- عيون مقلوبة

الخميس, 24-أبريل-2014
صعدة برس -
د. صادق القاضي
اليساري شخص ينقلب رأساً على عقب؛ ليتأمل صورة مقلوبة، أما اليميني فيثق تماماً أنها معتدلة.!
اليساري يلاحظ مشكلة الأشياء المقلوبة، ويحلها بتعديل وضعيته بدلا من تعديل وضعيتها، أما اليميني فمشكلته أكثر تعقيداً، فهو منسجم مسبقاً مع المفاهيم والأشياء المقلوبة، ولا شيء لديه يلزمه التعديل إلا الأشياء المعتدلة فقط..!
الرؤية المقلوبة لليسار تطبّع بينما هي عند اليمين طبع، اليميني يفكر ويتعامل برؤية وذهنية مقلوبتين أصلاً، ومن شرنقة ثقافته المزيفة هذه، يتأمل العالم، ويقيّم تجارب الآخرين وشئون الحياة.
اليمين واليسار في اليمن أصبحا في جهة واحدة، ومع ذلك ما نزال نوزع الخارطة السياسية بين اليمين واليسار، لنتحدث عن اليمني إذاً، اليمني شخص يستنكر صوت المرأة، ويطرب للعلعة الرصاص، الفساد- بمقاييسه المختلة هذه- حنكة والنزاهة سذاجة، الغناء انحلال ونشر الكراهية تديّن، الثأر سُنّة، بينما الخمر أم الكبائر..!
خلال ثورات ما سُمّي بالربيع العربي، طالب "الثّوار" فجأة بـ"تغيير الأنظمة" تداول الإعلام العربي حينها نكاتاً تهكمية يطالب فيها الحكام بتغيير الشعوب، وفي الواقع المطلبان متجانسان جداً، الأنظمة العربية انعكاس أمين للشعوب العربية، وإن كانت الأنظمة أكثر تقدمية وصلة بالحياة من البدائل التي اقترحها الثوار في سياق السعار الثوري..
هكذا، ولا أدري كيف، تصالحنا في الزمن الميت، مع مختلف أشكال التناقضات الغريبة، والقيم والمفاهيم والاعتبارات .. المقلوبة..!
وكعادته، يجيد الزمن الميت، تطبيع العلاقة بين المتناقضات، وتبليد دهشة الإحساس بمفارقاتها، حتى أن معظم الثوار الذين يفترض أنهم يفهمون أبسط مبادئ الثورة، رحبوا بكل أريحية بأسوأ مكونات النظام، في اليمن، ودافعوا بحماس عن أسوأ أشكال الاستبداد.!
في البداية لاحظ اليساريون أن الصورة مقلوبة، لكنهم في الأخير عدلوا من وضعيتهم بما يناسبها، وفي المقابل كان ثوار اليمين، على استعداد تام لاستقبال تلك الفرصة التاريخية، وإلباس الانتهازي حلة البطل.!
على غفلة من الزمن، ومن الثورة والثوار، أصبحت المشكلة في الدولة لا في النظام، في المدنية لا في القبيلة، في الجيش المؤسسي لا في جيش المليشيات المحسوبة على النظام.. !!
مشكلة الثقافة العربية، في هذا الزمن هو هذا الانقلاب الكامل في منظومة القيم والأخلاق والحقوق، حيث الإنسان والحياة والعصر خارج دائرة الأولويات المكرّسة لخدمة الموتى واللصوص والمأثورات والسلطات البائدة..!
*اليمن اليوم
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:49 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-19266.htm