة الدولة المدنية الحديثة دولة النظام وسيادة القانون التي يتفق عليها الجميع رغم اختلافهم على كيفية الوصول إليها في أجواء منظمة للتعدد والتنوع، تهدف إلى تغليب رحمة الخلاف وفاعليته وقيادته الجماعية المنتجة والمبدعة على لعنة الكراهية والحقد الدامية والمدمرة للوحدة ومايحتاجه الجميع من الأجواء الوفاقية الآمنة والمستقرة، لأن لغة الحوار تحتاج إلى عقول مفتوحة ومتحررة وإلى قلوب ونفوس وطنية وإيمانية عامرة بالاستعداد للتعاون والتكافل في شتى ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى لايجد البعض في ضعف إيمانه وحبه للوطن والشعب مداخل لتمرير مالديه من مخططات انقلابية ترفض اليوم مااتفق عليه بالأمس وتنفي في الغد ما توقع عليه وتقتنع به بالأمس بصورة تكشف عن نوع من الباطنية التي تفقد نفسها ماهي بحاجة إليه مع الآخرين من الموضوعية والمصداقية المرسخة للثقة ولو بالحدود الدنيوية العاجلة والآجلة، الأمر الذي يستوجب على الجميع مراجعة مواقفهم وخطاباتهم وكتاباتهم وبرامجهم السياسية المبنية على قاعدة حوارية ضاربة جذورها في أعماق الاستشعار العظيم للمسئولية الوطنية الموجبة للمجاهرة وللمكاشفة بلغة صريحة نابعة من حرص على المصالحة الوطنية وماسوف يليها من قانون منظم للعدالة الانتقالية في أجواء حرة ومفتوحة، بعيداً عن اللغة المستفزة والأصوات النشاز التي لاتجيد سوى التحريض وقرع طبول الحرب.
- الجمهورية |