الأحد, 11-يناير-2009
 - عبدالله السالمي عبدالله السالمي -

في مسلسل الإبادة المتواصل على الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، وبقدر ما كشف الكيان الصهيوني عن عجزه في الإتيان على المقاومة وشل حركتها فقد أبان في الوقت نفسه عن موقفين عربيين من المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، تجلى أحدهما في مسيرات شعبية غاضبة طالت مختلف البلدان العربية، تنتقد التخاذل العربي الرسمي، وتدعو لمواقف حاسمة توقف النار عن غزة وأهلها، وتؤكد جاهزية الشعوب لتقديم شتى أشكال الدعم المؤازرة..


وفيما جاء الموقف الثاني على هيئة نكوص غير مبرر للكثير من الأنظمة العربية، ليس عن التحرك – ولو سياسياً ودبلوماسياً- على صعيد تأكيد حق المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الصهيوني الغاشم، وإنما عن استنكار ما يتعرض له أطفال ونساء غزة من إبادة لم تعد تفرق معها آلة حرب الكيان الصهيوني بين رجال المقاومة والمدنيين.. فإن تطاول بعض الأنظمة العربية حدّ تحميلها المقاومة الفلسطينية مسئولية ما تتعرض له غزة وأهلها من دمار لهو ما يؤكد تبرئة هذه الأنظمة للكيان الصهيوني، ومشاركتها له في خطواته الرامية إلى وأد المقاومة على مستوى الداخل الفلسطيني في غزة وسواها، ومن ثم لدى الإنسان العربي بشكل عام.


وعلى اعتبار أن آلة حرب الكيان الصهيوني بعدوانها الوحشي المتواصل على غزة قد كشفت بالمعايير العسكرية عن قوة المقاومة الفلسطينية من جهة، وتواطؤ الكثير من الأنظمة العربية من جهة أخرى، فإن جهازها الإعلامي، الذي استطاع أن يجند معه العديد من وسائل الإعلام العربية – لاسيما الرسمية منها أو التي يمولها أثرياء لهم ارتباطهم بالأنظمة- قد كشفت هي الأخرى، ولكن بالمعايير الإعلامية، عن تواطؤ عربي رسمي ينحاز بالإعلام، على النقيض من إرادة الشعوب، بما يخدم توجهات الكيان الصهيوني الرامية إلى إطفاء جذوة المقاومة في الوجدان العربي، وسلبها حق الوجود على الأرض.


تلك – إذاً- هي صورة ما استقر عليه الحال في الوطن العربي حيال المقاومة.. فما بين موقف رسمي يجنّد سلطاته السياسية والإعلامية والاقتصادية – وحتى العسكرية- لمزيد من تناسي فكرة المقاومة، بل ونبذها، ومقاطعة من يتمثلونها في الميدان إزاء المحتل، نجد أن الشعوب لم تزل على عنفوانها الذي تجاهر معه برفضها للاحتلال، ووقوفها إلى جانب حركات المقاومة، وكذلك التعبير عن سخطها من المواقف العربية الرسمية، وإشعار الأنظمة المتواطئة بأن إشهار المقاومة في وجهها قد يكون الأوجب ابتداءً، أو فاتحة الطريق إلى الانضمام لصفوف المقاومة في فلسطين وسواها من البلدان العربية التي لم تبارحها جيوش الاحتلال.


وإذا كان ضعف موقف الإنسان العربي – عن إبداء أكثر من مجرد التعبير عن تأييده للمقاومة ودعمه لها- يأتي من كون أن من يمسك بزمام الحكم في البلدان العربية هو الذي يشل فاعلية مؤسساتها السياسية والعسكرية والإعلامية والاقتصادية.. وبما يجعل من سلطة الأنظمة تفوق عدة وعتاداً سلطة شعوبها الثورية، إلا أن كرسي الحكم في الوطن العربي لا يمكن له تمرير ثقافة القنوع والتطبيع على الشعوب ما لم يكن فيها من حملة الفكر وصناع الرأي من يتبنى ذات الأجندة الرسمية المتخاذلة، ويعمل على استطالتها شعبياً وجماهيرياً، وهنا تتأكد خطورة ما يلعبه المثقف من دور، وما يضطلع به من مهمة..


وعلى صعيد ثقافة المقاومة فإن الموقفين العربيين الرسمي والشعبي – سالفي الذكر- تجاهها قد انعكسا على المثقفين العرب- أو تمثلا فيهم بتعبير آخر- ليتم الحديث عنهم من زاويتين مختلفتين، تجعل الأولى الانحياز إلى الشعب معياراً توصف به مواقف المثقف الذي ينحو هذه الوجهة بثقافة المقاومة.. بينما يكون الالتصاق بالسلطة في الثانية هو ما يذهب بصاحبه إلى استحقاق اسم مثقف السلطة، ومن ثم بوقها الناعق بالهوان وثقافة الخذلان والتبعية..


ومع أن الأنظمة العربية لم تأل جهداً في استمالة الكثير من المثقفين إليها علّهم يلبسون سياساتها الكيدية مسوحاً ثقافية قد تخفي عنها القبح ولو إلى حين، إلا أن عددهم من القلة إلى الحد الذي يمكن معه النظر إليهم بوصفهم استثناء في النسق الثقافي العربي، بينما القاعدة أن المثقفين العرب لم يزالوا على ارتباطهم الوثيق بمطالب المجتمع التي تقف المقاومة على رأسها.


إلا أن هذه المعادلة، وبقدر ما تشعرنا باستحالة قدرة الأنظمة على شطب المقاومة من قاموس الثقافة العربية، لا تعفينا من الشعور بالقلق على مستقبل المقاومة كمواقف فكرية ونضال عملي على حد سواء.. ذلك أن ما يطالعنا به بعض المثقفين العرب عبر وسائل الإعلام المختلفة من مواقف ثقافية تكرّس الهزيمة في النفسية العربية، وتسلب منها مجرد التطلع إلى المقاومة والتفكير فيها لهو ما ينذر بتزايد وتيرة قمع الأنظمة العربية لفكر المقاومة لدى شعوبها، في الوقت الذي يواصل فيه الكيان الصهيوني في فلسطين –كمثال- محاولة تصفية المقاومة ميدانياً، بما يعني في النهاية وضعها منفردة في مواجهة حروب يشن عليها الكثير منها العرب بالوكالة، إن بقوة الحديد والنار، أو الثقافة والإعلام.


وفي هذا السياق فإن المثقف العربي الأكثر ارتباطاً بروح المقاومة، وبدلاً من أن يتفرّغ لمهمتي تأكيد المرجعيات الفكرية التي تبقي روح المقاومة في الذهنية العربية على اتقادها شعبياً وجماهيرياً أولاً، وكذلك فضح ثقافة المحتل القائمة على سلب المظلوم حق الانتصار في وجه ظالمه والانتقام منه ثانياً، فإنه وجد نفسه في مواجهة مواقف عربية تجاوزت الخذلان الرسمي من قبل الأنظمة العربية للمقاومة وتواطئها مع المحتل في سبيل الإجهاز عليها إلى ما هو أبعد.. إذ ما إن يعلو صوت ثقافي عربي بأبجديات المقاومة حتى ينتصب له آخر- يحمل وثائق الانتماء الرسمي لهذه الأمة- معلناً عن تنكّره لها، وانحيازه إلى المحتل المعتدي، يبرر له همجية نظامه، ووحشية آلة حربه، وكأن أشلاء من حصدتهم، ودماء من أزهقت أرواحهم لا تعني له شيئاً!!

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-153.htm