- أوجاع اليمن ولعبة التكتيك والمناورة المجنونة

الثلاثاء, 23-ديسمبر-2014
صعدة برس -
بقلم/ عبده محمد الجندي -
اصبح واضحاً بعد مرور ثلاثة أعوام من المرحلة الانتقالية الرافضة للتسامح والتصالح وما يترتب عليها من عدم التعاون والتكافل والتكامل المثمر بين الجميع أن أوجاع اليمن الاقتصادية والأمنية ناتجة في جانب كبير منها عن سوء استخدام لعبة التكتيك ولعبة المناورة المجنونة التي تحولت في غياب الإحساس بالمسؤولية الوطنية عن أهمية التسامح والتصالح والتعاون وضعف الدولة وغياب سيادة القانون الى لعبة قذرة تخضع الجوع والأمن لسلسلة من المزايدات والمكايدات السياسية والحزبية التي تضعف الدولة وتفقدها ما هي بحاجة اليه من القوة والهيبة على نحو يتضرر منه الوطن والمواطن اليمني ولا تستفيد منه إلا شلة منه الفاسدين والمفسدين والفاشلين الذين يريدون الديمومة لأنفسهم فيما يشغلونه من المواقع القيادية في بعض مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية العاجزين عن حماية الشعب ووحدته وأمنه واستقراره جنباً الى جنب مع من يسبح بحمدهم ويبرر فسادهم من القيادات الانتهازية الباحثة عن ذاتها من خلال ما تحصل عليه من المواقع الحكومية والأموال غير المشروعة مقابل سكوتهم على المعاناة الشعبية الناتجة عن أوجاع معيشية وأمنية محسوسة وملموسة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الثورة اليمنية التي غيرت وجه التاريخ.
هؤلاء القادة يشعرون أن التصالح والتسامح بين الأحزاب الكبيرة المتصارعة بداية النهاية لحكمهم الفاسد.
أعود فأقول إن أوجاع اليمن تحتاج الى لحظة صدق تراجع فيه الأحزاب والتنظيمات السياسية الفاعلة المتصارعة والمتنازعة نفسها وتتحمل مسؤولية ما يقوم به هؤلاء القادة الضعاف وما يقترفونه من جرائم بحق الوطن والمواطن فتصبح شريكاً بما يحدث من الأوجاع والآلام مقابل خلافات يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها أحد، تحول دون الاستفتاء على الدستور الجديد وما سوف يترتب عليه من عودة الى الشعب لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية تؤسس لشرعية دستورية وقانونية مستمدة من إرادة الشعب بديلة للشرعيات الثورية المستمدة من الخلافات والصراعات الحزبية والسياسية لأفراد لا حول لهم ولا قوة على البقاء في السلطة على حساب الانتقاص من المواطنة المتساوية وسيادة القانون والتعددية السياسية وحرية الصحافة وحقوق الإنسان الموجبة لوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب على قاعدة الفرص المتكافئة في العلم والعمل والكفاءة في الإنتاج والعدالة والتوزيع المعقول للسلطة والثروة دون منّة من أحد قط.
أقول ذلك وأقصد به أن التحول العظيم من الشرعية الثورية المعتمدة على القوة ربما كانت هي الوسيلة الاستثنائية الضرورية لإحداث ما يحتاجه الشعب من نقلة نوعية الى الشرعية الدستورية السلمية التي تحتم الشروع الفوري في اتخاذ التدابير العملية لإنهاء المرحلة الانتقالية، كما حدث في البيانات الصادرة عن المؤتمر الشعبي العام، وكما استمعنا اليه في البيان الأخير للتجمع اليمني للإصلاح، لأن القوة العسكرية ليست الوسيلة الوحيدة الصالحة لكل زمان ومكان نظراً لما قد تنطوي عليه من مخاطر العنف والارهاب، لأن هذا الاستثناء الذي تلجأ إليه الجيوش والمليشيات التابعة للأفراد والأحزاب والتنظيمات السياسية لمواجهة ما قد يفرضه الاستبداد والفساد على شعب من الشعوب من التخلف والجمود الرجعي على الشعب رغم إرادته الحرة، لكنها بالطبيعة والنتيجة ليست وسيلة دائمة ومستمرة، لأن للتغيير والتطور الديمقراطي أساليبه ووسائله السلمية الانتخابية في عصر يقال عنه عصر الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية الاعتصامات والمظاهرات الجماهيرية التي تفرض على جبابرة القوة الاسراع في إعادة السلطة التي سلبت بشرعية ثورية غاصبة للشرعية الدستورية والقانونية والتداول السلمي للسلطة المعبرة عن إرادة الشعب الحرة الرافضة للاستبداد والطغيان بكافة أنواعه وأشكاله وأساليبه القمعية..
لقد عرف الشعب اليمني ما أحدثته الديمقراطية المرادفة للوحدة من تبدلات سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وأمنية، فكان صعباً عليه أن يتراجع من الشرعية الدستورية الى الشرعية الثورية التي استبدلت الإرادات الشعبية الحرة بالإرادات الحزبية المستبدة، ولكن سرعان ما اكتشف ثوار عام 2011م انهم تحولوا الى فريسة سهلة لثورة عام 2014م بعد أن تحولت فترتهم الى أزمات مركبة لا نتذكر عنها سوى الأوجاع والآلام المؤثرة سلباً على الثوابت الوطنية المتمثلة بالوحدة والديمقراطية والتنمية الاقتصادية وعلى ما نعم به الشعب من الأمن والاستقرار بصورة ضاعفت من أوجاع الشعب وآلامه وآماله في جميع الأوساط والطبقات الاجتماعية العليا والوسطى والدنيا من الناحيتين المعيشية والامنية، لأن الأمن والاستقرار يحتاجه الأغنياء والفقراء مثلهم مثل أولئك البؤساء الذين تمزقهم البطالة ويسحقهم الفقر من ذوي الدخل المحدود والذين لا دخل لهم على الاطلاق، الذين يعانون من أوجاع مركبة ناتجة عن جروح متعددة.
أقول ذلك وأقصد به أن ضعف الدولة قد انعكس سلباً على شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والعسكرية الى درجة فاقت ما لديهم من قدرات على التضحية وإعادة عجلة التقدم الى الخلف عشرات الأعوام بصورة أصابت القيادات الجديدة بالخزي والحرج جراء عدم القدرة على إدارة عجلة التقدم والتطور الى الأمام على نحو يلبي ما لدى الجماهير من الآمال والتطلعات والأحلام الكفيلة بإحلال الكفاية محل الحاجة والغنى بديلاً للفقر والعدل بديلاً للظلم والرفاهية بديلة للشقاء، بعد أن كشفت التجربة والممارسة أن ما رفع من شعارات نظرية تحولت فجأة الى مجرد وعود سرابية كاذبة، وإذا بهذه الوعود المرتجلة وغير المدروسة تتبخر شيئاً فشيئاً تعجز عن الحفاظ على ما هو كائن من منجزات ناهيك عن عدم قدرتها على إضافة منجزات جديدة تضاف الى ما قبلها من المنجزات المتواضعة، لأن التنمية الاقتصادية مرتبطة بالوحدة الوطنية و بالأوضاع السياسية والاجتماعية العسكرية والأمنية المستقرة وبغيرها من الخدمات الجاذبة للمستثمرين الذين يبحثون عن هيئات سياحية واستثمارية توفر لهم ما هم بحاجة اليه من الضمانات على أرواحهم ودمائهم وأعراضهم وأموالهم من الحماية والاطمئنان التي تشجعهم على السياحة والاستثمار وتدفعهم الى التسابق على الاستفادة من المميزات التي تتمتع بها الجمهورية اليمنية مقارنة مع غيرها من البلدان الأخرى.
أعود فأقول إن ما يعتمل في اليمن من الأوجاع الناتجة عن الممارسات الاقتصادية والعسكرية والامنية المروعة قد كانت في جزء كبير منها ناتجة عن الصراعات والحروب العبثية والحزبية وقد تكون عن ضعف القيادة السياسية التي بددت الكثير من الموارد والامكانات في إثارة الصراعات الحزبية والمناطقية والخارجية التي أسفرت عن وضع اليمن تحت عقوبات الباب السابع وإدارة لعبة سياسية قذرة أمام الصحافة التي تزين ما هو كامن من فساد لا مثيل له في تاريخ الثورة والدولة بأنه الأفضل مما كان موروثاً وتعد الشعب بجنة لا وجود لها الا في الخيالات المريضة لمروّجيها الذين يتجاهلون ما تعيشه الأغلبية الساحقة من الأوجاع المعيشية والمخاوف الأمنية المحسوسة والملموسة التي أظهرت هذا النوع من السياسة والصحافة بأنه يعمل جاهداً على إقناع الموجوعين بأن أوجاعهم ناتجة عما يقوم به أتباع النظام القديم من ممارسات تآمرية معطلة للإصلاحات عن قصد مع سبق الإصرار والترصد حتى وقد أصبحت الأغلبية خاضعة لهذا النوع من الحياة المثقلة بالأوجاع والآلام المأساوية لا يحصدون من الثورة سوى العنف والارهاب والجوع والبؤس وذل الحاجة وهوانها من إبادة بلا قيود ولا حدود.
لقد أدركت هذه القوى مجتمعة ومتفرقة أنها وقعت ضحية لما لديها من الخصومات والأحقاد السياسية وهم يتحدثون عن ضرورة الحاجة الى التسامح والتصالح يعيد لهم من هم بحاجة اليه من التعاون ويتخلصون من الأخطار الناتجة والمحتملة عن استبدال حكمهم الفاسد بحكم الشعب الواعد بالإصلاحات.
إن حكام اليوم في مقدمة من يستحقون العقوبات المنصوص عليها في كل القوانين اليمنية والدولية بتهمة ما حدث للشعب في فترة حكمهم القصيرة والطويلة من الأوجاع والآلام والقتل والدمار الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الثورة اليمنية.. ومعنى ذلك أن الذين تهاونوا مع القتل في موقع السلطة بحق شعوبهم بالأمس ومازالوا يمارسونها اليوم دون خوف من عواقبها الكارثية الوخيمة، لا يمكنهم أن يشعروا بما يقع على كاهلهم من مسؤوليات موجبة لاحترام الحقوق والحريات السياسية وعدم الإفراط في التكتيك والمناورة المحركة للنزعات الانتقامية والعاجزة عن المحاسبة والمعاقبة.
المصالح الوطنية حجر الزاوية
انهم لا يشعرون بمدى الحاجة الى المصالحة الوطنية وإغلاق الملفات المثيرة للأحقاد والثارات الانتقامية، وصولاً الى الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ربما لأنهم لا يثقون بشعبهم لقناعاتهم بأن شعبهم لا يثق بهم.
وكلما تمت دعوتهم الى المصالحة الوطنية كلما تولَّد لديهم الخوف من تسامح وتصالح يعيد السلطة الى الشعب، لأنهم يضعون أنفسهم في موقع العداء للديمقراطية وللشرعية الدستورية، يفتقدون الى ما يجب أن يتوافر لديهم من المشاعر والأحاسيس الوطنية والديمقراطية تجاه ما قد ينتج للشعب عن صراعاتهم، ونزعاتهم الأنانية من الجروح والأوجاع والآلام المعيشية والأمنية والحقوقية القاتلة للحياة وللحرية وللوحدة وللأمن والاستقرار والسعادة والتقدم والرفاهية الاقتصادية.
أصبحت السياسة لعبتهم والصحافة سلاحهم رغم أنهم لا يؤمنون بالديمقراطية ولا يؤمنون بحرية الصحافة ولا يحترمون حقوق الإنسان وينتهكون القداسات بلا حدود ولا قيود ولا حرمات.
أعود فأقول إن الدعوة الى التسامح والتصالح تمثل حجر الزاوية لتحقيق ما نحن بحاجة اليه من التكافل والتقارب والتعاون بين الأحزاب والتنظيمات السياسية صاحبة المصلحة الحقيقية في التعدد والتنوع والتداول السلمي للسلطة كأحد أهم الأولويات التي تنتصب أمام حكومة الكفاءات التي نالت ثقة مجلس النواب بعد أن قبلت توصياته واعتبرتها جزءاً لا يتجزأ من برنامجها السياسي.
حكومة قد تفاجئها الايام بأن مصيرها أسوأ من مصير الحكومة السابقة إذا لم تستجب للعبة القذرة، ومعنى ذلك أن الثقة بالحكومة الجديدة عملية ضرورية سوف تدفع بها الى مساندة وتأييد أية دعوة حريصة على التسامح والتصالح بين جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية الممثلة وغير الممثلة بحكومة الكفاءات الوطنية الحريصة على استقطاب دعمهم ومساندتهم بوجه ما قد يعترض طريقهم من تعقيدات مركزية لكي يكون مصيرها اللاحق نسخة طبق الأصل من المصير الذي انتهت اليه الحكومة السابقة التي وجدت نفسها أمام إرادة سياسية تدفعها الى صراعات جانبية مع أحزابها التي تخلت عنها وهي تعلم علم اليقين أن تعاون الأحزاب وتفاعلهم مع برنامجها السياسي لا يتحقق الا عن طريق التواصل المستمر مع ما يوجد في الساحة من أحزاب وتنظيمات سياسية فاعلة عبر انتهاج السياسات المرنة الباحثة عن التعاون والتكامل والتفاعل الموجب للعلاقات السليمة وأقصد بها العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل وتجنب الأساليب الاستفزازية التي تروج لها لعبة السياسة والصحافة المبتذلة من داخل الحكومة ومن خارجها على حد سواء.
الكثير من الذين يعرفون رئيس الحكومة عن قرب يصفونه بأوصاف تبعث على الاطمئنان لأنه صاحب شخصية قوية تعرف المعقول واللامعقول في العلاقات السياسية والحزبية النابعة من حرصه على تقديم متطلبات النجاح على متطلبات الفشل.
لابد لهذه الحكومة أن تبذل ما في وسعها لتحقيق ما يحتاجه الوطن والشعب من التسامح والتصالح باعتباره المدخل الوحيد لحشد ما هي بحاجة اليه من اصطفاف وطني لمجابهة ما يعتمل في الواقع من تحديات اجتماعية واقتصادية وأمنية نتيجة للأوجاع والآلام والمعاناة واعطاء الأولوية لمشاكل الحاضر والمستقبل في حشد ما لديها من الامكانات الوطنية والمساعدات الدولية بدلاً من تبديدها في نفقات تأخذ شكل التعويضات والتسويات وشراء الولاءات السياسية لأن أوجاع الشعب الاقتصادية والأمنية والاجتماعية لا يمكن التخفيف مما تحدثه من الآلام الا عن طريق تضميد الجروح النازفة وتبديد ما تراكم في موروث السياسة اليمنية من الثارات والأحقاد الناتجة عن خوف على السلطة أو طمع فيها تؤدي الى إضافة صراعات الى صراعات وأوجاع الى أوجاع وآلام الى آلام ومعاناة الى معاناة تباعد بين مَنْ هم في الحكم ومَنْ هم في المعارضة وتباعد بين الحكومة وبين حق الشعب في الديمقراطية باعتباره المصدر الوحيد للسلطة والسيادة الوطنية، وكأنها وُجدت لإرضاء الشخص الواحد والحزب الوحيد الذي لا يثق بما لديه من قدرات تنافسية في أول عملية تحول من الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية.
ولئن كانت الثقة مسألة مهمة وبمثابة المسكنات الوقائية والبدائية للأوجاع والآلام فإن استمرار هذه الثقة يحتاج الى توازن دائم بين المصداقية والموضوعية ويحتاج قبل ذلك وبعد ذلك الى الوضوح والعقلانية وانتهاج الشفافية في أي عمل وطني تقدم عليه الحكومة الجديدة البديلة للحكومة السابقة.
إن التسامح والتصالح سياسة لابد لها من دور حكومي مساند وداعم يحتم على جميع الوزراء تناسي ما لديهم من الأحقاد والعصبيات الحزبية والمناطقية والانتقامية الضيقة وعلى وجه الخصوص أولئك الوزراء المجربين الذين كانوا سبباً فيما حدث من أزمة ثقة مستفحلة بين الحكومة السابقة وبين الأحزاب الفاعلة من الذين يبحثون بقناعاتهم وما يتلقونه من التعليمات الخفية عن فتن ونزاعات مقيتة تحقق لهم ولأحزابهم ما يعتمل في قلوبهم من ثارات وأحقاد انتقامية دامية ومدمرة للتصالح والتسامح وما يترتب عليه من التنافر والتناقض والتضاد المدمر للتكافل والتعاون والثقة.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:47 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-23142.htm