صعدة برس - علي البخيتي
عندما تسترجع الذاكرة أحداث الحرب في عمران ودخول أنصار الله “الحوثيين” المدينة واستيلائهم على لواء القشيبي ومقتل القشيبي نفسه في المعركة, وعندما نتذكر الزخم الإعلامي والسياسي المحلي والإقليمي والدولي الهائل الذي رافق ذلك الحدث وكيف أن مجلس الأمن ناقش وبشكل استثنائي موضوع عمران مع أن الموعد الدوري لاجتماع المجلس المتعلق باليمن لم يكن في حينه, واذا تذكرنا أيضاً البيانات الصادرة من الكثير من الجهات الإقليمية والدولية شديدة اللهجة التي حملت أنصار الله المسؤولية وتم ادخال اسم قائد أنصار الله عبدالملك الحوثي وأبو علي الحاكم في بيان مجلس الأمن, واذا استرجعنا كذلك حجم الضغط السياسي والإعلامي الإقليمي والدولي الذي تعرض له أنصار الله في تلك اللحظة بسبب دخولهم عمران فإننا نستنتج أن تلك الجهات كانت منزعجة جداً من دخول عمران مع أنها مدينة صغيرة لا تأثير لها على المسرح السياسي وليست من المدن ذات الكثافة السكانية العالية أو المكانة الاقتصادية أو السياسية المُهمة.
***
وعندما نتابع ردود فعل نفس تلك الجهات على دخول أنصار الله صنعاء وكيف أنهم تقبلوا ذلك الوضع برحابة صدر ولم تصدر عنهم بيانات تنديد كالتي صدرت في أحداث عمران, بل أنهم اصدروا بيان أيدوا فيه الاتفاق السياسي بين أنصار الله والسلطة ثاني أيام دخول أنصار الله صنعاء, وتعاملت الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول العشر ودول مجلس التعاون الخليجي مع الحدث ببرود مريب وغريب لم يكن متوقع أبداً اذا ما قارنا ذلك بمواقفهم من دخول عمران.
صنعاء هي العاصمة السياسية لليمن, وهي مقر السفارات والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية, والمقر الرئيس لكل البنوك المنتشرة في اليمن المحلية والإقليمية والدولية منها, ومقر كل المؤسسات الحكومية ابتداء من رئاسة الجمهورية مروراً بكل الوزارات وقيادة الأجهزة العسكرية والأمنية ومع ذلك لم تقم تلك الجهات بعشرة في المئة من ما قامت به عند دخول عمران.
***
تلك المقارنة والفارق العكسي في التعامل مع الحدثين, مع أن هناك فارق كبير بين المدينتين كان يفترض أن يدفع تلك الدول الى أن تصدر مواقف متشددة وتصعيدية أقوى وأشد لهجة من ما صدر منها عند أحداث عمران, ومن هنا علينا أن نتساءل وبوضوح: لماذا صمتت تلك الجهات على ما حصل في صنعاء؟ بل ولماذا وافقت على تلك الأحداث بشكل غير مباشر عبر تأييد الاتفاق السياسي الذي وقع في ثاني أيام دخول صنعاء؟ هل تلك الجهات مع ما حصل أو متحالفة مع أنصار الله أم أن وراء الأكمة ما ورائها؟.
من المستبعد أن تكون تلك الجهات متحالفة مع أنصار الله أو حتى راضية عن ما حدث مع أن البعض يسعى لترويج أن بعض الدول تهدف الى ضرب الإخوان المسلمين, وذلك الاحتمال وارد جداً لو كان خصومهم –الذين سيطروا على صنعاء- جهات أخرى كالمؤتمر الشعبي العام أو جهات عسكرية انقلبت عليهم بتأييد شعبي كاسح كما حصل في مصر, لكن طالما أنصار الله هم الفاعل الرئيس في الأحداث الأخيرة فمن المستحيل أن تدعمهم تلك الدول وعلى رأسها السعودية أو الامارات أو أمريكا, حيث أنهم يعتبرون أنصار الله ذراعاً إيرانية في المنطقة وحزب الله اليمن, والكتابات الكثيرة لكبار الكتاب الخليجيين والعرب الموالين للمحور الغربي تسير في هذا الاتجاه, حيث تمحورت أغلب العناوين حول مصطلح “صنعاء تسقط بيد طهران”.
***
وحتى أختصر الموضوع على القارئ الكريم فإن تحليلي للحدث هو أنه “فخ” محكم نُصب لأنصار الله, خلاصة ذلك الفخ أنه بعد عجز قوى إقليمية ودولية ويأسهم من مساندة علي محسن الأحمر ومن دار في فلكه, وشعورهم أن معركته خاسرة في كل الأحول, وأن استمرار المراهنة عليه فيه تبديد لأموالهم وجهودهم تم التغاضي عن دخول أنصار الله صنعاء, وحُث الرئيس والجيش –من قبل بعض دول الإقليم ودول أجنبية- على عدم مواجهتهم ليدخلوا صنعاء بأقل الخسائر الممكنة ومن ثم تهيئة الأجواء لانفلات أمني واسع وعمليات نهب وسلب للمنشآت الخاصة والعامة, وتسليم الملف الأمني لهم ورفع أجهزة الشرطة والجيش من الأماكن التي كانت مُنتشرة فيها, ولكونهم يعلمون أن أنصار الله غير مستعدين لذلك الفخ فإنهم راهنوا على أن يتورط أنصار الله في الكثير من المشكلات بقصد أو بدون قصد وهذا ما حدث بالفعل في بداية الأمر.
العاصمة يسكنها أكثر من اثنين مليون ونصف انسان ومترامية الأطراف ويصعب على أي جماعة أو حتى دولة أن تسيطر على هكذا أوضاع مفاجئة, لذلك حصلت الكثير من التجاوزات والأخطاء بسبب اضطرار أنصار الله للاستعانة باللجان الشعبية التي تم انشائها مؤخراً, حيث أن أغلب من في تلك اللجان لم يكونوا أعضاءً في الجناح العسكري أو الأمني المنضبط والرسمي لأنصار الله, وتم استدعائهم على عجل لتغطية الفراغ الهائل الذي أحدثه انسحاب أجهزة الجيش والشرطة فجأة.
***
يتمنى واضعي هذا الفخ أن يستمر أنصار الله في استلام الملف الأمني داخل صنعاء, وهم يعلمون أن كوادر أنصار الله في غالبيتهم وبالأخص التشكيلات الجديدة “اللجان الشعبية” غير مؤهلين للتعامل مع ملف أمني بحجم أمن العاصمة بشكل مُحترف, وبالتالي حتى لو تمكنوا من توفير الأمن سينتج عن ذلك الكثير من التجاوزات والأخطاء بسبب احتكاكهم المباشر بالمواطنين, إضافة الى أن البعض من المستجدين قد يعمل على تضييق الحريات الخاصة للمواطنين والمتعلقة بالجوانب الفنية والغنائية أو ما يتعلق منها بحقوق المرأة, حيث بدأت الكثير من المواقع برواية الكثير من القصص عن هكذا تجاوزات وعند البحث نجد أن اغلبها مُفبرك لكننا لا ننكر أن هناك أيضاً أخطاء.
إضافة الى أنه من المتوقع أن تقوم الدول المانحة الإقليمية والدولية بالتوقف عن ضخ الأموال التي وعدت بها في المؤتمرات السابقة لأصدقاء اليمن, وسينتج عن ذلك أزمة اقتصادية وعجز عن دفع حتى مرتبات الموظفين وبالأخص بعد التراجع في أسعار النفط وعودة الدعم الحكومي لها, ومن المحتمل أن تعود الطوابير على النفط فور انتهاء المساعدة السعودية التي غطت تلك المشتقات النفطية لأشهر محدودة.
***
وسيلي ذلك تحريض المجتمع على أنصار الله “الحوثيين” عبر وسائلهم الإعلامية وستتصدر تلك العملية وسائل الاعلام المحلية التابعة للإخوان ووسائل اعلام بعض الدول الخليجية وعلى رأسها قناة الجزيرة والعربية وسينتج عن ذلك حركات احتجاجية ومظاهرات واعتصامات سلمية ضد أنصار الله خلال أشهر قليلة تحت شعارات حقوقية وفشل اقتصادي وأزمات خانقة في المُشتقات النفطية, وسيتم تضخيم أي أخطاء أو تجاوزات وعدم ذكر أي إيجابيات على المستوى الأمني مهما كانت.
من هنا فاني أدق ناقوس الخطر واحذر أنصار الله من الآن من الوقوع في هذا الفخ, وأتمنى عليهم تذكر هذا المقال, ولكي يكون طرحي مفيداً فاني أقترح عليهم بعض الحلول للخروج من هذا الفخ, وتتلخص تلك الحلول في أن عليهم أن يستمروا في الشراكة مع الجميع حتى مع الإخوان المسلمين “حزب الإصلاح” بعد ضرب الجناح العسكري والارهابي والقبلي الانتهازي للحزب, وعليهم أن يشرعوا في تسليم أمن العاصمة وبالتدريج للسلطات المختصة مع السعي لدمجهم في مؤسسات الدولة بحسب ما نصت عليه مُخرجات مؤتمر الحوار الوطني, ليخففوا من احتكاكهم بالمواطنين الذي يُنتج الكثير من الأعباء والمشاكل وسيتسبب لهم في خسائر فادحة وتدهور مريع في شعبيتهم خلال أشهر قليلة, فصنعاء غير كل المدن السابقة.
|