صعدة برس - *علي البخيتي
[* علي البخيتي، كاتب وسياسي يمني، قيادي سابق في جماعة أنصار الله (الحوثيين)، استقال مؤخرا من عضوية مجلسها السياسي، وانخرط في نشاط ناقد ومعارض لسلوك الجماعة وممارساتها. المقال التالي، ينشر بالتزامن، عن مدونة علي البخيتي، ويومية "الأولى" 15 / 2 / 2015م]
لست مع الإعلان الانقلابي الذي أصدره أنصار الله، الجمعة قبل الماضية، وكنت أول المهاجمين له – قبل صدوره بساعات - واعتبرته انقلاباً على العملية السياسية وكل التوافقات السابقة، لكني كذلك لست مع ردة الفعل الخليجية تجاه هذا الانقلاب، وبالأخص ما يتردد في وسائل الإعلام عن سحب كل سفراء مجلس التعاون من صنعاء، واعتزام دول المجلس إصدار حزمة عقوبات ضد اليمن وأنصار الله "الحوثيين" قد تطال المواطنين العاديين قبل أن تطال أنصار الله كتيار سياسي.
***
أتفهم سحب بعض الدول الغربية لسفرائها وإغلاق سفاراتها، فروابط اليمنيين بتلك الدول عادية، وبالتالي فتلك الدول غير معنية كثيراً بالملف اليمني وإيجاد تسوية له، لكني أرى أنه من غير المنطقي أن تقوم دول الخليج العربية بسحب سفرائها وإغلاق سفاراتها في صنعاء، لأن ذلك سيعتبر تسليماً من تلك الدول بنفوذ وتأثير إيراني بديل للتأثير الذي كانت تحظى به تلك الدول، كما أنه رسالة خاطئة إلى الشعب اليمني – على الأقل من يودون تلك الدول - مفادها أن تلك الدول تخلت عنهم في أول اختبار حقيقي، كما أنه سيحبط التيارات الرافضة للانقلاب، على اعتبار أن دول الخليج استسلمت للأمر الواقع الجديد في اليمن، وبالتالي فلا مناص أمامهم من التسليم به كذلك.
***
كما كتبت في مقال الأمس، فإن علاقتنا بدول الخلج حتمية وإجبارية بحكم الروابط التاريخية والجغرافية التي لا تقبل التغيير، وبالتالي فتلك الدول معنية باستمرار دعم اليمن واليمنيين والدفع لإيجاد تسوية للأزمة الحالية، وانسحاب تلك الدول من اليمن وقطع برامج الدعم التي أقرت في مؤتمرات أصدقاء اليمن، وإصدار قرار عقوبات ستعني بمجملها عقوبات جماعية على الشعب اليمني لن تطال المستهدف منه، وستأجج الشارع اليمني على تلك الدول، وعند اشتداد الأزمة الاقتصادية واستفحالها ستتدخل إيران حتماً وتظهر كالمنقذ لليمن واليمنيين من الأزمة.
***
العقوبات التي فرضت على النظام الإيراني ساهمت في تقوية النظام ودفعت به للاعتماد على النفس، صحيح أن ظروف اليمن مختلفة، لكن بالتأكيد فإن أي عقوبات ستنفتح نوافذ أخرى أمام سلطة الأمر الواقع الجديدة "أنصار الله"، والموقف الروسي الأخير في مجلس الأمن الذي أوقف وبصرامة اتخاذ أي قرارات قوية ضد أنصار الله خير دليل على ذلك.
هناك دول كثيرة كانت تعتبر اليمن منطقة نفوذ سعودي أمريكي، وشاءت الظروف أن تتغير ما أوجد فرصة تاريخية لتلك الدول لملء أي فراغ قد يحدث، ومغادرة أمريكا والرياض قد يدفع إيران وروسيا لملء الفراغ دون تكاليف باهظة عليهم.
***
هل تعي دول الخليج أهمية اليمن وموقعه؟ وهل يعي كل أصدقاء اليمن معنى أن تكون روسيا أو إيران في باب المندب؟ وأن أهمية باب المندب كأهمية قناة السويس، أنا لا أهول أو أبالغ، فأي حصار سيضرب على اليمن واقتصاده سيدفع بالسلطة الجديدة لطرق كل الأبواب لإيجاد منافذ أخرى للاقتصاد اليمني، وهناك دول كثير لن تترك هذه الفرصة التاريخية تمر دون أن تُجيد استثمارها، وبالأخص أنها لن تخوض أي حرب لإيجاد نفوذ لها في هذه البقعة الجغرافية المهمة في العالم، وما عليها هو فقط بعض الدعم المالي واللوجستي للنظام الجديد، ودفع المستثمرين والشركات للاستثمار في اليمن الذي لا يزال بكراً، وبالتالي ستكون مستفيدة، أيضاً، من ذلك النفوذ، ولن يكون الدعم المالي والاقتصادي الذي قد تقدمه تلك الدول إلا نسبة من الأرباح المتوقعة لاستثماراتها.
***
أتمنى على دول الخليج أن تتأنى قبل اتخاذ أي قرارات، وأن تكلف مختصين بدراسة أنسب الوسائل للتعامل مع الملف اليمني وأزمته الحالية، وأن لا تعتمد على قرارات ارتجالية قد تأتي بنتائج عكسية على المدى المتوسط والبعيد، كما أنه من المهم أن يعرف الجميع أن تكرار تجربة سوريا في اليمن سيكون مدمراً على الجميع، ولن تكون الأراضي اليمنية مسرح القتال الوحيد، فداعش اليمن –التي قد يتم توليدها لمواجهة أنصار الله- ستجد طريقاً الى الأراضي الخليجية المجاورة لليمن، ونموذج انتقال داعش من سوريا إلى العراق لا يزال ماثلاً للعيان.
قد يظهر من كلامي هذا وكأني أحرض على إيران أو روسيا ولا أرغب في أن يكون لهما أي دور في اليمن، وهذا الكلام غير صحيح بالمطلق، فأنا لا أريد أن تصبح اليمن منطقة نفوذ خالصة لأي من المحاور المتصارعة في المنطقة والعالم، وبالتالي فمن مصلحة اليمن أن تكون كل الدول موجودة باستثماراتها ومصالحها ونفوذها وبشكل متوازن لا يجعل اليمن محلاً لأي مواجهات يكون الدم اليمني والجغرافيا اليمنية هي الضحية.
***
كما أن كلامي ليس استدعاءً لنفوذ ووصاية خليجية أو سعودية، فجل ما أسعى إليه هو علاقات حسن جوار لا تشعر فيها دول الخليج بأي خطر من السلطة الحاكمة في اليمن، ولا تشعر كذلك بأن هناك تأثيراً ووجوداً طاغياً لأي دولة تعتبرها السعودية عدوة لها ولمصالحها ولنظامها مما قد يستفزها ويدفعها لمواجهة ذلك بشتى الوسائل.
أريد أن يكون اليمن مفتوحاً للجميع على المستوى الاقتصادي والاستثماري والسياسي، ولا يكون منطلقاً لأي أعمال عدائية ضد أي دولة عربية أو غربية أو أي دول أخرى بما فيها إيران، أرغب في أن نتفرغ لبناء اليمن اقتصادياً وترميم إنسانه الذي جرحته الحروب والصراعات المستمرة منذ عقود.
albkyty@gmail.com |