صعدة برس -وكالات - ترجمة فتحي التريكي
كان من نتائج الانتفاضة الديموقراطية في العام العربي عام 2011 أن جلبت أحد أهم التحالفات الإقليمية السرية إلى دائرة الضوء، والتحالف المعني هنا هو التحالف ما بين «إسرائيل» والديكتاتوريات العربية الخليجية وفي مقدمتها العائلة الحاكمة السعودية.
لقد صار من الواضح أكثر فأكثر للجميع، ذلك الميل الذي تبديه الملكيات الخليجية والنظام في «إسرائيل» للديكتاتوريات في العالم العربي، فر «بن علي» من تونس إلى المملكة العربية السعودية بعد عزل شعبه له، وفي حين بدا الأمريكيون مترددين حول الاستمرار في دعم «مبارك» من عدمه، كانت السعودية غاضبة أن الولايات المتحدة لم تدعم بشكل كاف الديكتاتور المصري.
بالنسبة للإسرائيليين، بالطبع كان «مبارك» خيارا مفضلا، فقد شعرت «إسرائيل» بالخطر عندما جاء إلى السلطة أول رئيس منتخب في مصر، ثم شعرت بالارتياح حين تمت الإطاحة به من قبل الجيش في يوليو/تموز من عام 2013.
لا يمكن أن تستمر الاتصالات الإسرائيلية على المستوى الرسمي بالعالم العربي مع تنامي الاعتراض الشعبي، حيث ما تزال «إسرائيل» تلقى معارضة شعبية كبيرة، الدولتان الوحيدتان اللتان تقيمان علاقات ديبلوماسية رسمية مع «إسرائيل» في المنطقة هما مصر والأردن، وكلاهما على حد سواء من الديكتاتوريات حيث من المرجح أن أية ديموقراطية حقيقية قد تؤدي في النهاية إلى إنهاء معاهدات السلام، أو على الأقل إعادة التفاوض بشأن البنود غير العادلة فيها.
في الحال، ألقى الأمريكيون «مبارك »تحت الحافلة (بمعنى أنهم ضحوا به)، ولكن فقط على أساس أنه سيتم الحفاظ على الدولة العميقة، وأن الجنرالات وأعوانهم سوف يحتفظون بالسلطة من وراء الكواليس، في نهاية المطاف هذا هو ما حدث، على الرغم من بعض المحاولات المحدودة لمقاومة ذلك من قبل «محمد مرسي»، أول رئيس منتخب ديموقراطيا في مصر، (الذي حكم عليه بالإعدام بتهم هزلية وأيدت فقط عن طريق محاكم نظام الانقلاب في مصر).
في عام 2013، رصدت في مقالين كيف أن التحالف بين المملكة العربية السعودية و«إسرائيل» قد بدأ يخرج إلى العلن، فالدولتان، ورغم عدم وجود أي علاقات ديبلوماسية رسمية بينهما، قد وجدتا على نحو متزايد أرضية مشتركة صارت تنمو تدريجيا بمرور الوقت نحو العلن.
المجال الرئيسي لهذه الأرضية المشتركة هو الذعر بشأن إيران والقدرات النووية المفترضة لها، في الواقع فإن إيران لديها برنامج للطاقة النووية، والذي حاولت «إسرائيل» منذ فترة طويلة تخريبه من خلال وسائل مختلفة، بما في ذلك رعاية الهجمات الإرهابية لقتل العلماء الإيرانيين، والهجمات السيبرانية مثل «ستكسنت» التي استهدفت منشآت الطاقة النووية بشكل خاص.
ولكن الآن، فإن الولايات المتحدة في عصر «أوباما» قد توصلت أن أكبر كذبة ممكنة لها أن في مصلحتها أن تواصل تجاذب التوترات مع إيران، فكلا من الإدارة الأمريكية وإيران توصلتا إلى اتفاق مؤقت لتخفيف بعض العقوبات ضد إيران مقابل حدود معينة وقيود حول برنامج الطاقة النووية الايراني، بينما «إسرائيل» ليست سعيدة بهذا الأمر بالطبع، وقد قام «نتنياهو» ببذل قصارى جهده لتخريب هذه الصفقة، رغم أن جهوده لم تكلل بالنجاح حتى الآنـ فيما دق السعوديون أجراس الخطر أيضا، ويبدو أن كلا من «إسرائيل» والسعودية الآن تنقلان دعايتهما ضد إيران من التركيز على القضية النووية إلى التركيز بشكل أكبر على مؤامرة إيرانية مزعومة للهيمنة على المنطقة.
والآن في عام 2015، فإن التحالف الإسرائيلي-السعودي قد صار مفتوحا على مصراعيه، لدرجة أنه لم يبق إلا القليل أمام النظامين ليشرعا في تبادل فتح السفارات، كلاهما حلفاء الولايات المتحدة، وكلاهما يتلقي مساعدات عسكرية ضخمة ودعم سياسي من الولايات المتحدة، ولكن لديهما أيضا اختلافات أساسية ومهمة في السياسة مع الولايات المتحدة في الوقت الحالي.
المملكة العربية السعودية بالطبع هي واحدة من أسوأ الأنظمة الأصولية وأكثرها وحشية في العالم، فهي تأتي في المرتبة الثانية في معدلات قطع الرؤوس، حيث تم تنفيذ عقوبة الإعدام في مئة شخص بهذه الطريقة خلال النصف الأول من هذا العام وحده، وهو أكثر من الرقم الكلي خلال عام 2014، وهو معدل يفوق التنظيم المسمى بـ«الدولة الإسلامية»، ففي عام 2014 أعدم النظام السعودي ما لا يقل عن 90 شخصا، مما يجعلها ثالث أكبر الجلادين في العالم بعد الصين (الأرقام تعد سرية ولكن تعتقد منظمة العفو الدولية أنها تقدر بالآلاف) وإيران (289 حالة رسمية).
وليست قضايا حقوق الإنسان من بواعث القلق التي أدت إلى الخلافات بين الولايات المتحدة والحكومة السعودية، بل هي إقدام المملكة على ممارسة السخرية من قوة الولايات المتحدة في المنطقة، والتفسير السعودي المتطرف من الإسلام يتبنى النهج الطائفي بشراسة، ولاسيما ضد الجناح الشيعي في الإسلام، والذي تخرجه السعودية من دائرة الإسلام، لهذا السبب، فإن السعوديين يعارضون بشكل جذري الحكومتين العراقية والإيرانية، ففي كلا البلدين هناك أغلبية الشيعية والحكومات هناك يقودها الشيعة.
في سوريا، تحكم البلاد من قبل زمرة حاكمة تنتمي إلى الطائفة العلوية التي ما تزال تطبق على مقاليد السلطة رغم الحرب الأهلية الشرسة الدائرة هناك، فتصنف الطائفة العلوية من قبل السعودية وحلفائها على أنهم زنادقة، لهذه الأسباب فإن السعودية قامت بتصدير قوتها من خلالها وكلائها الإقليميين في كل دولة، ومرة بعد مرة وجدت السعودية نفسها تتداخل مع المصالح الإسرائيلية.
في العام الماضي، في خضم الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، وصف «ديفيد هيرست» مدير تحرير موقع «ميدل إيست آي» هذا التحالف بأنه «التحالف الغارق في الدماء»، وأشار إلى التقارير التي تفيد بأن «إسرائيل» قد حددت دور المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في نزع سلاح حماس، وأن الأموال الإماراتية السعودية سوف «تستخدم لإعادة إعمار غزة بعد أن يتم تدمير حماس».
وانسياقا خلف المبادرة السعودية، فقد مضى سائر طغاة الخليج في إقامة علاقات ديبلوماسية وتجارية واستخباراتية مع «إسرائيل»، المحقق الصحافي «روري دوناجي» في ديسمبر/كانون الأول كشف عن رحلات شبه سرية منتظمة على الطائرات الخاصة بين أبوظبي وتل أبيب، وفي فبراير/شباط كشف بالتفصيل كيف تم التعاقد مع شركة إسرائيلية لتركيب نظام تجسس ضخم في الإمارة الخليجية.
في أبريل/نيسان، ادعى «روبرت باري»، المراسل الذي كشف الكثير عن فضيحة إيران-كونترا في عام 1980، بالاعتماد على مصدر مجهول الولايات المتحدة، أن السعوديين قد منحوا نظراءهم الإسرائليين مبلغ 16 مليار دولار على مدى العامين والنصف الماضيين من أجل تدعيم هذا التحالف المعادي لإيران، ذهبت بعض هذه الأموال لشراء تأييد من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن العاصمة.
وكما جاء في تقرير لـ«إنترسبت» في بداية هذا الشهر، فإن التحالف قد خرج إلى العراء الآن، في أحد مراكز الفكر في واشنطن، من خلال أحد الأحداث العامة، تم الكشف عن أن البلدين عقدا سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى لمناقشة الأهداف الاستراتيجية المشتركة وخاصة حول إيران، حدث هذا من خلال 5 لقاءات ثنائية على مدار 17 شهرا كما ذكرت «بلومبيرج»، ولم يكن ممثلو الدولتين في هذا اللقاء شخصيات يستهان بها، «أنور ماجد عشقي»، جنرال سعودي متقاعد ومستشار للأمير «بندر بن سلطان»، السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة، وعلى الجانب الإسرائيلي كان «دوري غولد»، الذي كان مستشارا لرئيس الوزراء الراحل والمتهم بارتكاب جرائم حرب «أرييل شارون»، والآن المدير العام الجديد لوزارة الخارجية الإسرائيلية.
وبالتالي يمكننا أن نطلق على الحكومة السعودية الآن أنها «الليكود العربي»، في دعمهم لـ«إسرائيل»، فإنهم يذهبون حتى إلى أبعد من نظرائهم اليمينيين في الإدارة الأمريكية.
وبطبيعة الحال، فإن الاختلافات بين الأميركيين والسعوديين هي ذاتية تماما ولا تعني على الإطلاق بقضايا حقوق الإنسان، بقدر ما تعني بما سيؤدي إلى المستوى الأمثل من السيطرة الإمبريالية في المنطقة.
المصدر | ميدل إيست مونيتور
- See more at: http://www.yemenstreet.net/news-13724.htm#sthash.42aCwLP9.dpuf |