صعدة برس-متابعات - أكد الداعية الاسلامي الحبيب علي الجفري رئيس مجلس إدارة مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، بأن مناسبة المولد الشريف تشكل فرصة مهمة لدراسة شمائل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل أسرة ليجتمع أفرادها معاً علي قراءة الشمائل النبوية الشريفة، ومواقفه ورحمته، والإكثار من الصلاة عليه ونشر دعوة التسامح فيما بيننا، وإلى صلة الرحم وبر الوالدين والإحسان إلى الآخرين.
وفيما يتعلق بجواز الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكد الحبيب الجفري أن من حق من رأى عدم الاحتفال ألا يحتفل ما دام اجتهاده أوصله إلى التحريم، خاصة وأن المسألة ظنية وليست قطعية والقائل بعدم الاحتفال يعلم أن أدلته في ذلك ظنية وليست قطعية، فمن أدب العلم والإنصاف والإخلاص فيه ألا يفرض اجتهاده على الآخرين، خاصة وأن هنالك أئمة أكابر وحفاظ حديث كابن حجر العسقلاني والسيوطي وابن كثيروغيرهم أفتوا بجواز الاحتفال بالمولد النبوي وتعظيمه.
جاء ذلك خلال مقابلة أجرتها قناة روتانا خليجية ضمن برنامج اتجاهات مع الداعية الحبيب على الجفري بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، حيث تطرق الحوار أيضاً إلى عدد من المواضيع الساخنة، كصلة الدين بالسياسة، وخطورة الاستقطاب الحاد في التوجهات، واستخدام الخطاب الديني في ترجيح كفة الصراعات، وأهمية الارتقاء في الحوار، وما يعانيه الخطاب الإسلامي الراهن من أسلوب منفر إقصائي، والخلاف الصوفي السلفي، وأهمية التنوع في الشريعة حصناً لحماية الأمة وأخيراً الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والخلاف حوله وكيف نحب نبينا صلى الله عليه وسلم.
أكد الحبيب علي الجفري خلال اللقاء أن هناك فرقاً بين ممارسة العمل السياسي من قبل أصحاب الخطاب الإسلامي، وبين علاقة الدين بالسياسة من خلال ترشيد العمل السياسي، حيث إن ممارسة العمل السياسي يدخل فيه التنافس على السلطة، ويدخل فيها التنظيم الحزبي، ويدخل فيه المخاض التخصصي في السياسة، على أنه لا ينبغي أن يفهم من هذا الكلام أنه دعوة إلى عزل الدين عن الحياة، والسياسة جزء من الحياة، ولكن كون الدين يرشد ويتصل بمختلف جوانب الحياة فإن هذا لا يعطي لمن يعمل في ميدان الخطاب الإسلامي شهادة إتقان في كل العلوم وممارسة السياسة، فهذا السبب الأول، والسبب الثاني أن تحول الداعي إلى الله عز وجل إلى جزء من المنافسة على السلطة، يحول الخطاب الإسلامي من سقف يُلتجأ إليه ويستظل تحت ظله الجميع، إلى خصم وجزء من المعترك السلطوي ، وهذه من أخطر الأمور التي نمر بها.
أضاف الحبيب علي الجفري أن أحد أكبر المشاكل التي نعيشها اليوم هي الحدية والقطبية الشديدتين في خطابنا ، وإلباس الناس قوالب جاهزة، فالعلماني كافر، والشيخ صاحب خلق، أو تاجر دين، أو متحجر، والعلماني زنديق أو عميل للغرب، فهذه القوالب التي صرنا من خلالها نقيم حواجز بيننا وبين أن نصغي لأفكار من يعيش معنا في مكان واحد، هي إشكال كبير، يقابلها بنفس السبب أنني إذا اختلفت معك في فكرة، تصبح النظرة كأنني ضدك، وهذا خطأ وانحراف كبير ينبغي التنبه إليه.
وفي معرض رده على سؤال حول تأثير هذا التداخل الخاطئ بين الدين والسياسة على مستقبل الأمة قال الحبيب علي أن السياسة – وإن آتت بنتائج إيجابية آنية على المدى القصير- فإن مع سوء تصرفات متصدري الخطاب الإسلامي بما يُتوهم أنه نصرة للدين سواء عن حسن نية أو سوء نيةالنتيجة التراكمية ستتجه إلى اتجاهين أحدهما خطير جداً، وهو انتشار اللادينية في صفوف الشباب مما سيجعل نموذج العصور الوسطى مستحضراً في أذهان الشباب، وبالتالي نشوء جيل يستدعي نموذج الثورة التنويرية في أوروبا، التي أقصت الدين عن الحياة بعنف حتى شُنق آخر إقطاعي بأمعاء آخر قسيس. أما الاتجاه الثاني فهو تصاعد الكفة المقابلة لكفة الذين يتكلمون بالسياسة باسم الدين، وهذا أخف وطأة وأقل أهمية من الاتجاه الأول.
وقد توقع الحبيب علي الجفري سقوط أولئك الذين ينادون للسياسة باسم الإسلام في المرحلة المقبلة خلال بضع سنين يسقط فيها هذا المشروع المتوهم الذي يعيشه كثير من الناس، وقد يؤدي هذا إلى نشوء جيل اكتوى بنار تصرفات هذا النزاع، أو فعاليات هذا الصراع فقرر أن يستورد النموذج القادم من الغرب.
وتطرق فضيلته إلى استطلاع قامت به مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية في أبوظبي حول مواقف الشباب من الدين والخطاب الإسلامي في عدد من البلدان حول العالم، حيث قال أن النتائج أحصت أكثر من اثني عشر بالمئة لديهم إشكال مع الدين نفسه، وأكثر من ستين بالمئة لديهم إشكال مع محتوى الخطاب الذي يقدم اليوم، بينما أكثر من ثمانين بالمئة لديهم إشكال مع الأشخاص الذين يمثلون الخطاب الإسلامي. وقد رد الحبيب علي هذا إلى أربعة أسباب، ثلاثة منها أساسية والرابع مبني عليها، أولها هو الأمية الدينية فجيلنا لا يفقه دينه بشكل جيد، بل لا يفقه لغته العربية، حتى صار بينه وبين القرآن الكريم حاجز اللغة، أما الثاني فهو قبح الخطاب الإسلامي حيث إن الصوت العالي منه سيئ وسلبي ومنفر، وثالث الأسباب هو الهوة الحضارية التي نعيشها من تخلف تقني وصناعي وزراعي، أما الرابع فهو الانفتاح الذي نعيشه اليوم والذي صار أثره عكسياً فبدل أن يكون سبباً في انتشار الإسلام أصبح يخشى أن يكون سبباً في انحساره لما للعوامل الثلاثة الأولى من أثر جعلت الخطاب الإسلامي اليوم قاصراً في معالجة تلك الهوة الحضارية حتى أصبحت الأفكار والفلسفات المعاصرة لا تجد مقاومة ولا قدرة لدى الجيل على الانتقاء المفيد وترك الأخر.
ولخص الحبيب ذلك بإن المشكلة لا تكمن في متانة الإسلام، بل في متانة إيماننا نحن في الإسلام، في فهمنا للإسلام بالطريقة التي قدم إلينا بها الإسلام.
وبالنسبة للتنوع الديني والمذهبي وانعكاس ذلك على واقع الأمة أكد الحبيب بأن التنوع هو أساس الوحدة، و من دون التنوع ستنهار الوحدة لا محالة، إذ لا يمكن أن يجتمع الناس جميعاً على فكرة واحدة لا إجمالاً وتفصيلاً، ولا تصرفاً وسلوكاً وشعوراً.
وبالرغم من أن جميع آيات القرآن الكريم قطعية الثبوت إلا أن غالبها ظني الدلالة ما خلا آيات أصول العقيدة، بمعنى أن آيات القران الكريم التي أوردها الباري عز وجل في أكثر الأحكام تحتمل تحتمل الاجتهاد، مع أن الله كان قادراً سبحانه وتعالى وهو على كل شيء قدير أن يجعل جميع الأحكام الشرعية والنصوص التي وردت فيها والأدلة لا تقبل الاجتهاد، وإنما جعلها حمالة أوجه لتتناسب مع التنوع الموجود فيها. |