- عنقود العنب الذهبي

الجمعة, 04-أكتوبر-2013
صعدة برس-وكالات -
(أ ف ب)
يعيش 128 مليون ياباني فوق اكثر من 3000 جزيرة لا تتعدى مساحتها مجتمعة سدس مساحة المملكة السعودية او ثلث مساحة مصر, لكن خصوصية اليابانيين وعنادهم وإقبالهم على إعادة إعمار بلدهم بعد قليل من انزياح الغبار الذري الذي أثارته قنبلتي هيروشيما وناغازاكي وخلف مئات آلاف القتلى, ولد "المعجزة اليابانية".
تربعت اليابان اقتصاديا كواحدة من أكثر الدول تقدمًا في العالم. وباتت تعرف بعلاماتها التجارية مثل تويوتا وسوني وفوجي فيلم وباناسونيك وروبوتاتها التي تتمتع بشهرة عالمية. لكن الواقع ذهب أبعد من الحلم عندما تبلورت معجزة أخرى غريبة جدا وواقعية جدا تتمثل بأن مساحة الدولة التي تأكل الجبال ثلاثة أرباعها وتعب المدن الكبرى الكثير من المساحة المتبقاة ولا تترك للزراعة سوى اقل من 15 بالمئة أنبت فيها اليابانيون فاكهة وصل سعر الغرام منها أغلى من غرام الذهب بعشرات المرات.. غرام من العنب او التفاح او البطيخ اغلى من غرام الذهب? نعم! وأحيانا بمئات المرات!
وبسبب الطابع الدقيق والمنظم لأهالي اليابان, فإن المتاجر ومنافذ البيع تضع دائما فوق كل فاكهة مصدرها وتاريخ زراعتها وفي بعض الأحيان صورة المزارع الذي قام بالاعتناء بها.
والمثير في الأمر أن بعض المتاجر الكبرى تضع صورا لتطور الفاكهة المعروضة منذ زراعتها وحتى لحظة وصولها للمتجر, وذلك "فخرا" بما قام به كل مزارع.
ولعل أجمل منظرين في اليابان هما منظر تفتح الساكورا - أزهار الكرز - في الربيع, والألوان الزاهية من الأحمر والبرتقالي والأصفر لأوراق الخريف.
في قسم الفاكهة في بعض المتاجر الكبرى والبقالة الراقية يمكن للاجنبي الواصل حديثا الى اليابان ان يتساءل عما إذا كان دخل خطأ الى محل لبيع المجوهرات.
يحوي هذا المتجر انواعا شتى من الفاكهة, من العنب والتفاح الى الاجاص والمشمش, وهي تقدم كما لو انها "كنوز" معروضة للبيع. فهذه الفاكهة ينبغي ان تقارب الكمال في أشكالها. لأنها فاكهة لا تباع بالوزن, بل بالقطعة : تفاحة واحدة..عنقود واحد من العنب..
وفي هذا المتجر, توضع كل تفاحة على حدة داخل غلاف من الشاش الابيض تجنبا لأي صدمة تؤذي شكلها المتناسق, بعد ذلك توضب في علبة بلاستيكية شفافة فاخرة..ويسري الامر نفسه على الخوخ والاجاص و...
وتباع عناقيد العنب هي الأخرى مفردة, وتوحي بأنها عقود من المجوهرات تنتظر من يقتنيها للزينة..وفي هذا البلد الغني بأشجار الكرز الفريدة الجمال ولكن من دون ثمار, تباع هذه الفاكهة بأعداد قليلة في علب بلاستيكية.
في يوليو الماضي, بيع عنقود من العنب "روبي رومان" الذي يزرع في ايشيكاوا وسط البلاد بسعر 400 الف ين (نحو ثلاثة الاف يورو- 4000 دولار), اما العنقود الذي يتكون من حبات كبيرة فقد يجاوز سعره 80 ألف يورو.
ويصل الامر الى اقامة مزادات علنية على ثمار الفاكهة.. ففي شهر مايو من كل عام يقام مزاد علني تعرض فيه ثمار الشمام ذات الشكل المستدير التام المزروعة في هوكايدو, كبرى جزر اليابان الواقعة في الشمال. وقد بلغ سعر شمامتين معروضتين في علبة خشبية الى 12 الف يورو (نحو 16300 دولار).
ولا تثني أيام الازمات اليابانيين على التهافت على شراء الفاكهة باهظة الثمن, وتبادل هدايا من الثمار.
يقول يوشينوبو ايشياما مدير احد المتاجر في وسط طوكيو "معظم زبائننا يشترون الفاكهة لاهدائها, لذلك نحن نبحث عن افضل المنتجات في اليابان". ويضيف "ينبغي ان تكون الفاكهة استثنائية الشكل, وطيبة المذاق".
ويصل ثمن عنقود العنب في متجره, الذي تنبعث من ارجائه موسيقى هادئة, الى 235 يورو. اما ثمرة الخوخ الكبيرة فقد يصل ثمنها الى 20 يورو. وهناك على احد رفوف المتجر المبردة, يتربع ملك الفاكهة المناسبة للهدايا: الشمام..حيث تباع الشمامة الواحدة بـ 118 يورو.
وبطبيعة الحال, فان الناس لا تتبضع من متاجر كهذه لاستهلاكها اليومي, بل تلجأ الى سوق الفاكهة العادي.. لكن هذه المتاجر تعرض بشكل اساسي الفاكهة الصالحة لتكون هدية للأقارب او الاصدقاء, او حتى للمدير في العمل.
واذا كان الطرفان المتهاديان من طبقة اجتماعية واحدة, يكثر ان يقبل شخص هدية قوامها كرز بقيمة اربعة الاف يورو, او بمانغا مثلا قيمتها خمسة الاف يورو.
يزرع توشياكي نيشيارا الشمام في غرفة مدفأة يتحكم بحرارتها بواسطة جهاز كمبيوتر, ويقوم بتلقيح الثمار بيده, ولا يترك من الغرسة الواحدة سوى ثمرة وحيدة, يعتني بها ويرتب شكلها.
ويقول لمراسل وكالة فرانس برس "إنها باهظة الثمن لأنني اعتني بها جيدا".
ويقول احد زبائنه, وهو ايراني يدعى فرهاد "لن تنسوا ابدا تجربة تذوق هذه الفاكهة الاستثنائية..ستنسون السعر, لكن ما يبقى هو النوعية".
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-16003.htm