صعدة برس - بقلم/ عبده محمد الجندي
< اليمن الأرض والإنسان عرفت عبر التاريخ أنها كانت الموطن الأول للعرب العاربة التي تفرعت منها جميع الجداول التي تكونت منها العرب المستعربة مكونة قبل وبعد الدين الاسلامي الحنيف وفي ظله ما عرف بالأمة العربية المكتملة المقومات القومية الثابتة والمتغيرة مثل اللغة والتاريخ والجغرافيا الممتدة من المحيط الى الخليج وما تنطوي عليه من الثقافة والمصالح الاقتصادية المشتركة الى غير ذلك من العادات والتقاليد الاجتماعية، منجبة واحدة من أنضج الحضارات الوسطى التي عجلت بنهاية الحضارات القديمة العظمى الرومانية والفارسية وبناء حضارة وامبراطورية اسلامية مترامية الاطراف ومتعددة الأمم القومية المختلفة التكوين.
أعود فأقول إن الوطن والشعب العظيم الذي وصفه القرآن بقوله تعالى: «لقد كان لسبأٍ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور» صدق الله العظيم، وقال الرسول العربي العظيم وسيد الأنبياء والمرسلين: «أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية» صدق رسول الله.. اليمنيون يستحقون قيادة سياسية أفضل من هذه القيادة وأحزاب سياسية ديمقراطية أفضل من هذه الأحزاب التي ما برحت تكرس النزعات المناطقية والمذهبية والطائفية لنقل العاصمة من صنعاء الى عدن ونقل الحوار من صنعاء الى الرياض، وترحيل الديمقراطية والتنمية الاقتصادية وبناء الدولة المدنية الحديثة وبناء القوات المسلحة والأمن الى أجل غير مسمى بصورة تتنافى مع مجمل المخرجات الحوارية المكلفة بصورة تظهر هذه القيادات الحزبية والسياسية وكأنها تحاول عبثاً تطويع الشعب وتطبيعه لصالح القيادة السياسية التي لا تحتكم سوى للخارج على الداخل، وتعتبر شرعيتها الخارجية المدعومة من المجتمع الدولي هي الأصل على نحو لا يقيم أي وزن أو حسابات للشعب اليمني ومعه كافة القوى السياسية وفي مقدمتها العميلة التي تسبح بحمده وتتظاهر بالولاء له وكأن الحياة والموت السياسية بيد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة البريطانية وغيرها من الدول الراعية للمبادرة الخليجية.
أعود فأقول إن الشجاعة منقطعة النظير التي أظهرها زعيم أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي قد أظهرت العيوب السافرة والمتسترة للرئيس المستقيل وبينت ضعفه المستند الى الحماية الأجنبية وكشفت عمالة بعض القيادة السياسية والحزبية التي تسبح بحمد المجتمع الدولي وحمايته مؤكدة أنهم نمور ولكن من ورق مهما تعاظمت وتظاهرت بالقوة الا أنها ضعيفة أمام الإرادة الشعبية التي هي جزء لا يتجزأ من إرادة الله، وأكدت أن الشعب اليمني هو المالك الوحيد للسلطة والسيادة وأن العملاء والخونة يموتون مرات عديدة قبل موتتهم الأخيرة مهما تظاهروا بالشجاعة في تدمير الجيش والأمن، لأن القوات المسلحة والأمن التي كابدت سلسلة من الاهانات التي وصفتها بأقذع الأوصاف واتهمتها بكلما هو زيف وبهتان من الإشاعات والسباب والإهانات الذميمة والقبيحة هي وحدها القوة القادرة على حماية هؤلاء الساسة العملاء الذين حولوا المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة ومؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن الدولي وعقوباته الى مسرحية هزلية أظهرت الوطن والشعب اليمني بأنهما لم يكونا سوى مستعمرة أجنبية تحول فيها ممثل الأمين العام ومجموعة سفراء الدول الراعية لما سموها بالتسوية السياسية والانتقال السلمي للسلطة بعد أن اختيرت حكومة الكفاءات من الشخصيات التابعة والمرتبطة بهذه السفارات التي لا حجم لها ولا وزن شعبي يؤكد ارتباطها بالهيئة الناخبة للشعب اليمني صاحبة القول الفصل في الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وآلية السوق والشرعية الانتخابية لأن الانتخابات الحرة والنزيهة للسلطات التشريعية والتنفيذية تحولت الى مستحيلات مكانها الأحلام والتطلعات وليس لها على الأرض مكان، بعد أن أصبح رئيس الجمهورية حسب القرارات الدولية مخلداً في موقعه الى حين انتخاب رئيس جديد، وأصبحت المبادرة الخليجية عبارة عن مهام شبه مستحيلة لا علاقة لها بما تنص عليها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة والمواقيت والأزمنة القابلة للتنفيذ في مواعيدها القانونية..
أقول ذلك وأقصد به أن هذه اللعبة السياسية التي لها بداية وليس لها نهاية قد جعلت الشعب يشعر بالآلام والمهانة التي جعلته آلة بيد الرئيس وبيد بعض القيادات الحزبية التي لا حدود ولا قيود لما لديها من الأطماع السياسية والاقتصادية التي جعلت حياته لعبة بيد هذه القيادات الفاسدة والمفسدة فيما لديه من الإمكانات والثروات المالية لا بل وتجاوزت ذلك الى مصادرة ما يمتلكه من الحقوق والحريات الدستورية والقانونية، لأن الشعب اليمني أصبح مطوعاً بإرادة دولية لخدمة قياداته السياسية الفاسدة ولا يمتلك أي خيار سوى الارتهان والاستلاب لما لديها من النزوات والشهوات والملذات والأطماع، ولو لم تكن هذه القيادات المستبدة بحياة الشعب والمنتهكة لما يمتلكه الوطن من القداسة والمستبيحة لما نص عليه الدستور والمحرمات لكانت فكرت بوضع نهاية معقولة ومقبولة لما تقوم به هذه القيادات العميلة من التكتيك والمناورة السياسية حتى ولو وصل بها الحال الى حد الموافقة على ما يحدث من ممارسات نقل العاصمة وتعبئة أبناء الجنوب على أبناء الشمال وجعل المواطن في هذه المدينة الانفصالية أو تلك يساوي خمسة مواطنين في هذه المدينة الوحدوية أو تلك.. بصورة تذكرنا بما تحتوي عليه العصور العبودية من ذكريات مأساوية للعلاقة بين السادة والعبيد أو بين الاقطاعيين والأقنان أو بين البرجوازيين والعمال بحكم الانتقاص الطبقي الذي يجعل الملاك أكثر قيمة إنسانية من العبيد والأقنان والعمال الذين يعملون في مزارعهم ومصانعهم لأن الملكية تعني الامتياز الطبقي الذي يجيز استعباد أو استغلال الانسان لأخيه الانسان.
كيف وقد تحولت الوحدة اليمنية الى عبء يدفع ثمنه أبناء الشمال وأبناء الجنوب الوحدويون وأصبح الرئيس الجنوبي يمارس الاضطهاد والفساد وعلى نطاق واسع بإرادة إقليمية ودولية تمنحه هذا النوع من الامتيازات العبودية والسلطات الاستثنائية الدكتاتورية المطلقة على من يعتقدون أنهم مستعدون للتضحية من أجل الوحدة حتى ولو فرض عليهم الانتقاص من حقوقهم وحرياتهم السياسية والاقتصادية، ناهيك عن انتهاك واستباحة مقدساتهم الدستورية والقانونية.. كل ذنبهم أنهم بحكم أغلبيتهم السكانية أصحاب قيمة رخيصة تشبه مكانة «الحياسي» قياساً لما كان الإمام يفرضه على المعارضين لشق وسفلتة طريق الحديدة صنعاء من الصين حين قال إن على هؤلاء اليمنيين أن يفهموا أن قيمة الصيني وديته تساوي خمسة «حياسي» من أبناء الشعب اليمني إذا حدث أي مكروه يؤدي الى الاعتداء على العمال والمهندسين الأجانب من أبناء الصين من شأنه توقيف ما تقوم به الشركات الصينية العاملة في خط الحديدة - صنعاء من أعمال الشق والسفلتة رغم ما عرف به الإمام يحيى حميد الدين وولده الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين من نزعات الريبة والشك تجاه الأجانب اعتبرت كل أجنبي مستعمراً حتى لو تظاهر بغير ذلك.
أعود فأقول إن تمترس الرئيس المستقيل خلف هذه النزعات العبودية في جعل تمثيل أبناء الجنوب رغم قلة عددهم يساوي تمثيل أبناء الشمال بواقع النصف 50% للجنوب و50% للشمال في سابقة تعيد العبودية المنقرضة منذ زمان سحيق في الماضي الذي ثارت عليه البشرية المؤمنة بالمساواة ولم يكتفِ بذلك التمييز الطبقي العبودي بل تجاوز ذلك الى الأولوية في التوظيف والتعيين.. الخ.
ناهيك عن قراره الأخير في نقل عاصمة الدولة من صنعاء المحتلة من أنصار الله الى عدن المتحررة واسلوب تعامله غير المعقول وغير المقبول من الجنوبيين قبل الشماليين مع الحرس الرئاسي ومع قائد قوات الأمن الخاصة ومع مدينة عدن التي أصبحت مدينة مفتوحة بلا حدود ولا قيود للمسلحين والمليشيات الانفصالية والقاعدية من اليمنيين وغير اليمنيين الأجانب وبإرادة أجنبية تتنافى مع جميع القوانين الدولية التي تحرم هذا النوع من التمييز والعبودية والارهاب بين أبناء الشعب الواحد بصورة همجية تفرض عليهم المواطنة غير المتساوية تشبه تلك المواطنة العبودية التي كانت سائدة بين أبناء الامبراطوريات الرومانية وغيرها من الامبراطوريات العبودية التي أعطت الصفوة من الملاك ورجال المال والاعمال حق الملكية الخاصة لأخيه الإنسان على نحو جعل للأغلبية الساحقة من أبناء الشعوب والأمم المبررات الواهية لبيع أنفسهم لقلة من طبقة الملاك ورجال المال والأعمال الذين فرضوا سيطرتهم على ملكية السلطة والثروة.
ان رئيس ورؤساء أحزاب يفكرون بهذه العقلية المستبدة وغير القادرة على استيعاب المتغيرات السياسية والاقتصادية والديمقراطية التي ألقت بظلالها على جميع التجارب السياسية والوحدوية والديمقراطية، النافذة ناضجة كانت أو ناشئة جعلت المواطنة غير المتساوية عملية مستحيلة.
أقول إن الرئيس عبدربه منصور هادي الذي أصبح عدواً لكل الوحدويين الشماليين والجنوبيين لم يعد قادراً على إدارة الدولة في الجمهورية اليمنية، لأنه أصبح لعبة بيد الدول الخارجية وسيفاً مسلطاً على الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب اليمني يطلق على المؤتمريين و الحوثيين صفة المحتلين لعاصمة الدولة ويطلق على الأجانب بأنهم الشرفاء والمنقذين الأحق بالاتباع باعتبارهم أصحاب مكانة تحررية مقدسة وكلمة نافذة لا يجدون مكاناً مناسباً لسفاراتهم الا في المدينة التي يقيم بها رئيس الجمهورية المستقيل والهارب من عاصمة الدولة التاريخية التي نص عليها دستور الجمهورية اليمنية المستفتى عليه من الشعب.
إن الرئيس الذي سخر ما لديه من إمكانيات الشعب وثرواته للتخلص من القوات المسلحة والأمن وأشاع التفرقة الطائفية والمذهبية والمناطقية بين أبناء الشعب اليمني واصفاً قواته المسلحة والأمن بكل الأوصاف الذميمة والقبيحة أشاع في جميع الأوساط العسكرية والأمنية أن الوحدويين شماليين كانوا أو جنوبيين هم الأعداء الحقيقيون لبعض الانفصاليين المستفيدين من دعم ومساندة الدولة وما لديهم من اللجان الشعبية المعدة كبديل لأبناء القوات المسلحة والأمن المرابطين في المحافظات الجنوبية، ومعنى ذلك أن اللجان الشعبية بما فيها أتباع القاعدة التابعين للرئيس هادي هي البديل لأبناء القوات المسلحة والأمن في المحافظات الجنوبية والشرقية التي تحارب القاعدة وتحمي السيادة والوحدة اليمنية في حين أن اللجان الشعبية الوحدوية التي تحارب القاعدة وتحمي الأمن والاستقرار والسيادة في الشراكة مع أبناء القوات المسلحة والأمن المرابطة في المحافظات الشمالية الذين يطلق عليهم رئيس الجمهورية عبارة محتلين للمحافظات الوحدوية مثله في ذلك مثل بعض الدول الخليجية التي تسمي عاصمة الدولة المدنية محتلة من قبل أنصار الله ومن يقترب منهم من التمسك بالثوابت الوطنية.
ومهما اضطرت الاحزاب ممثلة بما لديها من قيادات حزبية انتهازية الى القبول بعودة الرئيس المستقيل الى الموقع الرئاسي الاول بقناعة حيناً وبمصلحة غير مشروعة حيناً بضغط خارجي معظم الاحيان الا أن هذا الرجل العاجز عن إرادة الدولة، سيظل عائقاً لأية عملية تطورية من شأنها إخراج الشعب والوطن اليمني من أزمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والامنية المركبة بصورة تضاعف من أوجاع الشعب ومعاناته التي لم يعد قادراً على تحمل ما تحدثه من الآلام وسيجد نفسه حتماً مضطراً الى الخروج الملفت للأنظار بعد أن تكون أحزاب المشترك عاجزة عن المجاراة والتصدي لهذا الطوفان الجماهيري المطالب برحيل هذا النوع من القيادات العميلة الى حد من الابتذال.
وهكذا يتضح مما تقدم أن الشعب اليمني العظيم قد يكون في لحظة حسن نية مضطراً الى تقبل القيادات الضعيفة والفاسدة تحت مخاوف مسؤولة عن تقديم الكثير من التنازلات وأنواع الصبر خوفاً من العواقب الكارثية الوخيمة التي لا تخلف سوى الصراعات والحروب الاهلية الطاحنة الا أنه عند نقطة معينة من نفاد الصبر ونفاذ القدرة على التحمل والاستعداد لتقديم التنازلات يجد نفسه أمام حتمية الخروج على الحاكم الفاسد، مؤيداً بملايين المواطنين الأحرار شماليين كانوا أو جنوبيين لأن الحياة بدون الحرية تتحول الى نوع من المغالطة المفضوحة مثلها مثل الحياة العبثية التي تكثر من الحديث عن الديمقراطية ولا تترك للشعب سوى القبول بتقديم رقبته للمشانق الناتجة عن الاستبداد التي تكثر فيه المغالطات المدمرة للحياة والحرية فاتحة الطريق أمام نفس المظالم التي تقودها القيادات الحزبية والسياسية المتوحشة التي تتظاهر بالقوة رغم ما تشهد به عليها أعمالها الفاسدة من الضعف الذي يحرم عليها تبوأ المراكز القيادية الاولى خوفاً على ضياع الدولة وضياع سيادة القانون لأن الاصل أن تكون القيادات مختارة من شعوبها وأن تكون هذه القيادات في خدمة هذه الشعوب لأنه لا يوجد في الأوضاع الصائبة والطبيعية شعوباً تابعة لهذه القيادات المفروضة من الخارج. |