صعدة برس -
د. نعمان غالب
إن هيمنة السلم والتعايش والتفاهم بين شعوب الإنسانية لابد له من قنوات صافية عذبة الزلال تسهل تحقيقه بعيدا عن الأساليب القمعية والعنف والتطرف والإرهاب والغلو أو الحروب أسوة بالمعلم الأول للبشرية والمدرسة الحقيقية للرسول الأكرم محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي بدأ برنامجه السلمي الدبلوماسي قبل أن يبدأ الجهاد أو القتال من أجل نشر مفاهيم ومحاسن الإسلام إلى شعوب الأرض قاطبة وقد تمثل ذلك بإرسال الوفود الدبلوماسية عالية المستوى إلى الملوك والأمراء خارج نطاق شبه الجزيرة العربية وسار على منهاجه الخلفاء الراشدون والأمويون ومع ذوبان الزمن نشأت قيم ومثل وأخلاق رسخت ونظمت العلاقات الدولية ثم تطورت إلى أعراف دبلوماسية تهتم بدرجة التمثيل الدبلوماسي ودرجات الموفودين وكفاءاتهم وبرتوكولات استقبالهم ومعاهدات واتفاقيات وعقود الصلح وكيفية الرجوع عنها وأحكامها وكثير من أمور مهمة ما تزال كثير من الدول تعمل بموجبها في الوقت الراهن.
إن التوسع في الدولة العربية الإسلامية بسبب تحرك الفتوحات الإسلامية الواسعة التي شهدها زمن الخلفاء الراشدين أدى إلى احتواء وشعوب ذات حضارات وثقافات ونظم وأفكار وأيديولوجيات تحت رايتها وانتهى إلى بروز وبلورة الأدب الدبلوماسي العربي في تلك الفترة وفي المرحلة التي بعدها وتحديدا في العهد الأموي والعباسي في الأندلس.
وإذا كانت الثقافة التاريخية مهمة للأشخاص العاديين فهي من باب أولى تعد أكثر أهمية لرجالات السلك الدبلوماسي الذي يرتجى منهم أن يمثلوا دولهم بكل ما فيها من أطر فكرية وحضارية ولا يتم ذلك إلا من خلال إثراء الوعي الإنساني المستنير الراشد للثقافة الذاتية بالعمق الحضاري العام ,وفي اللحظة التي نشهد فيها نتائج الإنجازات المعلوماتية والتكنولوجية والأرقام الحسابية الإلكترونية -غير متخيلة – هناك قوة ميتافيزيقية غيبية تجذب الشعوب إلى ماضيها لتجسيد أبجدية الحياة وأسسها تنقيبا عن قيم الأصالة فالأمة التي تكون أنظمة الحياة فيها ومنها النظام السياسي مبتورة الجذور تبدو تائهة وعائمة وسط هذا العالم المفتوح وليس بمقدورها أن تثبت على قرار صائب حكيم يخدم حضارتها الإنسانية وإظهار محاسنها إلى الآخر في كل مكان وزمان .