صعدة برس-متابعات - مثل الحضور الإيراني المكثف في العديد من الأحداث والتطورات التي حصلت على الساحة السياسية العربية وما أحدثه ذلك التدخل من اضطرابات عميقة في الأمن وتوازن الاستقرار، سؤالا دائم الطرح في ما يتعلق بالمشروع الإسلامي الإيراني الذي تبحث دوائر السلطة في طهران تمريره عبر أذرعها في الوطن العربي.
وقد أكدت الأحداث ومنذ ثلاثة عقود في الوطن العربي، أن أكبر وأقوى ذراع للنظام الإسلامي الإيراني في الرقعة العربية هي جماعة “الإخوان المسلمين”، بعد أن تم تأجيل التناقض الطائفي بينها بهدف تحقيق “التمكين” للإسلاميين ثم “تفجير القنبلة الطائفية” بعد ذلك.
ما يميّز تيارات الإسلام السياسي برمتها ودون استثناء في منطلقاتها الفكرية وسلوكها التنظيمي والسياسي وخطابها الموجه إلى خارج الجماعة في جميع الحالات هو “توظيف الدين في المعركة السياسية”.
وهذا أمر ثابت في كل الحقب والمراحل التي مرت بها الحركة الإسلامية، ليس في الوطن العربي فقط، بل في العالم الإسلامي. ولعل التجربة الإيرانية في هذا المجال تعتبر النموذج “الأكمل” والأقرب لتصور الإسلاميين في ما يتعلق بالدولة والسلطة والتحكم.
ورغم المواقع المتقابلة بين الإسلام السياسي الشيعي والإسلام السياسي السني من الناحية الطائفية، إلا أن الاشتراك في التصورات والأهداف يظل أكبر، لذلك فكل واحدة تساند الأخرى بشكل أو بآخر.
تبقى مسألة الخطاب من أهم المعابر النظرية التي من خلالها يمكن فهم آلية تفكير وسلوكات القائم بالخطاب، ولعل الخطاب الإسلامي الذي تميّزت به “الثورة الإيرانية” سواء في فترة تشكلها أو بعد وصولها إلى السلطة، يشكل مرجعية ثابتة بالنسبة إلى إسلاميي العالم في التجييش ضد الدولة والمؤسسات. وذلك فعلا ما ميّز جماعة لإخوان في الفترة السابقة قبيل صعودها وأثناء وبعد سقوطها من سدة الحكم.
الخطاب معبر نظري هام من خلاله يمكن فهم آلية تفكير الإسلاميين والتي كشفت تطابق الخمينيين مع الإخوان
وفي هذا السياق، تناول الباحث المختص في الحركات الإسلامية، عبدالغني عماد، في دراسة مقارنة مصطلحات الأمة والحاكمية والدولة والمواطنة والآخر والغرب والصراع العربي الإسرائيلي، كما أرساها إسلاميو إيران ومصر.
ويؤكد الأكاديمي اللبناني على أهمية حقل الدراسات المقارنة، كونه يفتح مجالا لفهم وإدراك “حركة المفاهيم وتطورها”.
وقد اعتمد بحثه الموسوم: “الإخوانية والخمينية: مقارنة في المفاهيم السياسية الرئيسة” على منهج تحليل الخطاب، قارئا منظومة المفاهيم ونسقها وتفاعلها وحركة صعودها وهبوطها، لدى الإسلام الحركي، الإخواني والخميني.
وقد توصل إلى نتائج عملية تؤكد التطابق إلى حد بعيد بين الإخوان المسلمين والقيادات الطائفية الشيعية التي قادت “ثورة” الخميني، ما يؤكد أن المرجعية هي ذاتها في ما يتعلق “بكل ما هو سياسي” بقطع النظر عن المرجعية الطائفية المختلفة.
من الناحية العملية، وتزامنا مع الأحداث الأخيرة التي جرت في الوطن العربي خلال السنوات الأربع الماضية، أرادت إيران رمي ثقلها الإقليمي على الأقطار العربية التي شهدت حراكا سمي إعلاميا بـ”الربيع العربي”، وذلك بهدف تصعيد الإخوان المسلمين، أو المجموعات الإسلامية القوية في كل قطر على حدة، كي تروج النموذج الإيراني في الحكم مدعية أن “ما حدث في تونس ومصر ودول أخرى يحاكي ما حدث في إيران سنة 1979”. وهو ما عملت عليه دوائر القرار الإيراني مستغلة آلة إعلامية ضخمة لترويج تلك الفكرة.
وفي ذات السياق درست فاطمة الصمادي مفهوم الدولة الإسلامية عند حسن البنّا والخميني. وحملت ورقة الباحثة الأردنية في الشؤون الإيرانية عنوان: “الإسلاميون في إيران ومصر (1979-2011) جدلية الأيديولوجية”، قاربت فيها نقاط الاختلاف والاتفاق بين الطرفين على صعيد الفكر السياسي، في طرح واسع: “العلاقة بين الدين والسياسة، نوع الحكم، صفات وخصائص الحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي، سن القوانين استنادا إلى الشريعة”.
وخلصت الصمادي إلى أنه رغم “العلاقة التاريخية بين إسلاميي إيران ومصر، إلاّ أن ثورات الربيع العربي، ألقت بظلالها عليهم، فإيران كانت تتوقع أن تشكل “كنظام حكم”، أنموذجا يحتذى به من قبل إسلاميي مصر وتونس، وهو ما جرى رفضه بصورة واضحة، أزعجت طهران التي تظن أن معيارها هو “الأصلح” للمجتمعات الإسلامية، كما أحدث الموقف من الثورة السورية، وتأييد إيران للرئيس السوري بشار الأسد، شرخا في العلاقة بين الطرفين، وهي العلاقة التي كانت القيادة الإيرانية تعوّل عليها كثيرا.
رغم الشهادات العديدة التي قدمتها قيادات إخوانية سابقة في ما يتعلق بالثورة الإيرانية، وكيف أن الإخوان في كامل الوطن العربي “استبشروا” بما وقع في إيران أواخر السبعينات، إلا أن النتائج التي وصلت إليها العلاقة بين الإخوان وإيران وما مثلته من إشكالات أمام المدنية العربية، كانت رادعا ومحفزا للقيام بالعديد من المراجعات.
إيرانأرادتالرمي بثقلها الإقليمي على الأقطار العربية التي شهدت حراك الربيع العربي، بهدف تصعيد الإخوان المسلمين
فالتقارب الذي تحرص القيادات الإيرانية على الترويج له بين المذهب السني والشيعي والمؤسسات الدينية التي أنشأتها إيران للقيام بهذا الدور، والترويج الإعلامي له من قبل شبكة واسعة من المصالح والمنابر، يعكس درجة حرص النظام الإيراني على “ابتلاع” الكيان السني الذي يمثل أغلبية في الوطن العربي.
وبذلك فإن الهدف من الترويج لمسألة التقارب بين المذاهب، يحوي طابعا سياسيا وليست له علاقة بالمحتوى الديني أو خدمة لقضية التقارب بين الطوائف فعلا.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب يوسف الديني في دراسة بعنوان “الإخوان وإيران: خارج أقواس المذهب داخل أتون السياسة”، إن الإخوان ليسوا رواد التقريب ولا إيران رائدة تقريب في أي من المجالات، فالموضوع متعلق بمصالح سياسية لا غير”.
ويقرأ الديني الوضعية الآن انطلاقا من ثلاث مسائل أساسية هي “التشيّع السياسي” و”صعود الهوية الشيعية” و”الثورة الإسلامية”، ليخرج بخلاصات من بينها أن شعارات التقريب والوحدة تحمل في ظاهرها طابعا دينيا إلا أنها في الباطن والعمق لها “مضامين ومآلات سياسية”.
العلاقة التي تجمع هذين القطبين الكبيرين في حركات الإسلام السياسي، ليست محكومة بالجدليات الدينية أو القيمية التي من شأنها التقارب بين الشعوب وحسن الجيرة بين الدول والأمم، لكن الجامع في العلاقة بين الإخوان المسلمين كجماعة تريد أن تكون سلطة والسلطة الإيرانية التي تريد أن تنتشر في شكل جماعة، هو الهدف السياسي المغلف بقالب ديني. |