صعدة برس - صنعاء - رويترز: يسعى اليمن جاهدا للحفاظ على قيمة عملته بينما يستنزف احتياطياته النقدية لمكافحة حركات تمرد وصد هجمات القاعدة والقضاء على الفقر بهدف صيانة النظام الاجتماعي.
وأنفق البنك المركزي اليمني العام الماضي 1.6 مليار دولار تعادل ربع احتياطياته النقدية حاليا لرفع قيمة الريال من مستوياته المنخفضة القياسية وللمساعدة في تمويل واردات السلع الأساسية.
وقال وكيل البنك المركزي اليمني لرويترز في صنعاء في الآونة الأخيرة إن البنك لن يسمح بتحركات إضافية في قيمة العملة يشعر من وجهة نظره انها غير مبررة من الناحية الاقتصادية.
لكن بينما يتزايد اقتراب اليمن من أن تصبح 'دولة فاشلة' يعتقد محللون أنه سيكون من الأصعب هذا العام الحفاظ على استقرار عملته في مواجهة تداعي الثقة.
وبينما ينظر زعماء عرب بترقب لما يحدث في تونس حيث وضعت اضطرابات غذاها الفقر نهاية لحكم الرئيس زين العابدين بن علي فقد تثير أي أخبار اقتصادية سيئة متاعب لحكومة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي يحكم منذ السبعينات.
وأكد محمود قايد ناجي المدير العام للبنك الاسلامي اليمني ضرورة أن تحاول الحكومة والبنك المركزي تحفيز انتعاش صحي.
وقال ناجي 'الحكومة لا يمكن ان تقف كمتفرج على هذه التطورات. نعتقد ان هناك كثير من السياسات التي تقوم بها وزارة المالية والبنك المركزي في تقليص العجز في الموازنة وتنشيط الايرادات من القطاع غير النفطي وتحسين تحصيل الضرائب. كل هذه ممكن تؤدي الى ايجاد توازن في الموازنة وهو عامل اساسي في استقرار العملة'.
وبعد هبوط الريال 17 في المئة إلى مستوى منخفض قياسي بلغ 250 ريالا للدولار العام الماضي رفع صناع السياسة الذين عقدوا العزم على وقف تراجع الريال سعر الفائدة الرئيسي الى 20 بالمئة من 12 بالمئة دفعة واحدة وباعوا دولارات وقلصوا تدفقات العملة إلى الخارج.
وساعد هذا إلى جانب ارتفاع أسعار النفط في رفع سعر صرف الريال إلى نحو 214 ريالا للدولار الأمر الذي خفف الضغوط التضخمية المرتبطة بعوامل خارجية.
ورغم ذلك يحوم معدل التضخم في أفقر دولة عربية حول 12 في المئة بينما يصل معدل البطالة الى 35 بالمئة. ويعيش أكثر من 40 بالمئة من السكان البالغ عددهم 23 مليونا بأقل من دولارين في اليوم وهو ما يجعل الجوع واقعا شائعا.
وقال عبد الكريم سلام رئيس تحرير صحيفة الاقتصاد اليوم الاسبوعية إن الحكومة ينبغي أن تتوخي الحذر في تعاملها مع الازمة وإلا فستجازف بإثارة غضب الشعب. وتابع بقوله 'قسوة الاوضاع الاقتصادية والمعيشية تنعكس على سلوكيات الناس وتجعلهم اكثر نزقا وتأثرا وتحركا. واذا لم تتخذ التدابير من اجل حماية هذه الشرائح فهي تكون اكثر تذمرا من غيرها وهذا هو المعطى ولا سيما من التجربة التي عشناها مؤخرا في تونس والتي كان لها تاثير كبير على تحرك الشارع وكما هو حاصل الان في الاردن'.
ويسعر تجار التجزئة في صنعاء البضائع الأغلى ثمنا مثل أجهزة التلفزيون بالدولار ليحموا أنفسهم من تقلبات العملة المفاجئة لكنهم لا يرفضون الدفع بالريال.
لكن المتاجر الصغيرة مثل مخبر علي محمد ناصر لا تستطيع أن تبيع إنتاجها إلا بالعملة المحلية.
وقال ناصر 'طبعا ارتفعت الاسعار فاضطرينا ان نرفع السعر شوية وهذا أدى تأثير على الزبائن. في قلة (تراجع) من الزبائن لان الاسعار ارتفعت.' واضاف 'نضطر ان نعمل تخفيض في السعر على اساس بس اقبال الزبون. فيه بعض الاشياء نضطر ان نبيعها برأسمالها يعني على اساس نمشي السلع بقدر الامكان'.
وأضحى الارتفاع العالمي في أسعار الغذاء مبعثا لقلق متزايد.
وكانت الاحتجاجات الواسعة النطاق على ارتفاع أسعار الغذاء وارتفاع البطالة العامل الرئيسي في الاطاحة بالرئيس التونسي كما تشهد الجزائر احتجاجات مماثلة. وخفضت ليبيا الضرائب على الغذاء وطبقت الكويت اجراءات لدعم تكاليف الغذاء لمواطنيها.
واضطرت الحكومة اليمنية الى انفاق المزيد لدعم العملة والاقتصاد في وقت تحتاج فيه الى تحسين أوضاعها المالية الأمر الذي يجردها من ذخيرة قد تحتاج اليها لتفادي أزمة عملة جديدة.
وذكر محمد الميتمي استاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء ان علاج الوضع ليس سهلا. وقال الميتمي 'جميع المعطيات الاقتصادية بلا استثناء تقول ان وضع العملة الوطنية في وضع غير صلب واستمرار الظروف الاقتصادية الدولية والسياسة يمكن ان تؤثر على مسار سعر الصرف في اليمن'.
وأضاف 'الاحتياطي تآكل بشكل كبيرخلال الاشهر الماضية وبالتالي لم يعد وسادة احتياطية امنة وبالتالي من هذه الناحية البنك المركزي ليس في موقف صلب بل على العكس موقف لا يحسد عليه'.
ومع صعوبة دخول أسواق الديون العالمية لا يبقى للحكومة إلا خيارات قليلة لسد عجز الموازنة الذي يقدر بنحو 1.5 مليار دولار.وتنحصر الخيارات في الاستدانة من البنك المركزي أو طلب أموال من مانحين.
وتعتزم الحكومة التي تعتمد على عائدات النفط في 60 في المئة من ايراداتها بيع صكوك اسلامية بقيمة 500 مليون دولار هذا العام لكن قليلين يعتقدون ان الاصدار يمكن ان يكلل بالنجاح.
ولم يحصل اليمن حتى الآن الا على النذر اليسير من 4.7 مليار دولار تعهد مانحون بتقديمها خلال مؤتمر عقد عام 2006.
علاوة على ذلك قال صندوق النقد الدولي - الذي يتوقع أن يبلغ عجز الميزانية خمسة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي هذه السنة- انه لا يعتزم تقديم قروض جديدة لليمن بعد الموافقة على قرض قيمته 370 مليون دولار في آب/ أغسطس الماضي.
وفي اطار الاصلاحات الاقتصادية بدأ اليمن خفض دعم الوقود وهو عبء رئيسي على المالية العامة لكن يتعين عليه أن يفعل ذلك تدريجيا لتفادي اثارة السخط العام. وكانت خطوات سابقة لزيادة أسعار الوقود قد أشعلت أعمال شغب.
لكن لا يزال التزام الحكومة بتحسين الأوضاع المالية محل شك بعد أن أعلنت قبل أيام أنها ستخفض ضريبة الدخل على الموظفين إلى 15 بالمئة من 20 بالمئة.
ويجد اليمن نفسه واقعا بين مطرقة الانفاق للحفاظ على رضا المواطنين وسندان الحاجة الى ترشيد هذا الانفاق للمحافظة على الأموال العامة.
|