الجمعة, 26-ديسمبر-2008
 - د. بهجت قرني د. بهجت قرني -
نهاية عام وبداية عام جديد تدفع كل منا للتأمل، كأنك في طائرة فوق السحب، تبتعد عن الصغائر وتنظر إلى الصورة الأكبر، ومع نهاية 2008 بآلامها، تبحث عن الآمال في 2009. لم يعرف عام 2008 تغييراً يُذكر في سياسة المنطقة العربية، فالصراعان الفلسطيني -الإسرائيلي والفلسطيني -الفلسطيني لا يزالان على أشدهما، وحرب العراق لاتزال حامية الوطيس وباهظة التكاليف، الخلاف الجزائري -المغربي مستمر، كما أن الفشل في حل مشكلتي دارفور والصومال لا يمكن إخفاؤه بالمرة. صحيح أن هناك تسوية لبعض الخلافات العربية -العربية، ومحاولة تقوية التواصل وأواصر التعاون، مثل مشروع بناء القنطرة الشهيرة بين البحرين وقطر، أو من المغرب إلى أوروبا عبر جبل طارق، أو إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين دمشق وبيروت... لكن الصورة العامة التي تسيطر على إدراك العرب عن عام 2008 الذي ينصرم هي صورة معاناة.

لاشك أن أهم رموز هذه الصورة القاتمة هو "جزمة" الإعلامي العراقي منتظر الزيدي التي انطلقت في وجه الرئيسي الأميركي جورج بوش أثناء زيارته الأخيرة للعراق، والتي حوَّلت هذه الزيارة من زيارة وداع إلى زيارة مهانة، ولا يزال الجدل حاداً حول هذه "الجزمة" وهل هي أسلوب حضاري أم همجي وسيستمر هذا الجدال لفترة.

لكن من المؤكد أن هذه الجزمة "عولمت" رد فعل غالبية العراقيين والعرب على الغزو الأميركي للعراق وبقاء القوات الأجنبية هناك حتى الآن.

إذا كان قذف "الجزمة" هو فعل محدد في الزمان والمكان، وانتهى بمجرد حدوثه، فالعكس تماماً مع حدث آخر سيطر على الشهور الأخيرة من عام 2008 وسيستمر بالتأكيد خلال 2009، وأقصد به الأزمة المالية العالمية التي تنقلب الآن إلى أزمة اقتصادية طاحنة ذات آثار مباشرة على المنطقة العربية، إذ نتذكر مثلاً أنه حتى قبل ثلاثة شهور كان الهدف هو وقف ازدياد سعر برميل البترول حتى لا يتعدى 150 دولاراً لما لهذا الارتفاع من آثار على النمو الاقتصادي العالمي، بل طالبنا البعض بالاستعداد لبرميل بترول يصل في الزمن القريب إلى 200 دولار، الآن انخفض سعر البرميل إلى أقل من 40 دولاراً.

ورغم أن بلداً مثل مصر له خصوصيته في حجم السكان وهيكل الاقتصاد، فإنها لن تنجو من تداعيات الأزمة المالية العالمية، فقد يفقد عدد من المصريين العاملين في الخليج عملهم، وبالتالي تفقد الدولة تحويلاتهم التي تشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد المصري ومعيشة سكانه، ولن تستطيع الحكومة المصرية توفير عمل لهؤلاء رغم مؤهلاتهم وخبراتهم التي تحتاجها لأنها ستكون مشغولة بمواجهة مشكلات أخرى، سواء بسبب نقص عدد السياح أو نقص عائدات قناة السويس المترتبة على تدهور حجم التجارة العالمية وعدد السفن التي تمر بالقناة، ولن تستطيع الحكومة المصرية تعويض هذا النقص في تحويلات العمالة المصرية أو رسوم القناة أو عائدات السياحة بطلب بعض المساعدات الأجنبية من الدول الغنية، لأن هذه الدول نفسها تحاول التكيف مع الأزمة التي تواجهها، سواء إفلاس البنوك والشركات العملاقة أو زيادة البطالة بأعداد غفيرة.

النقطة الإيجابية في هذه الصورة القاتمة لعام 2008 هو ما حدث في نوفمبر من انتخاب باراك حسين أوباما ليكون الرئيس الجديد للولايات المتحدة، ومثلاً قبل انتخابه بأيام كتبت جريدة "لوموند" الفرنسية في عنوانها الرئيسي: "إن العالم يُصوّت لأوباما"، وهو فعلاً بأصوله الإسلامية ودمائه الأفريقية قد يكون "الأمل الجديد" في أميركا والعالم.

لكن حذار من الإفراط من التوقعات المتفائلة المفرطة حتى لا تكون خيبة الأمل كبيرة، فالرئيس الأميركي محكوم بقواعد حزبه الديمقراطي وهياكل نظامه الأميركي، ثم إنه يواجه تحديات داخلية ستكون لها الأولوية في اهتماماته، وبما أنه سياسي قبل كل شيء فإن أعينه وعيون معاونيه ستتركز على جولة الرئاسة الثانية في عام 2013.

ستكون سنة 2009 مليئة بالتحديات للمنطقة العربية، ولن نشعر إذن بالملل، بل المهم أن نتأمل ونواجه ولا نقتصر على سياسة رد الفعل.

- عن الاتحاد الإماراتية
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:20 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-150.htm