- القوة لا تصنع شراكة وسلما في اليمن..

الإثنين, 02-فبراير-2015
صعدة برس -
خيرالله خيرالله
قبل أيّام، بعيد تقديم الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي استقالته، ألقى عبدالملك الحوثي، زعيم “أنصار الله” في اليمن، خطابا استمرّ نحو نصف ساعة. لم يتردّد في توجيه كلّ نوع من أنواع الانتقادات إلى عبدربّه منصور واصفا استقالته بأنّها “مناورة”. أراد القول أنّ الرجل استقال، فيما كانت لا تزال هناك حاجة إليه من أجل تمرير مطالب معيّنة تحت غطاء الشرعية.

الواقع أن الرئيس الانتقالي كان يمتلك، استنادا إلى المبادرة الخليجية، الشرعية المطلوبة التي أراد “أنصار الله” استغلالها إلى أبعد حدود. كانت هذه الشرعية تسمح للحوثيين بوضع رجالهم، عبر قنوات رسمية، في مواقع مهمّة في كلّ الوزارات والمؤسسات الأمنية والعسكرية.

لعلّ أبرز ما تضمنّه الخطاب اعتراف الحوثيين للمرّة الأولى بصعوبة بسط سيطرتهم على كلّ اليمن. صحيح أن زعيم “أنصار الله” لم يعلن ذلك صراحة، لكنّ الصحيح أيضا أنّه حدّد المناطق التي لم يستطع الحوثيون تحقيق تقدّم على الأرض فيها. هذه المناطق هي الجنوب والوسط، خصوصا مدينة تعز، ومنطقة مأرب الغنيّة بالنفط. تكمن أهمّية مأرب، التي أعلنت قبائلها أنّها مصمّمة على مواجهة “أنصار الله”، في أنّها تمتلك حدودا طويلة مع المملكة العربية السعودية أوّلا، كما أنّها تشكّل مدخلا إلى محافظتي شبوة وحضرموت.

كانت لدى الحوثيين منذ تمكنهم من السيطرة على صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي وإعلانهم قيام نظام جديد في البلد، طموحات كبيرة. اعتقدوا أن تقدّمهم في المناطق الوسطى وفي اتجاه الجنوب سيكون نزهة. لم يأخذوا علما بالواقع اليمني إلا بعد اكتشافهم المتأخّر أنّ اليمنيين في مناطق عدّة ينظرون إليهم نظرة المحتلّ الساعي إلى فرض هيمنته من منطلق طائفي ومذهبي.

هناك أمور كثيرة فاتت عبدالملك الحوثي. أوّل ما فاته أنّ “اتفاق السلم والشراكة” الذي وقّعته الأحزاب والمجموعات السياسية اليمنية بإشراف الرئيس الانتقالي وممثّل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر، لا يستند إلى أي شرعية من أيّ نوع كان. كلّ ما في الأمر أن الاتفاق جاء نتيجة اجتياح الحوثيين لصنعاء واستيلائهم على مؤسسات الدولة وفرضهم الاتفاق بقوة السلاح كي يكون بديلا عن المبادرة الخليجية. لم يستطع الحوثيون إقناع نفسهم بأنّ الشراكة لا تفرض بالقوّة وأنّها لا تصنع سلما عندما تبرم في ظلّ أي نوع من الإكراه.

أدّت المبادرة بين ما أدّت إليه إلى تسليم الرئيس علي عبدالله صالح السلطة إلى عبدربّه منصور في فبراير من العام 2012، ثم انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الذي خرج بقرارات من بينها الإعداد لمسودة دستور جديد، مرفوضة حوثيا، وصيغة “الدولة الاتحادية والأقاليم الستة”.

ليس بخطاب يتجاهل الواقع القائم، بما في ذلك إخراج الرئيس الانتقالي من “دار الرئاسة” ووضعه في الإقامة الجبرية، يمكن لـ“أنصار الله” حكم اليمن وإيجاد شركاء لهم في السلطة. فاليمني بطبيعته أكثر ذكاء مما يظهر عليه. اليمني، بشكل عام، يمتلك حسّا سياسيا مرهفا يجعله يفرّق بين الكلام المعسول من جهة، والكلام المنطقي من جهة أخرى. الكلام المعسول هو كلام زعيم “أنصار الله” عن “الشراكة”، ثم إعلانه في الخطاب ذاته أنّ هناك “شرعية ثورية” ونظاما جديدا قام بعد سقوط صنعاء. بكلام أوضح، لا يمكن فرض نظام جديد بالقوّة وتعطيل مؤسسات الدولة وحمل الحكومة (حكومة خالد بحاح) على الاستقالة ومطالبة القوى السياسية بـ“المشاركة” في السلطة.

كلّ ما في الأمر، أن الحوثيين لا يقبلون شريكا في السلطة، لا لشيء، سوى لأنّهم يعتقدون أنّهم حقّقوا “نصرا إلهيا” على طريقة “حزب الله” في لبنان. ليس صدفة أن عبد الملك الحوثي تحدّث غير مرّة في خطابه عن “الشعب اليمني العظيم” و“اللجان الشعبية” و“السلطة”. استعاد شعار “الشعب والجيش والمقاومة” الذي يستخدمه “حزب الله” لوضع يده على مؤسسات الدولة اللبنانية. بالنسبة إليه، “اللجان الشعبية”، أي الميليشيات التابعة لـ“أنصار الله” التي باتت تسيطر على أحياء صنعاء وكلّ الدوائر والمؤسسات الرسمية، هي ما يسمّيه “حزب الله” بـ“المقاومة”.

كشف الخطاب الأخير للحوثي “أنصار الله”، أن ليس لديهم سوى الشعارات. هل يمكن مكافحة الفساد والتصدّي له بالشعارات؟ هل يأكل اليمنيون شعارات، هل يمكن للشعارات أن تكفل دفع رواتب موظفي الدولة التي باتت خزينتها فارغة؟ الأهمّ من ذلك كلّه، هل توفّر الشعارات سببا كي تعود دول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية، إلى سدّ العجز في الموازنة اليمنية؟

لا يمكن قول الشيء وعكسه في الوقت ذاته. لا يمكن رفع شعار “الموت لأميركا والموت لإسرائيل واللعنة على اليهود والنصر للإسلام” في ظل تنسيق مباشر أو غير مباشر مع جهات أمنية أميركية.

مع الوقت، وصل الحوثيون إلى المأزق. إنّهم يتحركون في كلّ الاتجاهات، لأنّ إيران تطلب منهم التحرّك وذلك كي يتمكّن المسؤولون فيها من القول أنّ أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء باتت تدار من طهران.

من يقول غير ذلك ويتجاهل ارتباط الحوثيين بإيران ساذج. في مقدّمة السذّج الإدارة الأميركية التي لا تمتلك سياسة في اليمن باستثناء الحرب على “القاعدة”. هل تدري الإدارة الأميركية أنّ لا أفق للحرب على “القاعدة” في ظلّ تمدّد “أنصار الله” وسعيهم إلى اختراق الوسط والجنوب من منطلق مذهبي، وأنّ من يتغاضى عن “أنصار الله” وتصرّفاتهم في اليمن يوفّر حاضنة لـ“القاعدة” في المناطق الشافعية؟

يبقى أنّ أخطر ما كشفه الخطاب الأخير لعبد الملك الحوثي يتمثّل في غياب أيّ مشروع سياسي أو اقتصادي لدى “أنصار الله”. لا بدّ من الاعتراف بأنّهم تعرضوا لظلم تاريخي نظرا لأن مناطقهم لم تحظ بأيّ اهتمام من الدولة في السنوات الخمسين الأخيرة، لكنّ لا شيء يمكن أن يبرّر ذلك الشبق إلى السلطة الذي يرافقه كلام عن الرغبة في “الشراكة”. الشراكة مع من، ومن أجل ماذا؟

الأكيد أن اليمن في حاجة إلى صيغة جديدة تأخذ في الاعتبار الصعود الحوثي والنفوذ الإيراني في البلد.ّ الأكيد أنّ ذلك يكون عن طريق عقد مؤتمر وطني، كما يدعو إلى ذلك عبدالملك الحوثي، لكنّ الأكيد أيضا أن ليس في الإمكان التوصل إلى مثل هذه الصيغة بوجود فريق مسلّح يسعى إلى فرض شروطه على الآخرين، كما حصل في تاريخ لم يمرّ عليه الزمن. حصل ذلك في سبتمبر الماضي عندما احتلّ الحوثيون صنعاء، ووضعوا الأطراف السياسية الأخرى أمام أمر واقع، وجعلوا هذه الأطراف توقّع “اتفاق السلم والشراكة” تحت تهديد السلاح.

لا سلم ولا شراكة في هذه الحال، خصوصا أنّ الوسط والجنوب يعيشان حاليا في عالم آخر بعيد كلّ البعد عن لعبة “أنصار الله” وما يمثّلونه.
- صحيفة العرب اللندنية
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 01:41 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-23844.htm