صعدة برس-فيصل الصوفي -
مظلومة عدن
فيصل الصوفي
اشتاق الأولاد وأمهم لعدن كما قالوا، فتركنا القرية ثاني أيام العيد وانزلقنا إلى عدن، وفيها أمضينا أربعة أيام حسوماً، وعدنا منها فارين ولكن غير نادمين. لنا آراء مختلفة حول معظم القضايا، أما بالنسبة للنظرة إلى عدن هذه المرة فقد أجمعنا كلنا على أنها ليست عدن التي نعرفها معرفة تامة. القمامة تغطي الشوارع والأرصفة والساحات العامة.. لا يوجد شبر من الأرض ليس عليه شيء من القمامة.. وإذا هبت الرياح غطت سماء عدن سحب ركامية من تراب وقراطيس وأكياس بلاستيك من كل لون.. قمامة قمامة.
قمامة عند باب الفندق وباب المطعم والسوق والفرزة.. قمامة في كل مكان.. وروائح كريهة عابرة للمسافات الطوال وذات تدمير شامل وإذا سألت عن السبب، يأتيك الرد السريع : عمال النظافة اضربوا عن العمل لأنهم لم يحصلوا على الأجور والإكرامية. الجميع في انتظار عمال النظافة، ولا أحد يكلف نفسه حتى تنظيف المكان أمام منزله أو متجره أو فندقه أو مطعمه أو موقف سيارته.
* لا فل ولا عطر ولا بخور ولا روائح فاكهة.. الروائح السيدة روائح العفن.. هذه ليست عدن التي عرفناها. أهل النظافة عدنية، فماذا حدث يا ناس؟ النظام عدني، ولكنه فقد هويته هذه الأيام وصارت الفوضى مظهراً مألوفاً، حتى أن السائقين يعكسون خطوط السير دون دواع لذلك. والتخريب في الشوارع حالة عامة، فمن أين طرأت هذه النزعة المؤذية للذات، وهذه المهارة في تخريب المصالح العامة؟
الحالة الأمنية في عدن جيدة، بل هي أفضل من أي محافظة أخرى، ومع ذلك فإن الانطباع الذي ساد لدى الآخرين هو أن عدن منطقة خطرة، ولم تكلف السلطات المحلية نفسها بذل أدنى جهد لتغيير ذلك الانطباع الذي ساد لدى المواطنين وغير المواطنين. وقد كان لتلك الصورة السلبية أثرها في شتى مظاهر الحياة والأنشطة الاقتصادية في عدن.
* الفنادق مثلاً شبه خاوية، وكذلك المحلات الخدمية، وافتقد كثيرون لمنافع السياحة والتجارة. والخاسرون كثر على أية حال. في الأعياد والمناسبات التي سبقت هذا العيد كان مسئولون يتحدثون عن جاذبية عدن ويسوقون لنا الأرقام الكبيرة.. بمئات الآلاف.. وبالمليون أحياناً وهم يحصون أو يتوقعون أعداد الزوار والسياح. هذه المرة لم يذكروا لنا رقماً.. بل لم يتكلموا أصلاً.. ولهم الحق في الصمت، لأنه لا يوجد شيء يستدعي الحديث وقد وقعت الواقعة، وكان بمقدور السلطات المحلية متضامنة منع وقوع الواقعة مسبقاً لو خرجوا إلى الناس بحديث صدق عن حقيقة الحالة الأمنية في عدن، وهي كما قلنا حالة جيدة بصفة عامة، بل إن الأمن والأمان هما الأصل في عدن في كل الظروف والأحوال، فلم تكن في يوم من الأيام مرهبة ولا مخوفة ولا مغضبة ولا ملهبة حتى في أحلك الأزمات والظروف.