- مُحَـمَّـد الإنسان.. انتصر على أعدائه ثم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء..

الجمعة, 18-ديسمبر-2015
صعدة برس -
*أ/عبدالله علي صبري
لحكمةٍ شاءها المولى عز وجل، كان سيدُنا مُحَـمَّـد –عليه الصلاة والسلام- خاتمَ الأنبياء والمرسلين، وكان القرآنُ الكريمُ المعجزةَ الخالدة التي ميّزت الإسلامَ ونبيَّ الإسلام عن بقية الشرائع، وكان الخطابُ العقلاني لمعظم آيات القرآن الكريم كفيلاً بهدايةِ بني البشرية إلى معرفة الخالق وتوحيده، والإيمان بما جاء به مُحَـمَّـد وبما نزل عليه.

واللافتُ أن المعجزاتِ الكبيرةَ التي ظهرت على أيدي الأنبياء والرُّسُــل قبلَ محمد- صلى الله عليه وآله سلم- غدت لفترة من الزمن مجرد أساطير يتداولها الناس من قبيل التسلية، إلى أن جاء القرآن الكريم، وأبرَزَ دلالاتِها العميقةَ في تناول بديع يهُــزُّ القلوبَ، فكأنما المعجزاتُ المتواترةُ في الذكر الحكيم، جاءت كمُعجزة مضافة، ودليل على صدق نبوته صلوات الله عليه وعلى آله.

وفي ذروة تجلّيات الضعف البشري، تسامى سيدُ الخلق، ورفَضَ العرْضَ السماوي بإهلاك المشركين، كما حدَثَ مع أقوام أنبياء كُثْر، ليستحق الوصفَ القرآني (وإنك لعلى خلق عظيم).

لقد حاجج الرسول خصومَه وجادلهم بالحسنى، ورغب لهم الإيمان، ورفض كُلّ العروض المغرية التي قدموها كي يرجع عن دينه، وفي النهاية اضطر إلى قتالهم بعد أن عملوا على استئصال دعوته وتشريد مناصريه وملاحقتهم بالأذى والعدوان في موطنهم الجديد.

وكما أن بعض القبائل العربية، قد دخلت «الإسلام» بعدَ ما أكد مُحَـمَّـد وصَحْــبُه تفوُّقَــهم وعلو كعبهم في الجزيرة العربية، فإن الرعيلَ الأولَ من المسلمين، إنما دخلوا الدين الجديد عن رضا واقتناع وبذَلوا في سبيل حُرّية العقيدة النفس والنفيس، بعد أن وجدوا في مُحَـمَّـد دوماً وأبداً النبي الإنسانَ الذي يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، قريب من فقرائهم، مفتوح الصدر لأغنيائهم، أشجعهم في مواجهة العدو وقول كلمة الحق، وألينهم في مواجهة الإساءة الذاتية.. لذا لا عجب أن يكون مُحَـمَّـد معجزة الإسلام الثانية بعد القرآن الكريم.

واليوم، وعلى الرغم من مُرور مئات السنين على البعثة النبوية، ورغم المتاهات والتضحيات الجِسَام التي تدفعُها البشريةُ في الطريق إلى الرُّشد والأنسنة، فإن المجتمعَ المدني الذي شيده الرسول الكريم بالمدينة المنورة كان فياضاً بالأخلاق والقيم الحميدة التي أسست للإنسانية المثلى التي جاء بها الإسلام، وأكدتها سلوكيات الرسول الكريم كأسوة حسنة للعالمين إلى يوم الدين.

انتصر الرسولُ والإسلام للمرأة التي كانت تُوأَدُ في الجاهلية، كما انتصر للعبيد والأرقاء، فكانوا من حوله أحراراً، وانتصر للمظلومين وكانوا نوراً اهتدى به الحائرون والتائهون، وعزز الرسول الإنسان مكارم الأخلاق، بالحث على الصدق والبر، والإحسان، والعفو، والكرم، والصبر، والزهد… إلخ.

على أن الرسولَ الكريم كان سباقاً إلى تثبيتِ دعائم الحرية، وبالأخص الحُرّية الدينية، فقد كافح في السنوات الأولى لبعثته بمكة المكرمة؛ من أجل انتزاع حرية العقيدة، طالباً من سادة قريش، أن يخلوا بينه وبين الناس، على قاعدة “لكم دينكم ولي دين”، ولما اشتد الأذى الذي تعرض له العشرات من المسلمين الأوائل، أذن لهم الرسول بالهجرة إلى الحبشة، وهناك عاش المسلمون كأقلية دينية في ظل الاحترام المتبادل، الذي أفضى في الأخير إلى إسلام ملك الحبشة آنذاك.

وعندما هاجَرَ المسلمون إلى يثرب، وقع الرسولُ مع يهود ومشركي يثرب وثيقةَ المدينة التي أسَّست لمبدأ المواطَنة، واحترام الحريات الدينية، مع توحُّد الجميع على مبدأ الدفاع عن الوطن.

وقد ساعدت تعاليم الإسلام، بما فيها توصيات الرسول الكريم على بقاء الديانة المسيحية في أرض العرب حتى اليوم، بالإضافة إلى الديانة اليهودية، على الرغم من الغزوات والحروب التي خاضها الرسول معهم في جزيرة العرب.

وإذ نحتفلُ بذكرى المولد النبوي الشريف، فإن المسلمين معنيون قبل غيرهم، بإبراز الصورة الإنسانية للإسلام ونبي الإسلام، من خلال تجسيدها في سلوكياتهم وتعاملاتهم، بدلاً عن الصراخ المستمر إزاء الإساءات التي تظهر هنا وهناك بحق الإسلام والنبي مُحَـمَّـد (ص).

والتأسي به – عليه الصلاة والسلام-، لا يعني فقط تقويم السلوك الفردي للمسلم، لكنه يتعدى ذلك إلى إصلاح المجتمع من خلال التزام القيم الكبرى التي جاء بها الإسلام.. الحرية، العدالة، الشورى، المساواة، التكافل الإجتماعي، وغير ذلك.

وإذا كانت هذه القيم قد غدت بمثابة الحقائق في المجتمعات الغربية، فذلك يؤكّدُ أهميةَ المشترك الإنساني الذي يمكنُ أن يجتمعَ عليه المسلمون مع غيرهم من أبناء الديانات والثقافات الأخرى.. بل ويمكن لنا أن نقدمَ الرسولُ الكريم كنموذج إنساني للعالم قاطبة، من خلال مراجعة التأريخ الإسلامي، وتنقيحه من بعض الدسائس التي عادةً ما تجلبُ انتقاداتٍ شتى، المسلمون في غنىً عنها.

مُحَـمَّـد الإنسان، ما يزال مغيباً في كتاباتنا وتناولاتنا.. ربما لأننا افتقدنا معنى الإنسانية بعد حقبة طويلة من التقهقر والتخلف والانحطاط.

الرسولُ الإنسانُ في سلوكياته مع أولاده وزوجاته، ومع عموم مجتمعه.. موضوعٌ حريٌّ بالبحث والدراسة والتأمل، ولعلَّه الإسهام المطلوب من كُلّ الباحثين في ظل التجاذبات حول الأيديولوجيات والأفكار التي يمكن أن تحكمَ العلاقات الدولية في الحاضر والمستقبل.

ليست الأنسنةُ إذاً نبتةً شيطانيةً، فهي وإن كانت قد ازدهرت وأثمرت خارج حدود العالم الإسلامي، فإن جذورها تمتد إلى البقاع الطاهرة التي احتضنت محمداً قبل 1400 عام.

مُحَـمَّـدٌ الذي قال لرجل كانَ يرتجفُ بين يديه: هَــوِّنْ عليك إنما أنا ابن امرأة كانت تأكُلُ القديدَ بمكة!

مُحَـمَّـد الذي طالما كان يقول: إنما أنا بشر يوحى إليً.

مُحَـمَّـد الذي عندما فتح مكة منتصراً، قال لأعدائه: اذهبوا فأنتم الطلقاء!

صلى الله على مُحَـمَّـد وعلى الطاهرين من آله وصحبه.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-27564.htm