السبت, 20-ديسمبر-2008
 - د. عادل الشجاع د. عادل الشجاع -
إننا نعيش عصر تحريف الدلالات، فحرية التعبير أصبحت تعني الفوضى، ومراجعة الماضي يعني تشويه الحاضر وإظلام المستقبل، وأصبح الحوار عبارة عن كلمات وآراء تفوح منها روائح كريهة لتصفية الحسابات ومصادرة العقل وإلغائه..
يبدو أننا شعب يجيد الصراع والعنف وتمجيد الكراهية وإطلاق الأحكام المرسلة التي تنبعث من غرف القات المغلقة.

إن الصيرورة التاريخية تقول إن كل شعب معرض للوقوع في الخطأ، ونحن كشعب تكبله ثقافة الكراهية لدينا أخطاء وعندنا سلبيات كثيرة.
ولكن هناك فرقاً بين نقد الخطأ وتقديم البديل، وبين الرغبة الجامحة في استثمار السلبيات لإثارة السخط وزرع اليأس والإحباط.
فنحن نتكلم عن حرية الصحافة؛ لكننا ننتمي إلى ذلك المنهج الغوغائي، وإلى ذلك المنطق المعتوه والآراء الزائفة والغامضة.

إن الانتماء للوطن ليس كلمة إنشائية ولا أناشيد وطنية، فالانتماء الحقيقي هو الحفاظ على سلامة هذا الوطن وإعماره وتنمية مواطنيه.

فالانتماء الوطني مثله مثل انتماء أي عضو في جسد الإنسان إلى الجسد كله، فلا يستطيع الإنسان أن يلحق الضرر بأي عضو من أعضائه؛ لأن ذلك يضر بالجسد كله، فكيف بأولئك الذين يقلبون الحقائق ويخلطون الأوراق؛ مستخدمين لغة متدنية ومنهجاً يكرس من دعاوى الانفصال وتوسيع دائرة العنف والتمزق في وقت نحن بأمس الحاجة إلى استعادة روح التضامن على قاعدة تبادل المصالح وإسقاط منهج تبادل الاتهامات؟!.

إننا سلطة ومعارضة مدعوون إلى استغلال الحد الأدنى من الوعي السياسي وإدراك خطورة المشهد وإعادة النظر في التعبئة السياسية من أجل تلافي الأخطار المحدقة بالوطن.

نحن على أبواب استحقاقات انتخابية، وقد وصل الوعي لدى الجميع إلى أقصى نقطة في منعرج التردي، وواضح جداً أن القوى السياسية جميعها لم تستطع أن تخلق توافقاً وطنياً، وهذا يدل على انسداد الأفق، وأن المسار الديمقراطي لم ينفذ بعد بوضوح إلى جذور البناء الاجتماعي وخلق قاعدة جماهيرية مؤمنة بالديمقراطية ومؤمنة بثقافة الاختلاف، إضافة إلى أنه لم يتكون مجتمع مدني قادر على حماية المشروع الديمقراطي ويضمن له الاستمرارية.

إضافة إلى هذا وذاك فإن الانتهازية الاعلامية واقتناص الأخطاء، أدى كل ذلك إلى تآكل الجهاز الإداري وأصيب بالفساد وضعفت وسائله وآلياته، كل تلك العوامل مسّت مصداقية الأحزاب السياسية، يضاف إلى ذلك مقاطعة أحزاب المعارضة للانتخابات القادمة.

وهذا يؤكد أزمة تعانيها هذه الأحزاب التي فقدت بريقها والتي ركزت على ما هو سياسي وأهملت الجانب التنموي، وفي حقيقة الأمر فإن التنمية غائبة تماماً من قاموس وأجندة القوى السياسية اليمنية بمختلف توجهاتها.

وهذا يعني أن التعددية السياسية، أو بمعنى أصح الأحزاب السياسية، عجزت عن استيعاب العلاقة بين التنمية والديمقراطية، فالتعددية تحتاج إلى قاعدة تنموية صلبة، أما المضامين السياسية التي ترفعها أحزابنا فهي مضامين مشوهة لأنها عملت على تقويض قاعدة التنمية.

فلست أدري ما الذي يجعل المعارضة تعلن انسحابها من المجالات التي عملت من البداية على اختراقها والتحكم فيها؟!.

فلا نحن حصلنا على فوائد الاشتراكية التي تحققت في البلدان التي أعلنت الاشتراكية، ولا نحن حصلنا تلك القيم الدينية التي دعت إليها الأديان السماوية، فالأحزاب التي ينظر إليها اليوم على أنها أحزاب دينية، فهي ليست سوى أحزاب تسعى إلى خصخصة الدولة، ونتيجة لذلك فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تتجه بالبلاد إلى وضع مقلق.

فبالاضافة إلى غياب التنمية وغياب البنى التحتية المواتية وارتفاع نسبة الأمية الأبجدية والأمية الثقافية تشكل البنية السياسية والاجتماعية الحالية عائقاً أساسياً أمام تحقيق الدولة الوطنية.

فالدولة الوطنية اليوم تقف أمام منعرج مغلق، الأمر الذي يجعل كل القوى السياسية أن تراجع حساباتها وأن تُعمل العقل في الوقوف أمام مسئولياتها العقلانية من أجل رسم مشروع حضاري ومجتمعي يعمل على لملمة الوطن واستشراف المستقبل.

وأمام المؤتمر الشعبي العام فرصة تاريخية للاستفادة من الانتخابات القادمة؛ وذلك بأن يدفع بأكبر قدر ممكن من التكنوقراطيين بهدف تعزيز البرلمان بعناصر قادرة على التشريع والمراقبة من أجل ملء الفراغ الناتج عن الخلل الاجتماعي والسياسي الذي أشرنا إليه سابقاً.

عندما اتفقنا على التعددية والديمقراطية في التسعينيات من القرن الماضي كان الأمل أن تكون هذه التجربة الأهم والأكثر إلهاماً لدول الجوار على الأقل.
لكننا اليوم حولنا هذه التجربة إلى نموذج يصعب ترويجه نظراً لكثرة أزماته وبروز جوانب خلل هيكلي في تركيبة الأحزاب السياسية.

ولهذا فأنا أدعو جميع الأحزاب السياسية في السلطة والمعارضة إلى إعادة النظر في العملية الديمقراطية بما يحفظ الاستقرار السياسي الذي يتيح التنمية ومواجهة التحديات والتهديدات التي تواجه الدولة الوطنية، فهناك أحزاب وقوى سياسية تريد الانقلاب على مجمل الحياة السياسية.

وبصراحة أقول: إن الأزمة التي تمر بها الحياة السياسية تعد نتاجاً مباشراً لتراكمات سلبية جسدتها الأحزاب السياسية دون أن تستفيد من المتغيرات الحديثة.

- عن الجمهورية
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 06:47 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-117.htm