- بين من يعتبره من أرباب الأسر حصن الفضيلة المنيع لإيداع ابنته أو من يهمه أمرها فيه، وبين من يرى - من السواد الأعظم - مجرد التفكير بالانضمام إليه "عيبا"، إن لم يكن مبررا كافيا يعزز من قناعته في منع وحرمان ابنته من مواصلة التعليم الجامعي ؛ يبرز سكن الطالبات بجامعة صنعاء

الأربعاء, 24-ديسمبر-2008
صعدة برس-السياسية: فاطمة هاشم -

بين من يعتبره من أرباب الأسر حصن الفضيلة المنيع لإيداع ابنته أو من يهمه أمرها فيه، وبين من يرى - من السواد الأعظم - مجرد التفكير بالانضمام إليه "عيبا"، إن لم يكن مبررا كافيا يعزز من قناعته في منع وحرمان ابنته من مواصلة التعليم الجامعي ؛ يبرز سكن الطالبات بجامعة صنعاء كأحد أهم الأماكن التي فرضتها مقتضيات الحاجة الملحة ومتغيرات الحياة الجديدة والمعاصرة من أهمية للتعليم الجامعي خاصة بالنسبة للفتيات في اليمن وغيره من البلدان العربية.


غير أن ما يثير أكثر من سؤال، ويفتح الباب على أكثر من احتمال، وبما يجعل من السكن يبدو أشبه بعالم مليء بالمتناقضات والمفارقات المثيرة للاهتمام، خاصة في ظل حرص القائمين عليه إحاطته بسياج منيع من حالة التكتم والسرية، بروز شكاوى وتظلمات لا حصر لها في أوساط طالبات السكن ممن تفاوتت نظرتهن له بين من اعتبرنه لا يتجاوز بالنسبة لهن مجرد "مكان للنوم" يعدن إليه نهاية النهار، وبين أخريات صورنه على أنه "سجن منيع"، تشكو فيه بعضهن مما وصفنه بأسلوب "التمييز" والتعامل "اللاإنساني"، وشكاوى أخرى لا تخلو بعضها من الكشف عن حجم التناقض والمفارقة في إجابات بعض الطالبات.
سرية وتكتم
من واقع الزيارة الميدانية الأولى التي قامت بها (السياسية) للسكن قبل أن نتفاجأ بعدم سماح القائمين عليه لنا بتكرار زيارة السكن مجددا، والرد على شكاوى وتظلمات الطالبات التي تقدمن بها للصحيفة الأمر الذي اشترطن فيه عدم ذكر أسمائهن خوفا من تعرضهن للعقوبات والمساءلة من قبل إدارة السكن ورئاسة الجامعة بتهمة التحدث لوسائل الإعلام.
ويفرض القائمون على السكن سياجا منيعا من التكتم والسرية، ما حال دون الحصول على الكثير من الإجابات والتحقق من كفاءة المشرفات على السكن والكثير من التفاصيل المتعلقة بالخدمات المتاحة في السكن.
تعامل غير لائق
تتركز شكوى الطالبات -كما تقول إحدى الطالبات- على الطريقة والأسلوب الذي يتم فيه "التعامل" معهن ومع أولياء أمورهن من قبل إدارة السكن وقالت: "تعامل إدارة السكن معنا ومع الجميع سيئ جدا وكأنها تتعامل مع حيوانات وليس طالبات جامعيات، حتى أولياء الأمور تتعامل معهم بشكل سيئ".
وتستشهد الطالبة بأحد المواقف وتقول: "في مرة من المرات رأيتها تستهزئ برجل في سن والدها وتتعامل معه بغير أخلاق".
أما المشكلة اليومية بالنسبة لطالبة أخرى هي إغلاق البوابة الرئيسية الخاصة بساحة السكن، وعدم السماح لنا بالدخول منها من قبل الحراس ممن لا يهتمون لأمرنا ويستهزئون بنا ويمنعون دخولنا منها، مطالبين إيانا بالدخول من البوابة الرئيسية للجامعة رغم بعدها وما تشهده من ازدحام واختلاط لطلاب الجامعة".
ثلاث في غرفة
أما إحدى الطالبات فإن شكواها تكمن في أمنيتها بالحصول على غرفة منفردة لعدم إحساسها بالراحة في غرفة تشاركها فيها زميلتاها وتقول: "أتمنى أن تكون لي غرفة خاصة بي، لكن ذلك صعب، لأنه يتم تسكين ثلاث طالبات في غرفة واحدة، عدا طالبات كلية الطب والماجستير، حيث تسكن في كل غرفة طالبتان فقط".
تطفيش
ورغم صعوبة حصولها على غرفة منفردة إلا أن ذلك الأمر ليس بالعسير على طالبات أخريات ممن تشير الطالبة نفسها إلى أنهن يفتعلن المشاكل مع زميلاتهن بالغرف من باب تطفيشهن، ولكثرة الشكاوى وتفاديا للمشاكل، يتم تمكين الطالبات (المشاغبات) من السكن في غرف منفردة، وتقول بلكنة متحسرة: "أنا لا أحب افتعال المشاكل مع أحد لكني أتمنى لو أن لي غرفة منفردة".
وما يضطر بعض الطالبات اللواتي لا يتوافق هواهن مع بعضهن البعض إلى البقاء على مضض مع بعض الطالبات ممن يتم فرضهن عليهن كما هو الحال مع طالبة سادسة قالت: "تعرفين أن هناك تفاوتا في المستوى الأخلاقي والتربوي بين الطالبات في السكن، وأنا سكنوني مع طالبة لم يعجبن سلوكها ولم يتم الموافقة على تغيير غرفتي إلا بعد شق الأنفس".
تجارب سابقة
من إجابة بعض الطالبات حول وجود الكوادر الاجتماعية والتربوية من المشرفات يتضح أنهن لسن ذوات الكفاءة العلمية والدينية والعقلية ممن يمتلكن القدرة على قتل أي خوف أو قلق يجول في خاطر أي من أرباب الأسر بشأن تأثير مجتمع سكن الطالبات على بناتهم.. تقول طالبة أخرى – طلبت هي الأخرى عدم ذكر اسمها- "المشرفات هن عبارة عن طالبات عاديات من الخريجات أو ممن كان لهن تجربة سابقة في السكن".
ومع أن المشرفات "يقمن بدورهن على أكمل وجه" -حسب الطالبة نفسها- "إلا أن الملاحظ ممارسة بعض المشرفات للتمييز بين بعض الطالبات، وذلك تبعا لقربها من الطالبة وعلاقتها بها"، على حد وصفها.
تؤكد طالبة – طلبت عدم ذكر اسمها - "عدم السماح للطالبات بالخروج من السكن ولو حتى لظرف صحي طارئ . بينما تختلف أخرى مع هذا الرأي في تناقض واضح عن واقع الخدمات المقدمة داخل السكن وتقول: "يوجد في السكن أكثر من طبيبة.. أي طالبة تتعرض لوعكة صحية يتم إسعافها بسيارة الإسعاف الخاصة بالسكن ومعالجتها ومن ثم إرجاعها للسكن".
والمؤذي حقاً ـ والكلام لطالبة أخرى ـ هو عدم السماح باستخدام الإنترنت داخل السكن، مع أن من المفارقة أن تجد هناك طالبات في السكن لديهن أجهزة كمبيوتر محمولة، ومن المحتمل حسب نفس الطالبة "استخدام البعض منهن للانترنت عبر أجهزة الموبايل الخاصة بهن".
كل على هواه
من واقع استقصاء آراء الطالبات فإن الضوابط في السكن لا تتعدى حدود التقيد والالتزام بمواعيد الدخول والخروج في المواعيد المحددة.
تقول طالبة: "من أبرز القوانين والضوابط والاشتراطات التي يجب على الطالبات التقيد بها، الالتزام بمواعيد فتح وإغلاق السكن والعودة قبل إقفال بوابة السكن التي تغلق عند السابعة مساءً وتفتح عند السابعة صباحا".
ورغم اتفاق الكثير من الطالبات في الحديث بصرامة الإجراءات العقابية التي يمكن أن تتعرض لها أية طالبة من طالبات السكن في حال تغيبها عن السكن لأي سبب كان من الأسباب، وتتدرج تلك الإجراءات بعدد مرات الغياب بداية بإنذار وإعلام ولي الأمر في المرة الأولى، ليصل إلى حد الطرد والفصل من السكن في حال استمرار الغياب وتكراره لأكثر من مرتين أو ثلاث، إلا أن واقع الحال يجعل من الباب مفتوحا على أكثر من احتمال خصوصا تجاه ما يدار من حديث في أوساط الطالبات عن وجود بعض المجاملات والتمييز في طريقة المعاملة التي تمارسها بعض المشرفات مع بعض الطالبات.
سرقات
لا توجد حسب غالبية طالبات السكن أية صعوبة أو مشكلة لديهن في التقيد والالتزام بمواعيد فتح وإغلاق بوابة السكن خاصة وأن هناك متسعا كبيرا من الوقت أمامهن يترك لهن حرية التصرف فيه بعد انتهاء المحاضرات الدراسية.
ودخول السكن حسب الطالبات ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض، حيث من شروط دخول السكن توكيل وكيل بصنعاء من ولي الأمر، أخ أو خال أو عم أو ما شابه ذلك من المحكمة، وكذا إعطاء ورقة فيها موافقة ولي الأمر بوجود ابنته في السكن معمدة من المحكمة، أما بالنسبة للرسوم فهي عشرة آلاف ريال يمني (ما يعادل خمسين دولارا) سنويا للمستجدات، وسبعة آلاف وخمسمائة للطالبات السابقات، وعلى كل طالبة كفاية نفسها من الغذاء مقابل تكفل إدارة السكن بالماء والكهرباء والغاز.
ما يشد الانتباه، تشير طالبة أخرى في معرض حديثها عن بعض التصرفات "كثيرا ما نسمع ونكتشف تعرض بعض الأكل الخاص بنا للسرقة من الثلاجات".
ولا تقتصر السرقات على محتوى الثلاجات، بقدر ما تتجاوز ذلك لتصل حد التعدي وسرقة الهواتف النقالة والمقتنيات الشخصية الثمينة، كما حدث مع الطالبة نفسها، التي أشارت إلى حادثه سرقة تلفونها ومحاولة سرقة الكمبيوتر المحمول الخاص بها.
دموع وتعنت
ووفق طالبة أخرى فإن "المعاناة اليومية التي نعيشها وليس لها من حل، لم تعد لنا ثقة بعمادة الإسكان بعد أن تقدمنا بعشرات الشكاوى التي لم تجد أذناً صاغية، وحتى مشكلة المياه التي كنا نفتقدها لليومين والثلاثة لم تحل، وانقطاع التيار الكهربائي من حين إلى آخر خصوصا أيام الامتحانات".
أما طالبة أخيرة كنا التقيناها إلى جانب إحدى زميلاتها باب رئاسة الجامعة أثناء محاولتنا الحصول على أذن بزيارة السكن حسب طلب أدارته وإجابة للكثير من شكاوى الطالبات من رئاسة الجامعة، فإن شكواها تكمن كما تقول: "أنا طالبة ماجستير سنة ثانية ومديرة السكن رفضت تسكيني وزميلتي في السكن بحجة أننا طالبات ماجستير، وطلبت منا أخذ الموافقة من رئاسة الجامعة التي رفضت السماح بتجديد السكن لنا بمبرر أن هناك قرارا استحدث العام الجاري يقضي بعدم قبول طالبات الماجستير في سكن الطالبات، مع العلم أن هناك طالبات خريجات مقيمات في السكن وحصلن على وظيفة" .. وتتساءل الطالبة: "مش حرام أن لا يكون لدينا أهل هنا ونحن طالبات ولا نجد سكنا بينما الموظفات يسكنوهن.. وأين نجلس في الشارع"؟!( تبكي).
في المقابل، رفض الدكتور خالد طميم رئيس جامعة صنعاء، بداية منحنا إذن بزيارة السكن مجددا حسب طلب إدارة السكن، كما رفضت رئاسة الجامعة التفهم والتجاوب مع شكاوى الطالبات اللاتي تقدمن بها لـ«السياسية»، ما دفع الطالبات لاشتراط عدم الكشف عن هويتهن خوفا من تعرضهن لأية عقوبات من إدارة السكن ورئاسة الجامعة بتهمة التحدث إلى وسائل الإعلام والصحفيين ممن كان رئيس الجامعة قال أثناء لقائنا به في مكتبه: "إن الصحفيين ممنوعون من دخول السكن .. السكن وجد للطالبات اللاتي لا يوجد معهن مكان للنوم". وأضاف: "لن نسمح لأي صحفي الدخول للسكن وتشويه سمعة الطالبات والتشهير بهن". وتابع في معرض رده على توضيحنا له بأن هدفنا معالجة مشاكلهن وليس تشويه سمعتهن كما يعتقد "لا يوجد مع الطالبات مشاكل.. ابعدوا عنهن أفضل"!

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 05-ديسمبر-2024 الساعة: 02:05 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-136.htm